زيارة رئيس الحكومة إلى بعلبك: دلالات التحوّل في نظرة الدولة إلى الأطراف؟
للمرة الأولى، تطأ بعلبك قدما رئيس حكومة في زيارة رسمية بهذا المستوى، وهو محاط بثلاثة من وزرائه المعنيين مباشرة بالشأنين الأمني والخدماتي: وزراء الدفاع ميشال منسى والداخلية أحمد الحجار والأشغال فاير رسامني. زيارة الرئيس نواف سلام إلى بعلبك التي لطالما عانت التهميش والإقصاء، لم تكن مجرّد بروتوكول أو جولة إعلامية، بل حملت رسائل سياسية وأمنية واضحة، وحاولت أن ترسم مساراً جديداً للعلاقة بين الدولة والأطراف.
منذ عقود، اعتادت بعلبك وعوداً موسمية، وزيارات انتخابية أو مناسبات دينية لا ترقى إلى مستوى الحدث. أما أن يقرر رئيس الحكومة زيارة المدينة في توقيت دقيق، ويجول على مواقع الجيش اللبناني على الحدود الشرقية، فهذا يعكس استيعاباً مختلفاً لطبيعة التحدّيات، واعترافاً متأخراً بأن لا استقرار للبنان من دون مقاربة جدية لإنماء البقاع، وضبط حدوده، وإعادة فرض هيبة الدولة.
وأتت زيارة النقاط العسكرية، في ظلّ واقع متفجر على الحدود من جهة الهرمل، لتعكس رغبة في دعم المؤسسة العسكرية وتثبيت حضورها كضامن للأمن. لكنّ الأمن وحده لا يكفي، فالتهريب والفوضى والتفلّت، التي لطالما اشتكى منها أهل البقاع قبل غيرهم، هي نتاج سنوات من غياب التنمية، وترك هذه المنطقة فريسة للبطالة والفساد و "اقتصاد البندقية".
اللافت أيضاً أن هذه الزيارة جاءت في ظل برودة سياسية بين الحكومة و "حزب اللّه"، الذي لطالما اعتبر البقاع امتداده الحيويّ. فهل أراد سلام أن يوجّه رسالة مفادها أن الدولة قادرة على مدّ يدها إلى كل المناطق من دون وسطاء؟ أم أنّ ما جرى هو مجرّد مشهد عابر سرعان ما يُطوى مع عودة المركزية إلى تموضعها التاريخي في قلب بيروت؟
ولأنّ بعلبك تحتاج إلى أكثر من زيارة، وإلى خطة طوارئ إنمائية، وإلى استعادة الثقة بالدولة والمؤسسات، شكّلت زيارة رئيس الحكومة "أمس" تحوّلاً، كونها الأولى لرئيس حكومة إلى المدينة، ما يضفي عليها طابعاً رمزياً قوياً، وتهدف إلى تعزيز حضور الدولة في البقاع، ما انعكس أيضاً همسات على ألسن المواطنين "الدولة كلها اليوم ببعلبك"، نظراً إلى حجم تواجد القوى الأمنية والجيش اللبناني على الطرقات والمداخل الرئيسية والفرعية.
استهلّ سلام جولته في البقاع بزيارة موقع الجيش اللبناني في محلة الشعيبة في جرود بريتال، من ثم انتقل إلى موقع حقل أبو فارس على أطراف بلدة معربون، حيث اطلع من القادة الأمنيين على واقع الحدود وضبطها من قبل المراكز العسكرية اللبنانية المموّلة من الحكومة البريطانية. بعدها، توجه إلى محافظة بعلبك الهرمل، حيث عقد اجتماعاً ضمّ وزراء الداخلية والدفاع والأشغال وعدداً من نواب المنطقة، وبحضور رئيس الأركان ومحافظ بعلبك الهرمل ورؤساء الأجهزة الأمنية في المنطقة.
بعد اللقاء، أكّد سلام في خلال مؤتمر صحافي أن أولويات الحكومة هي تكريس الأمن في البلد، والجولة في الخطوط الأمامية لإيصال رسائل دعم وتنويه للدور الذي يقوم به الجيش، ومنع عمليات التهريب لا سيّما أنه تمّ تفكيك مصنع لحبوب الكبتاغون قبل أيام، مشيراً إلى ترابط بين الأمن والإنماء حيث لا أمن بلا إنماء وبالعكس. وشدّد على أهمية مدينة بعلبك التاريخية والثقافية، وضرورة عودتها إلى لعب دورها السياحيّ والإنمائي وعودة المهرجانات. وأشار إلى إطلاق الهيئة الناظمة للقنّب الهندي قبل أيام، والذي يحمل أهدافاً صناعية وإنمائية ويشكّل مصدراً لجلب الاستثمار.
وتزامن المؤتمر مع تحليق مسيّرة إسرائيلية في سماء بعلبك أكد على إثرها سلام أن الخروقات والانتهاكات الإسرائيلية يجب وضع حدٍ لها بأسرع وقت، والحكومة لن توفر أي جهد سياسي أو دبلوماسي للإسراع في انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية.
وبعد خلوة عقدها سلام بحضور وزيري الدفاع والداخلية ورئيس الأركان مع مفتي محافظة بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي، أكّد الأخير لـ "نداء الوطن" أن آخر زيارة لرئيس حكومة إلى بعلبك كانت للرئيس سليم الحص خلال جنازة نقيب الصحافة رياض طه عام 1980، واليوم زيارة الرئيس سلام تؤكد أن بعلبك في قلب الدولة وحضنها، والزيارة لها رمزيتها ويبنى عليها في ما بعد، ويوماً بعد يوم يثبت الرئيس سلام فهمه التوازنات في البلد، وإطلالته قبل الانتخابات تترك أثراً جميلاً، ومقاربته الواقعية بخصوص الحدود وكيف يمكن ضبطها لا سيّما التي تتداخل مع الأراضي السورية مثل معربون وسرغايا، وضرورة إيجاد حلول موقتة ريثما نصل إلى الحلول الدائمة.
أضاف أن رئيس الحكومة أكد لوزير الدفاع ضرورة متابعة موضوع المعابر الشرعية الموقتة في قرى الشرقي مع دار الفتوى، وتثبيت نقطة عسكرية في بلدة طفيل، كذلك تنظيم المعابر في بلدات عرسال والقاع ورأس بعلبك، مؤكداً وعد الرئيس سلام بتدابير خاصة من قبل الجيش ما ينعكس إيجاباً على علاقات أهالي البلدات الحدودية اللبنانية والسورية منعاً لأي احتكاك.
المصدر: نداء الوطن
الكاتب: عيسى يحيى
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|