الصحافة

تسليم سلاح "الكردستاني" بين حسابات "آبو" وشروط "السلطان"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا


يمكن وصف هجمات 7 أكتوبر 2023 بالمفصلية في التاريخ الحديث، ليس بالنسبة إلى الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب، بل أيضًا بالنسبة إلى المنطقة برمتها، التي تشهد تحولات جذرية ومتسارعة في أكثر من دولة. فمن كان يتصوّر أن يتخلّى "حزب العمال الكردستاني"، العدو التاريخي الألدّ لتركيا، عن البندقية ويحمل "غصن زيتون السلام"، في الظاهر على الأقل، بعد أكثر من أربعة عقود من الكفاح المسلّح الدامي الذي انطلق عام 1984، مخلفًا وراءه ما يربو على 45 ألف قتيل.

"العمال الكردستاني" عندما استهلّ تمرّده العسكري على الدولة التركية، كان هدفه التاريخي إقامة دولة كردية مستقلّة، باعتبار أن الكرد هم أكبر شعب مشتت في العالم من دون دولة، ويتركّز ثقلهم الفعلي في كل من تركيا والعراق وسوريا وإيران، ويتراوح عددهم بين 30 و45 مليون نسمة، بحسب تقديرات "المعهد الكردي في باريس".

عدوّ تركيا الأوّل

رغبة مؤسّس الحزب وزعيمه التاريخي عبدالله أوجلان في الركون إلى السبل السلمية ووضع السلاح جانبًا، بانت في دعوة أطلقها "آبو" وتعني العمّ بالكردية، في 27 شباط المنصرم، وفاجأ فيها المراقبين من سجنه الشديد التحصين في جزيرة إمرالي التركية في جنوب بحر مرمرة قبالة اسطنبول، حيث يقبع منذ عام 1999، بحضه مقاتلي الحزب المرابطين في مناطق جبلية وعرة في شمال العراق، على إلقاء السلاح وحل الحزب، ليعقب ذلك في بداية آذار إعلان "العمال الكردستاني" وقف إطلاق النار مع السلطات التركية، ثمّ تأكيده في 12 أيار حلّ نفسه وإلقاء السلاح، وليكلّل أوجلان "عدوّ تركيا الأوّل" كل ذلك في حزيران الفائت برسالة صُوّرت في سجنه وبُثت قبل أيام يدعو فيها إلى "تحول كامل نحو السياسات الديمقراطية وسيادة القانون"، قبل ساعات قليلة من إقامة مراسم رمزية في شمال العراق لنزع سلاح الحزب، الذي تصنّفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون بالإرهابي، تخللها إحراق بنادق لبعض المقاتلات والمقاتلين.

ولا ريب في أن هذه المراسم الشكلية، لن تشفي بصورة كاملة غليل تركيا المتعطّشة لنزعٍ كامل لسلاح حزب يؤرقها كما جاراتها منذ أكثر من أربعة عقود، وهي المتيقّنة أن التعهد بإلقاء السلاح شيء وتنفيذه شيء آخر، لذلك تبقي "إصبعها على الزناد" في انتظار الإيفاء بهذا التعهد وتنفيذ شروطها، وألّا يقتصر تسليم السلاح على فئة معيّنة، بل أن يشمل أذرع الحزب كافة في شمال "بلاد الرافدين" وسوريا. كذلك تتوجّس أنقرة من تردد بعض الأذرع في "العمال الكردستاني" في تنفيذ اتفاق السلام الموعود بين الجانبَين، وتعتبر أن "آبو" هو الشخص الوحيد القادر على إقناع الفصائل المتنوعة بضرورة وضع السلاح جانبًا وتنفيد الاتفاق، بعيدًا من المماطلة التي تؤرق بلا شك "السلطان" أردوغان الذي يعتبر أن صدق النيات والإسراع في تنفيذ الاتفاق هما من أهم المطالب التركية. وفي حال صدقت وعود "الكردستاني" وجرت الرياح بما تشتهي السفن التركية، ستتعهد حينها أنقرة بكبح عملياتها العسكرية ضدّ الحزب، خصوصًا في شمال العراق، لأن مصلحتها تكمن في الوصول إلى ما تسمّيها "دولة خالية من الإرهاب"، وتكون بذلك تركيا الضامن الحقيقي لتحقيق سلام طال انتظاره.
قطار المتغيّرات الإقليمية

هذا بالنسبة إلى شروط "السلطان"، أمّا في ما يتعلّق بحسابات "آبو"، فإن إعطاء الكرد حقوقهم المتنوّعة والكاملة تُعدّ أولوية، كما أن خروجه ورفاقه وآلاف المعتقلين من غياهب السجون التركية وتنشقهم عبق الحرية، سيكونان نتيجة طبيعية لإلقاء السلاح والوصول إلى اتفاق سلام. كما يرى بعض منظري الكرد، أنه لو عدّلت تركيا دستورها المستمدّ من "معاهدة لوزان" الموقعة عام 1923 واعترفت بالقضية الكردية، لكانت المعضلة حُلّت منذ زمن بعيد، والآن لا يُعقل بحسب وجهة نظر الكرد أن تتفاوض أنقرة مع أوجلان وتبقيه في السجن إلى الأبد، بيد أن معضلة الإفراج عنه شديدة التعقيد كونه يتسيّد تنظيمًا تصنفه أنقرة إرهابيًا، وتحمّله مسؤولية إزهاق أرواح العديد من الأتراك.

ويبقى أن زعيم "حزب العمال الكردستاني" ومقاتليه الذين خاضوا صولات وجولات عسكرية دامية مع الدولة التركية استمرت عقودًا، وبعدما قضوا سنين طويلة متحصّنين بين صخور جبال شمال العراق الوعرة، ومطبّقين المثل الكردي الشهير القائل "ليس للكرد أصدقاء سوى الجبال"، أيقنوا راهنًا أن ساعة التغيير دقّت، وأنه آن الأوان لحجز مقعد دبلوماسي في "قطار المتغيّرات الإقليمية".

نايف عازار
نداء الوطن

 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا