الصحافة

بين لبنان وسوريا: تبادل سجناء أم اختبار ثقة؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

وسط التحديات التي يواجهها لبنان في إدارة قطاع السجون المكتظ، تُعِدّ وزارة العدل اللمسات الأخيرة على مسودة اتفاقية مع سوريا تتناول حصرًا نقل المحكومين بين البلدين، ضمن مسار قانوني يخضع لضوابط صارمة تنطلق من الالتزام بالمواثيق الدولية، وتُراعي اعتبارات السيادة والعدالة، من دون أن تمسّ بحقوق الضحايا أو تتحول إلى مخرج عشوائي من الأزمة.

وبرغم محاولات بعض الأطراف تصوير الاتفاقية كأداة لترحيل من يُصنّفون بـ"معتقلي الرأي" أو "المناصرين للثورة السورية"، تؤكد معلومات "نداء الوطن" أن لبنان لا يضمّ أي موقوفين سوريين لأسباب سياسية أو على خلفية آرائهم إزاء النظام السوري، بل إن جميع من تشملهم هذه الاتفاقية، هم محكومون بجرائم ارتُكبت على الأراضي اللبنانية، وبعضها على درجة عالية من الخطورة.

اتفاقية ليست استثناءً

الاتفاقية المرتقبة لا تُعدّ سابقة في العلاقات الثنائية، إذ سبقتها اتفاقيات مماثلة أبرمها لبنان مع دول مثل قبرص وروسيا. وتقوم هذه الاتفاقيات على مبدأ نقل المحكومين فقط، بعد موافقة منهم، ووفقًا لمسار قانوني واضح يضمن ألا يكون المحكوم ملاحَقًا بجرائم أخرى أو قيد المحاكمة.

وتحدّد الاتفاقية آلية التعاون، والتواصل بين الجهات القضائية المعنية، والمهل القانونية، إضافة إلى الشروط التقنية والإدارية للتسليم. والأهم أنها تحترم إرادة المحكوم، فلا يُسلَّم قسرًا إلى دولته.

ووفق معلومات "نداء الوطن"، تتضمن المسودة بندًا خاصًا يُتيح إمكانية تخفيض المدة القانونية التي يُفترض أن يمضيها المحكوم في لبنان قبل نقله، والمحددة حاليًا بـ"ثلث مدة الحكم". وهو ما قد يفتح المجال أمام معالجة قانونية لعدد من الملفات العالقة، خصوصًا في ما يتعلّق بالسجناء السوريين.

من هم المشمولون... ومن يُستثنى؟

تشير الأرقام إلى أن السجون اللبنانية تضم قرابة 9000 سجين، نحو 30 في المئة منهم من الجنسية السورية، أي ما يقارب 2600 سجين. لكن المفارقة أن الاتفاقية المرتقبة لن تشمل سوى فئة محدودة من هؤلاء، يبلغ عددهم حاليًا نحو 380 سجينًا فقط، وهم ممن صدرت بحقهم أحكام مبرمة ونهائية، ولا يخضعون لأي محاكمة أخرى.

أما بقية السجناء السوريين، فيُقسَّمون كالآتي:

- 370 سجينًا صدرت بحقهم أحكام، لكنهم ما زالوا يحاكمون في ملفات أخرى.

- نحو 1800 موقوف من دون صدور أي حكم بحقهم حتى الآن.

وتوضح مصادر "نداء الوطن" أن الاتفاقية تستثني بشكل واضح كل من حُكم عليهم في جرائم إرهابية أو قتل عناصر من القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية. إذ إن المصلحة العليا للدولة اللبنانية، من الناحية الأمنية والسياسية، تفرض إبقاء هؤلاء في لبنان لقضاء محكوميتهم الكاملة.

بيروت تتأخر أم دمشق؟

خلافًا لما يُشاع عن تقاعس السلطات اللبنانية في هذا الملف، تؤكد المعلومات أن وزير العدل عادل نصّار أتمّ جميع الخطوات المطلوبة، وتواصل مرارًا مع الجانب السوري عبر القنوات الرسمية، لا سيما وزارة الخارجية، لاستكمال الإجراءات.

لكن، حتى اللحظة، لم تُبدِ دمشق أي تجاوب ملموس، ولم يتم تفعيل أي قنوات تواصل مباشرة حول هذا الملف الحساس.

وتشير المصادر إلى أن هذا الجمود السياسي لا يُعزى إلى خلافات جوهرية حول مضمون الاتفاق، بل إلى غياب المتابعة من الجانب السوري، على الرغم من بحث الملف في أكثر من زيارة رسمية لمسؤولين لبنانيين إلى دمشق.

الاتفاقية لا تحلّ الأزمة... لكنها تُخفّف الضغط

رغم أن البعض يروّج للاتفاقية كحل جذري لمعضلة الاكتظاظ في السجون اللبنانية، تكشف الأرقام أن الأمر محدود الأثر. فالمستفيدون المحتملون، أي المحكومون السوريون المستفيدون، لا يتجاوزون 380 شخصًا، ما يُمثل أقل من 15 في المئة من مجمل السجناء السوريين.

ومع ذلك، تُعتبر هذه الخطوة جزءًا من معالجة تدريجية، توازيها إجراءات لبنانية لتسريع المحاكمات، واحترام مهلة التوقيف الاحتياطي المنصوص عليها في المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهي خطوات تعمل عليها وزارة العدل بالتنسيق مع وزارة الداخلية.

لا مكان للتسويات السياسية أو التسليم العشوائي

تشدد مصادر "نداء الوطن" على أن كل حالة ستُدرس بشكل فردي ودقيق، ولن يُسلّم أي محكوم إذا تبيّن أن نقله قد يشكل خطرًا على الأمن اللبناني، أو يُفقد المتضررين حقهم بالتعويض.

وتتمسك الدولة اللبنانية بمبدأ أساسي هو حماية حقوق ضحايا الجرائم، سواء تعلق الأمر بالتعويضات المالية في جرائم السرقة أو بحقوق ذوي الضحايا في جرائم القتل. لذلك، فإن أي قرار نقل لن يصدر قبل حسم هذه الجوانب قانونيًا.

كما ترفض السلطات اللبنانية التساهل في أي حالة قد تؤدي إلى تسليم شخص لم يثبت عليه ارتكاب جريمة. فالمحاكم اللبنانية لا تملك صلاحية محاكمة سوريين على جرائم ارتكبت في الخارج (معارضو نظام بشار الأسد حينها)، ولا يمكنها تسليم موقوف من دون أدلة واضحة وحكم مبرم.

بين السيادة والعدالة

الاتفاقية المرتقبة مع سوريا، إذا نُفّذت وفق المعايير القانونية والإنسانية المطلوبة، قد تفتح نافذة لحلول جزئية في ملف السجون اللبنانية، لكنها لن تكون كافية ما لم تُستكمل بتسريع المحاكمات، وتوسيع قاعدة المحكومين، وتفعيل التعاون القضائي الجدي مع دمشق.

والأهم، صون المبادئ السيادية والعدلية، بعيدًا عن الاعتبارات السياسية أو حملات التضليل التي تحوّل اتفاقات قانونية مشروعة إلى مادة للابتزاز الإعلامي أو التجييش الشعبي.

طوني كرم -نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا