سيناريو مرسوم وتبادل أدوار في جلسة مجلس الوزراء
الثلاثاء 5 آب 2025 لا يشبه أبدًا الأربعاء 7 أيار 2008، الفارق بين التاريخين 17 عامًا صحيح، لكنه أكثر من ذلك بكثير في ميزان الدولة "القادرة".
فدولة الأمس المستزلمة، الخاضعة، المطيعة لفائض القوة ولَّت، وبدأت معالم الدولة القويّة، القادرة، تتكشّف وأولى خطواتها، القرار الذي اتخذته الحكومة بسحب سلاح "حزب الله"ومطالبة الجيش بوضع خطة تنفيذية قبل نهاية آب الحالي، وجدول زمني لسحب السلاح لا يتعدى بداية العام المقبل!
تنفّس اللبنانيون الصعداء بهذا القرار، فللمرة الأولى منذ سنوات، يشعر اللبنانيون بالدولة القادرة، بأداء رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام في جلسة الساعات الخمس ونصف الساعة!
السيناريو بدا مرسومًا ومتفقًا عليه، ووزعت الأدوار بين المعنيين، وأولهم بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، فالرئيس جوزاف عون لعب دور "الإطفائي" الجاهز لإطفاء نيران حريق السجال كلما اشتعل داخل الجلسة، ورئيس الحكومة لعب دور "هجوم خط أول" ضد "الدويلة" و"دفاع خط أول" مع الدولة!
"طحش" سلام بدعمٍ من وزراء "القوات" و"الكتائب" و"الاشتراكي" وأصر على موقفه ليس فقط في البحث بسحب سلاح "حزب الله" إنما أيضًا باتخاذ الحكومة قرارًا واضحًا بسحب السلاح وبوضع جدول زمني له!
والدليل على تنسيق عون - سلام ، هو مد الرئيس عون سلام بالمساندة كلما احتاج إليها في مسار الجلسة، فكانت النتيجة: "القرار للدولة وللدولة فقط!".
وفي تفاصيل الجلسة، علمت "نداء الوطن" أن النقاش احتدم أكثر من مرة، فوزير الصحة ركان ناصر الدين كان الأكثر كلامًا والأكثر تمسكًا والأكثر شراسةً بالدفاع عن سلاح "حزب الله"! وحصل تلاسن بينه وبين سلام!
ناصر الدين بدأ بالمطالبة بتأجيل البحث ببند سحب السلاح وبورقة "برّاك" لمدة 48 ساعة، لتتسنى له قراءة ورقة "برّاك" والتعديلات عليها، إلا أن سلام رفض وقال لناصر الدين: "لأ، البحث بدو يصير هلّأ، وما رح يتأجّل".
ليجيب ناصر الدين متوجهًا بكلامه إلى رئيسي الجمهورية والحكومة: "أعطونا مهلة يومين، أنا ليش جبتوني وزير؟ مش لأني طبيب بالجامعة الأميركية وهيك بكون ما عندن مشكل الأميركان معي؟ أنا ما بفهم بالسياسة، ومش شغلتي، عم تحطوني بوجه بيئتي وجماعتي، ما إنتو يا فخامة الرئيس ويا دولة الرئيس عم تحكوا مع بري و"الحزب"، كملوا احكوا معهن، وما تحرجوني مع بيئتي".
ليجيبه سلام بإصرار: "لأ، بدنا ناخد القرار هلّأ".
هنا علا صوت ناصر الدين بوجه سلام قائلاً: "قوم إنت شوف المسيّرات فوق راسنا، قوم طلاع عالجنوب شوف الشهداء!" ليرد سلام: "قوم إنتَ!" ما تزايد عليي،ما أنا سموني قاضي "حزب الله" لما حكمت نتنياهو!".
وعلى وقع الصراخ، وفي ما يشبه التهديد قال ناصر الدين: "في الشارع كمان!" ليرد سلام عليه بانفعال: "ما حدا يحكيني بالشارع، في شارع مقابل شارع كمان!".
هنا، ترك ناصر الدين مقعده، متوجهاً إلى باب القاعة ليغادر الجلسة فتدخل رئيس الجمهورية طالبًا منه العودة إلى مقعده، فأذعن ناصر الدين وعاد إلى مقعده وهدأت الأمور.
بالتوازي، حاولت وزيرة البيئة تمارا الزين المحسوبة على "أمل" مساندة زميلها فطالبت أيضاً بتأجيل البحث ببند سحب السلاح لكن طرحها قوبل أيضًا بالرفض من قبل عون وسلام اللذين أكدا للوزيرين أن طرحهما غير وارد!
استحوذ الموضوع على الكثير من الأخذ والرد، وعلى وقع ضغوط مارسها "الثنائي" وتحديدًا "حزب الله" على المعنيين لسحب البند وتأجيل البحث به، وعلى وقع محاولات كثيرة لإقناع الرئيسين عون وسلام بتأجيل البحث ببند سحب سلاح "حزب الله" صمد الرجلان، وعلى خط الهجوم دخل سلام مجددًا وقال للوزراء الذين بدأ بعضهم يلين ويتجه نحو الإذعان للتأجيل: "إنتوا عم تشتغلوا "Business as usual" اليوم ما عاد في هيك، وبدكن تفهموا إنو أنا نواف سلام" ما بشتغل "Business as usual" وهيك ما بيمشي الحال معي!".
ففهم الحاضرون إصرار سلام على المضي حتى النهاية بمعركة سحب السلاح، فما كان من وزيري "الثنائي" ناصر الدين والزين إلا أن أعربا عن نيتهما الانسحاب من الجلسة، وبكلام ودي تجاه زملائهما في المجلس قالا: "منحترم الجميع، ولكن رح ننسحب من الجلسة" وقال ناصر الدين: "ما فيي إحمل هيك قرار من الحكومة ع كتافي، وعهالحالة منفضّل ننسحب!" فانسحبا من الجلسة، وبعدها اتخذت الحكومة بالتصويت، قرار سحب السلاح بجدول زمني!
وكان لافتًا إعلان مصادر الوزيرين لـ "نداء الوطن" أنهما لم ينسحبا من الحكومة بل من الجلسة، الأمر الذي يعزز فرضية أن ما حصل مرسوم ومتفق عليه، حفاظًا على ماء وجه الوزيرين وبيئتهما وجمهورهما!
واللافت أن الوزير فادي مكّي، المعروف بالوزير الشيعي الخامس الذي اتفق عليه عند تشكيل الحكومة، لم ينسحب، وأثبت ولاءه لرئيس الحكومة وليس للثنائي، بحيث اكتفى بالتحفظ عن وضع مهلة زمنية لتسليم السلاح قبل أن يتقدم الجيش باقتراحه وقبل استكمال النقاش في حضور جميع الوزراء في الجلسة المقبلة.
وكذلك لم يقبل مكّي، تماماً كزميليه ناصر الدين والزين، أي موافقة مبدئية على الورقة الأميركية قبل استكمال بحثها في الجلسة المقبلة وفي حضور جميع الوزراء.
لكن بالنتيجة، بقي "مكّي" وحافظ على ميثاقية الجلسة والقرار الحكومي، وملكَ "الوزير الملك" قراره وبدّى الدولة على "الدويلة" بعكس ما فعل يومًا، ذات وزيرٍ سمّي بالملك!
على خطّ آخر، حضر كلام الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم في الجلسة بحيث قرأ سلام للوزراء ما ورد في خبر عاجل نقلًا عن قاسم وقال سلام للوزراء: "قال عم يقول إنو نحنا عم نطلب يسلّموا السلاح لإسرائيل!، معقول هيك؟" ليعلن بعد ذلك على الملأ أمام الجميع، المضي بمناقشة بند السلاح والإصرار على أن تتخذ الحكومة قرارًا بشأنه الآن، في هذه الجلسة!
هذا وأكدت وزيرة البيئة لـ "نداء الوطن" أنها ستحضر جلسة الخميس بما أن على جدول أعمالها بنداً وحيداً هو استكمال النقاش بالبند الأول وورقة "برّاك"، وبالحديث عن ورقة "برّاك" أكد مصدر وزاري لـ "نداء الوطن" أن الورقة ستبحث الخميس وإن لم يسر "الثنائي" بها، فسيتم التصويت عليها وإقرارها بالأكثرية! ويضيف المصدر: "القرار اتخذ، الحكومة صاحبة القرار، ونقطة انتهى!"
ومع ختام الجولة الأولى من معركة "الدولة" على "الدويلة"، ثمة من يتخوف من أن يبقى قرار الحكومة حبرًا على ورق، في وقتٍ يؤكد أكثر من وزير لـ "نداء الوطن" أن "قرار الحكومة لن يكون كذلك، فالزّمن الأول تحول".
جويس عقيقي -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|