اعترافات ديبلوماسي: لا حياة لنتنياهو بلا "حماس" والعكس صحيح!
لم تتوقف المحاولات الجدّية الجارية لفهم حجم الغليان في المنطقة، وما يمكن أن يقود إليه، منذ الشرارة التي انطلقت من قطاع غزة وتحوّلت نواة كرة ثلج تدحرجت لتجتاح دولاً عدة وصولاً إلى عمق الخليج وإيران. وعليه، تعمّقت إحداها بحثاً عمّا يعوق التوصّل إلى وقف ثابت لإطلاق النار في القطاع، إلى أن توصّلت إلى أنّه لم يكن هناك زمن يحتاج فيه نتنياهو لحركة «حماس»، بمقدار ما هي في حاجة إليه لضمان بقائهما حيَّين في السلطة. وهذه بعض المعطيات والمؤشرات.
تستبعد مراجع سياسية وديبلوماسية أن يبوح أحد من المسؤولين الأميركيِّين الكبار أو أي من الوسطاء العرب والغربيِّين بهذا الإعتراف الصريح، فلكلٍ منهم أسبابه وظروفه التي تحول دون الإشارة إلى مثل هذه المعادلة، فهي تسيء ربما إلى نتيجة وساطة أي منهم. لكن في قرارة نفس أحد أعتق الديبلوماسيِّين وأكثرهم ممَّن جمع الحياد مع الدهاء والصمت، فهو استشفّها بوضوح وصراحة، وبطريقة قال إنّه لا يرقى إليها أي شك. فالتعمّق في خلفيات بعض المواقف والخطوات يُنبئ بها ويُعرِّيها من أي نفي يمكن أن تتعرّض له من أصحاب المصلحة، في إطالة زمن الحرب التي عُدّت وما زالت «مصلحة شخصية» لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لألف سبب وسبب، ولعلّ أبرزها أنّها تُبعِده عن قَوس المحكمة ولربما باب السجن، أو تأجيل مثل هذه الخطوة على الأقل، نظراً لفداحة الإتهام الموجّه إليه بالفساد وإصرار القضاء على تجاهل كل ما يجري من عمليات عسكرية وحربية للتحقيق معه، حتى ما بين جلسة وزارية أو أمنية وأخرى.
ولا تختلف المعادلة عند مقاربة دور «حماس» في هذه الحرب، يُضيف الديبلوماسي المحنّك، على رغم من فداحة الخسائر التي مُنِيَت بها الحركة، فهي ما زالت تحتفظ بعدد من مقاتليها لحماية مواقع احتجاز الأسرى المدنيِّين والعسكريِّين الإسرائيليِّين، وفي مكامن، سواء كانت فوق الأرض أو تحتها، عدا عن مراكز وحدات منها في نقاط حساسة. وقد أبقتها الحرب الإسرائيلية بكل صراحة وصدقية على الساحتَين الداخلية الفلسطينية والإقليمية، وما زال دورها يُناقَش على المستوى الدولي، وكل ذلك يوفّر لها حضوراً مميّزاً لا تلغيه الخسائر التي مُنِيَت بها ولا حجم ما خسرته من قيادات ومؤسسات ارتبط بعضها بالسلطة المدنية التي تدير القطاع منذ العام 2008، وأخرى إنسانية واجتماعية وطبية وتربوية وفكرية.
وعلى قاعدة تبادل الخدمات بين الطرفَين، على رغم من اختلاف المصلحة في العلن، فقد تمكن نتنياهو من تعليق الحرب في غزة لفترات طويلة ومستدامة، لإبقائها سبباً في كل ما حصل حتى اليوم وتحديداً منذ السابع من تشرين الأول 2023، بلا أي معيار من معايير الحرب العسكرية التقليدية وغير التقليدية، سوى أنّها الحجة التي سمحت له باستدراج العطف والدعم الدوليَّين ليخوض حروبه على الجبهات كافة، من لبنان إلى اليمن وسوريا والعراق وصولاً إلى إيران وفي البحر والبرّ والجو، بحجة «الخطر الوجودي» الذي ما زال قائماً من مجموعات مسلحة قادرة على نصب المكامن في مناطق مكتظة بالسكان في القطاع، عدا عن مجموعة نادرة من الصواريخ التي يمكن إطلاقها بين الفينة والأخرى في اتجاه غلافه، بمعزل عن النتائج العسكرية التي لم يَعُد لها أي قيمة، لكنّها ما زالت تستدرج الدعم الحوثي، بعد وأد مشاريع الدعم العراقية في المهد، وانتفاء الدعم الذي وفّره «حزب الله» في حرب «الإلهاء والإسناد»، بطريقة وفّرت لها القدرة على المضي في الحرب على مساحات وجبهات عدة واسعة، من جهة جيش لم يخض حرباً بهذا الحجم والزمان والمكان، وقد طالت إلى ما لم يكن يحتسبه أحد، كما لم تعرفه أي حرب سابقة خاضتها إسرائيل ولم تتجاوز الأيام المعدودة في تاريخ الحروب العربية - الإسرائيلية.
انطلاقاً ممّا تقدّم، يتلمّس الديبلوماسي العتيق المصلحة المشتركة لطرفَي النزاع، على الطريق إلى توفير مصالح أخرى. فإلى جانب تعطيل «حماس»، أي خطوة تنوي السلطة الفلسطينية القيام بها، فهي ما زالت حاضرة في أذهان الشتات الفلسطيني وشعوب عدة في العالم، وقد هالها حجم المجازر التي ارتُكِبت وحصيلتها المروعة عند استهداف المراكز الطبية والإنسانية والاجتماعية والتجمّعات الشعبية التي تنتظر المساعدات وفي مراكز الإيواء الدولية حتى في صفوف الدول المتخاصمة معها. وهو أمرٌ لم تحققه أي من الفصائل الفلسطينية في أي حرب أخرى خاضتها.
وأياً كانت المصلحة التي تتباهى بها قيادة «حماس»، فإنّ إسرائيل قد حققت منها إنجازات قصيرة وبعيدة المدى، وليس أقلها إبعاد شبح الدولة الفلسطينية بعدما أطلّت بقرنها في بداية الحرب، وصولاً إلى المشاريع الكبرى التي ترعاها دول كبرى مثل فرنسا والسعودية وعشرات الدول التي ساندتها بطريقة باتت تثير الغضب الإسرائيلي على المستويَين السياسي والديبلوماسي، من دون أن تلامس أي خسارة يمكن أن تلحق بها في الأرض الموعودة للدولة اليهودية. فهي، وبالإضافة إلى تدمير غزة بطريقة قد يكون من الصعب إعادة إعمارها قبل عقود، ضربت وما زالت تضرب في مخيّمات ومدن الضفة الغربية بطريقة لا سابق لها. وهي قضايا يمكن إضافتها إلى لائحة إنجازاتها، خصوصاً لجهة إعاقة أي تطوّر يمكن أن تحققه إيران على مستوى منشآتها النووية.
وفي مقابل هذه المعادلات والمؤشرات الثابتة التي لا تخضع إلى أي جدل منطقي، يتحدّث الديبلوماسي العتيق والمخضرم عن أكبر ضحايا الحرب، فتوصّل إلى اقتناع بأنّ الشعب الفلسطيني هو الأكثر تضرّراً منها في الوقت الراهن والمستقبل القريب، في ظل عدم القدرة على توقّع ما سيكون عليه المستقبل البعيد وما يمكن أن يجنيه هذا الشعب. فإلى حجم الخسائر البشرية وضخامة التدمير الذي لحق بالمناطق خارج أراضي الـ 48، فقد أفقدهم أي قدرة على أي مواجهة كبرى، وباتت السلطة الفلسطينية في أدنى درجات القدرة على إدارة مناطقها.
وإن لم يتوقف الديبلوماسي عينه عند لائحة الخسائر الفلسطينية الهائلة، فهو يدرج النظام السوري السابق في الدرجة الثانية من أصحاب الخسائر بفرار رئيسه بشار الأسد وما حققته الثورة السورية، ليصل إلى لبنان في الدرجة الثالثة، فيَفيض في إحصاء الخسائر البشرية وفي المناطق السكنية وقطاعات مختلفة. وينتقل من بعدها في مرحلة لاحقة إلى ما انتهت إليه حرب الأيام الـ12 مع إيران، من دون القدرة على تقدير الخسائر الهائلة كاملة، لكنّه اكتفى بالإشارة إلى أكثر من عطلة رسمية اتخذتها الحكومة الإيرانية لفقدان المياه أو التيار الكهربائي في مدنها الكبرى المختلفة. وإن بلغت لائحة الخسائر اليمن، فتقف النتائج عند تقديرات عامة أعادت اليمن عقوداً إلى الوراء، وكأنّ ما انتهت إليه الحرب على أرضها منذ العام 2015 لم يكن كافياً.
جورج شاهين -الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|