فضل الله: مشروع الحكومة للمصارف يضع أموال المودعين في غياهب المجهول
رؤية "حزب الله" 2030: ماذا يدور في بال قيادته؟
لم يصدر حتى الآن، من المسؤولين الرسميين أو الأكاديميين والخبراء المحيطين بـ "الحزب"، أيّ نص سياسيّ رصين يتناول طبيعة مرحلة ما بعد الحرب. مجموعة الخطابات التي أطلقت لا ترتقي إلى مستوى الرؤية، لكنّها بمعظمها تشكّل تخبّطاً استعراضياً، انتهى به الأمر إلى ربط تلفزيوني لموضوع السلاح بمسألة إيمانيّة هي "ظهور المهدي". لست من القائلين إن "حزب اللّه" – حتى في عزّ قوّته وتماسكه – كان يعمل دائماً من ضمن خطّة أو استراتيجيّة مدروسة بعناية ومكتملة المواصفات. مع مقتل معظم قيادات الصفّ الأول – المجلس الجهادي ومجلس الشورى – لا شكّ أنّ "الحزب" (وهو يعمل تحت ضغط استثنائي) لم يستطع أن يبلور بعد خطّة عمل متكاملة للمرحلة الخمسية المقبلة. لكنه بالمقابل بات من الواضح أن المرتكزات الأساسيّة لهذه الخطّة ماضية بالتشكّل، وقد بدأت بعض معالمها بالظهور إلى العلن.
تستند هذه الرؤية (لنسمِّها "حزب اللّه" 2030) إلى خمسة مرتكزات أساسيّة:
1. رسم حدود الهزيمة عند جنوب الليطاني: يدرك "حزب اللّه" أنه هزم عسكرياً بالحرب، ولكنّه يؤمن أنّ هزيمته لم تكن مكتملة الأوصاف، وأنّه استطاع بحكمة القيادة السياسيّة فيه (على عكس القيادة العسكرية التي كانت تريد الاستمرار لتحسين شروط التفاوض) التوقيع على اتّفاق وقف إطلاق النار بلحظة مناسبة، مستفيداً من الضغوط الهائلة التي مارستها الولايات المتّحدة على إسرائيل. لذلك يستطيع أن "يفسّر" اتفاق وقف إطلاق النار على أنه معنيّ عملياً بجنوب الليطاني، وأن مسألة شمال الليطاني بقيت فضفاضة (باستعمال تعبير "بدءاً مِن" في الاتفاق). يريد "الحزب" الحفاظ على تنظيمه العسكري شمال الليطاني، والتمسّك بترسانته العسكرية هناك، وهو ما يفسّر الخطابات الأخيرة التي سعت إلى فرملة الاندفاعة العسكرية - السياسيّة التي اقتربت من الانتهاء من إخلاء جنوب الليطاني من الحضور العسكري لـ "حزب اللّه".
2. استيعاب الاندفاعة المعادية بـ "الحوار" و "الحرب الأهليّة": يدرك "حزب اللّه" جيّداً أن الظروف المحليّة والإقليميّة والدوليّة لا تعمل لمصلحته بتاتاً، وبالتالي عليه الغوص في مبادرات استيعابيّة لا ترتّب عليه أيّ التزامات عمليّة على الإطلاق. فقد رأينا ترحيب قيادة "الحزب" بمبادرة رئيس الجمهوريّة بدعوته إلى "حوار ثنائي" يناقش فيه مجموعة من المفاهيم الفضفاضة والمطّاطة، كاستراتيجية الأمن القومي والاستراتيجية الدفاعية. وهذه مفاهيم تحتاج لأشهر – إن لم نقل لسنوات – لبلورتها والتفاهم حول طبيعتها والخطوات العمليّة المرتبطة بها. إن مجرّد نزع السلاح، إذا ما كان متّفقاً عليه، يحتاج لعدّة أشهر من التفاهمات والإجراءات اللوجستيّة، فكيف بالأحرى نقاشات عقيمة في المفاهيم التأسيسية لقرار كهذا. يسعى "حزب اللّه" إلى "إغراق" العهد بنقاشات "مفهوميّة" طويلة (وصولاً لـ 2030)، تضمن عدم المضيّ قدماً بأي إجراءات عمليّة تجاه السلاح في شمال الليطاني. في موازاة ذلك، سيعمل "الحزب" على إقناع اللبنانيين والدول المعنية بأن ثمن عدم المضيّ بهذا المسار التفاوضي هو "الحرب الأهليّة"، وهي استراتيجيّة يدرك "الحزب" أنها تخفّف من اندفاعة المعنيين بمواجهته.
3. التعاون مع الدولة مع إضعاف مشروعيّتها: بعدما فقد "الحزب" القدرة على التحكّم بمفاصل الدولة عبر معادلة المافيا والميليشيا، لجأ إلى خطاب وسلوك يسمحان له بعدم القطع مع الدولة اللبنانيّة وإرساء معادلة "دولة بمواجهة ميليشيا". فقد أصرّ "الحزب" على عدم السماح برسم خط فاصل بينه كتنظيم مسلّح وبين الدولة اللبنانيّة، وسيواصل هذا المنحى بل سيسعى إلى مضاعفته. في الوقت نفسه، سيسعى "الحزب" إلى إبقاء مشروعيّة الدولة ضعيفة بنظر جمهوره، عبر الإشارة الدائمة إلى فشلها في "وقف الاعتداءات" وإعادة الإعمار، مع أنه يدرك تماماً أن الشرط التأسيسي لتحقيق الهدفين هو تسليم السلاح. لكنّ نجاح تجربة الدولة لا يناسب "الحزب"، لذا سيسعى إلى إفشالها قدر المستطاع، من دون القطع معها.
4. إعادة بناء هيكلياته التنظيميّة والحفاظ على جمهوره: لا شكّ أن إعادة بناء الهيكلية التنظيميّة لـ "حزب اللّه" تحتاج أقلّه إلى خمس سنوات. فقد أدّت الحرب إلى مقتل جزء أساسي من قيادته التنظيميّة، وهنا لا نتحدّث فقط عن "النجوم" (أعضاء المجلس الجهادي ومجلس الشورى) بل عن قياديي الصفّين الثاني والثالث. وهنا لا يمكن التقليل من أهميّة "عمليّة البايجر" التي عطّلت قدرة عمل الآلاف من مسؤولي الصفوف المتوسّطة. يحتاج "حزب اللّه" إلى إعادة النظر الجديّة في طبيعة الخروقات الإسرائيليّة له على المستوى التنظيمي والأمني، كما تعبئة المراكز الشاغرة بكفاءات جديدة. كما لدى "حزب اللّه" تحدّ كبير أيضاً على مستوى الحفاظ على تماسك "بيئته" معه، وهو تحدّ نجح فيه نسبياً حتى الآن، خصوصاً أنه استطاع أن يوفّر حوالى مليار دولار لجمهوره (ترميم وإيواء) خلال ثلاثة أشهر فقط. لكن المضي قدماً يحتاج إلى سبل جديدة لإدخال الأموال، سرديّة جديدة متماسكة ومقنعة، ومنع المسّ بالسلاح شمال الليطاني. فـ "الحزب" يدرك جيداً أنه عندما يفقد صفة حزب مسلّح (خصوصاً مع غياب نصراللّه)، لن يبقى له سوى المجموعة العقائدية الضيّقة، والتي لا تتجاوز العشرة بالمئة من نسبة تأييده الحالية.
5. إعادة تعريف دور سلاحه الجهادي والطائفي: المهم بالنسبة إلى قيادة "حزب اللّه" هو أن يبقى التنظيم العسكري كجزء من هيكليّة الثورة الخمينيّة على مستوى المنطقة. كلّ ما عدا ذلك قابل للتفكير وإعادة الهيكلة النظرية والعملية. طبيعة الدور الإقليمي. إعادة تعريف وظيفة السلاح وأهدافه. التركيز على مخاوف أو هواجس جديدة - قديمة. كلّه قيد الدرس. المهم أن تبقى للسلاح وظيفة، ولو استدعى ذلك تخفيف التنظير لـ "إزالة إسرائيل من الوجود" والتركيز على "منع التطبيع" أو "حماية الشيعة". وقد بدأت هذه المسارات بالفعل – خصوصاً المتعلّقة بمستقبل "حقوق الطائفة" - وستزداد مع الوقت.
أين ترى نفسك بعد خمس سنوات؟ هذا سؤال وظيفي الطابع، ولكن لـ "حزب اللّه" وظيفته أيضاً. وبعيداً من أوهام اللبنانيين السذّج الحالمين بأن "حزب اللّه" نفسه اقتنع بانتهاء دور سلاحه، لو سئل مسؤول جدّي في التنظيم بعيداً من الإعلام لقال: نكون استوعبنا دروس الماضي. أعدنا تنظيم صفوفنا وفيها قيادات جديدة شابة وقادرة. حافظنا على السلاح، ولو مع بعض التنازلات، وعدنا إلى الجنوب، ولو بصيغة مختلفة تماماً عن السابق. مرّت "موجة" جوزاف عون ودونالد ترامب مع أقلّ الأضرار الممكنة. جمهورنا له هواجس كثيرة، وقد حافظنا عليه بإقناعه بأننا وسلاحنا ضمانة له ولمستقبله. معركتنا طويلة، ولكننا تجاوزنا الأصعب، ونستمر. أفَلَم يقل لنا الشيخ نعيم يوماً ما إن أحداث العام 2024 لم تكن سوى جولة؟
صالح المشنوق-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|