الصحافة

أعراس الشيعة وأحزانهم

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بين عائلتي كبيري "الثنائي الشيعي"، نبيه بري والسيد حسن نصرالله، فوارق كبيرة لا تعكس وحدتهما السياسية والدينية في تنظيميهما "حركة أمل" و"حزب الله". عائلة الرئيس بري ليست معزولة عن العالم وإن كانت أخبار بعض أفرادها تتصدر أحيانا التعليقات المنتقدة أو المادحة، بينما عائلة السيد نصرالله كان يلفّها ستار من الغموض والكتمان إلّا أن هذا الستار انكسر جزئياً بعد اغتياله ليخرج ابناه محمد جواد ومحمد مهدي وابنته زينب إلى الضوء للحديث عنه وعن العائلة في أجواء من الحزن تتناقض مع أجواء الفرح التي خرجت من حفل زواج باسل نبيه بري. كأن الشيعة في لبنان منقسمون بين مشهدين: أفراح وأحزان في بيئة واحدة.

الخميس 3 نيسان 2025 تمّ عقد قران باسل، نجل رئيس مجلس النواب نبيه بري، على الآنسة فرح حسان السعودي، ابنة شقيق رئيس بلدية صيدا السابق محمد السعودي. وبحسب ما تم تداوله من معلومات وصور، في وسائل إعلامية أو على مواقع التواصل الإجتماعي، عُقد القران في دارة بري في المصيلح بحضور أفراد من العائلتين وبعض الأصدقاء المقرّبين، ومن دون حضور سياسي بسبب الأوضاع الأمنية.

باسل هو نجل بري من زوجته رندا. ولبري من زوجته الأولى ليلى بري ستة أبناء، هم سيلان، سوسن، فرح، مصطفى، عبد الله وهند. ومن زوجته رندا عاصي، أمل، ميساء وباسل.

حياة بري وعائلته ليست مسألة سرية في الإجمال. لا توجد أخبار كثيرة متداولة عن زواجه الأول وحياته الأولى قبل ترؤسه "حركة أمل" عام 1980 ولكن أخبار أولاده من زواجه الأول ليست محظورة، لعل أبرزها ما يتناول ابنته السفيرة فرح، وابنيه عبدالله ومصطفى. بينما تتكثف أخبار زوجته الثانية السيدة رندا في وسائل الإعلام والتواصل، وفي الإجمال لا يعيش بري مع عائلته في ظلّ ستار من السرية والكتمان.

حبّ الحياة في المصيلح

كرئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" السابق وليد جنبلاط يعيش بري أجواء العائلة في مناسباتها الخاصة. لم يكن لدى جنبلاط أي حرج مثلاً في إقامة احتفال في قصر المختارة لمناسبة زواج ابنته داليا وجوي بيار الضاهر في 16 أيلول 2022، ولم يكن لديه حرج أيضاً في أن يحمل الشمعة ويسير خلفهما في كنيسة دير مار أنطونيوس في وادي قزحيا في شمال لبنان في 12 أيار 2024، خلال حفل عمادة ابنتهما صوفي جاي. وإذا كان جنبلاط احتفل بزواج ابنته من ماروني فإن بري لم يكن عنده أي إشكال في أن تكون زوجة ابنه سنّية. وإذا كان جنبلاط عاش تجربة قاسية في الصراع مع الموارنة تجاوزها في مصالحة الجبل التاريخية مع البطريرك صفير و"القوات اللبنانية" فإن بري لم يدخل في صراع من هذا النوع مع الطائفة السنّية، بل مع "حزب الله"، الجناح الآخر في طائفته، ومع الفلسطينيين.

حاملاً أعوامه السبعة والثمانين تخلّى بري عن اعتباراته الأمنية وذهب في 19 كانون الأول 2024 إلى صيدا من أجل "طلب يد فرح حسان السعودي" لابنه باسل وإعلان خطوبتهما بحضور أفراد من العائلتين والأصدقاء. ووقف طويلاً في دارته في المصيلح يستقبل المهنئين المحتفلين مع العائلتين بالحدث السعيد. صور احتفالَي الخطوبة وعقد القران تكشفان الكثير من التناقضات التي تعيشها البيئة الشيعية في لبنان. المشهد من صيدا إلى المصيلح يرسم صورة لحبّ الحياة متناقضة مع مشهد آخر تعيشه الطائفة الشيعية في لبنان في جانب ما يمثله "حزب الله".

مآتم وأعراس

التناقض بين المشهدين لا يمكن إخفاؤه، يقفز إلى الواجهة مباشرة. حصل اتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني وفي 19 كاون الأول كانت الخطوبة. وبينما كانت مراسم الاحتفال مستمرة في المصيلح كان "الحزب" يشيّع في عيترون 95 شهيداً، و14 في بليدا، و32 في الطيبة، و48 في ميس الجبل، و36 في حولا... الورود التي كانت تنثر على تلك المواكب الحاملة للنعوش تختلف كثيراً عن تلك الورود التي زيّنت حفلي الخطوبة وعقد القران. والأزياء التي ارتداها العروسان وأهاليهما وضيوفهما لا تشبه ثياب الحداد السود التي ارتداها أهالي الشهداء.

في مغالاة مكشوفة ومزايدة على المزايدين، أقرن "حزب الله" تسمية شهدائه بـ "السعداء". "السعيد" باتت الكلمة الأكثر تداولاً في مكابرة على الحزن ونفي الألم، خصوصاً بعد اغتيال السيد حسن نصرالله في 27 أيلول الماضي. ثمّة جرح كبير لا يمكن أن يتخطّاه "حزب الله" مهما تبدّلت الأيام والظروف والتسميات، ولا يمكن أن تخفيه هتافات الولاء له "لبيك يا نصرالله" أو "بعد السيد ما في غالي". في 23 شباط جرت مراسم تشييع نصرالله وخَلَفه السيد هاشم صفي الدين، بعد أربعين يوماً كان حفل زواج باسل بري.

نصرالله وكشف المستور

على عكس عائلة بري، كان ستار من الغموض والسرية يلفّ عائلة السيد حسن نصرالله. ولكن بعد اغتياله كشفت بعض الروايات بعض أخبار العائلة. هو نفسه كان تحدّث عن زواجه من السيدة فاطمة ياسين من بعلبك وكان لم يبلغ العشرين من عمره بعد. حديثه عن هذا الجانب الشخصي في مقابلات مصورة كان لإظهار أنّه يعيش كغيره من الناس وردّاً على ما طاله من شائعات حول تعدد زوجاته. الجانب الذي لم يتحدّث عنه نصرالله كشفه ابنه محمد جواد وابنته زينب في مقابلات بعد اغتياله. لم يعِش نصرالله في قصر. ولكنّه لم يعِش أيضاً تحت الأرض كما كانت تنتشر الأخبار التي تتناول حياته اليومية بعد حرب تموز 2006. كان يتّخذ تدابير واحتياطات أمنية معقّدة ولكنّه بحسب روايات ابنه جواد كان يجول أحياناً في شوارع الضاحية وبيروت ويتنقّل في مناطق كثيرة. لا توجد ربما صورة لزوجته كما صور السيدة رندا بري، ولكن زينب وجواد قدّما صورة عاطفية ووجدانية للحياة الزوجية والعائلية لوالديهما، وكشفا حرصه على أن تكون طريقة حياتهم متواضعة.

كان لاستشهاد هادي، ابن السيد نصرالله، في 13 أيلول 1997، الحيّز الأكبر من الأخبار المتداولة حول العائلة وحول طريقة تعاطي نصرالله مع هذا الحدث. هو نفسه قال إنّه خارج الأضواء كسره الحزن وبكى كأي والد آخر يخسر ولده، ليقول أنه أيضاً يبكي ويحزن ويتألّم قبل أن تعكس بيئة "الحزب" صورة الحزن والأم إلى رسم صورة سعادة وفرح بلقاء الحسين. طوال 28 عاماً لم يطلق أيٌّ من بيئة "حزب الله" صفة السعيد على السيد هادي.

بين العمامة وربطة العنق

ظهر محمد مهدي، ابن نصرالله، بعد اغتياله، في إيران مرتدياً زيّه الديني، عندما ألبسه السيد علي الخامنئي في 17 كانون الأول عمامة والده، ثم ظهر في مراسم تشييعه. ربط البعض بين هذا الحدث وبين أن يكون الإبن خليفة محتملاً لوالده بعد أعوام عندما ينهي دروسه الدينية نظراً للشبه الكبير بينهما ولتأمين استمرارية ما كان يمثّله والده. ولكن محمد جواد وزينب أكثرا من الظهور الإعلامي لتغطية أخبار العائلة الخاصة والحميمة. لا يشبه محمد جواد، أو محمد علي، أبناء بري عبدالله ومصطفى وباسل... ولا تشبه زينب بنات الرئيس بري. بري نفسه لا يشبه السيد حسن نصرالله. بين رداء نصرالله الديني وعمامته، وبين ربطة عنق بري مسافات من الاختلافات لم تحل دون التقائهما في "الثنائي الشيعي". ولكن هذا الثنائي يبقى منقسماً بين هاتين الصورتين. قبل "حزب الله" كان هناك انقسام بين الشيعة المرتدين الزي الديني، وبين الشيعة المرتدين الزي المدني. ولكنّه لم يكن انقساماً بهذه الحدّية. كانت هناك تعدّدية داخل الطائفة: رجال دين ورجال سياسة وعائلات وحزبيون منتمون إلى أحزاب مختلفة.

بين مشهدي فرح المصيلح ومآتم تشييع "السعداء" تقف البيئة الشيعية عند مفترق طرق وليس سهلاً عليها أن تختار الاتجاه الذي يجب أن تسلكه. ثمّة شيعة يعشقون الشهادة كمكوِّن من تكويناتهم وموروثاتهم الدينية والدنيوية. وثمة شيعة أيضاً يحبون الحياة. ولا يمكن أن تنقاد الطائفة إلى مستقبلها بالاستمرار في الجمع بين النقيضين. فهل يستطيع الرئيس بري المشرف على التسعين أن يحسم الخيار ويختار الاتجاه الصحيح؟

نجم الهاشم -نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا