الصحافة

تحقيقات انتقائية في الكازينو... لماذا التحقيق يكتفي برولان الخوري وحده؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ثمة سؤال أساسي يتعلق بعقد كازينو لبنان مع الدولة اللبنانية والتحقيقات الجارية بشأنه الآن: هل يتم التحقيق مع كل المشتبه فيهم أم أن المسألة انتقائية؟

ومردّ هذا السؤال أن قرار إطلاق ألعاب القمار الإلكترونية عبر كازينو لبنان لم يُتخذ بشكل فردي من رئيس مجلس الإدارة المدير العام الموقوف رولان الخوري، بل من أكثر من طرف، أبرزهم وزارتا المال والسياحة اللتان وافقتا على الأمر، ثم شركة إنترا التي تُعدّ المساهم الأكبر في الكازينو وهي صاحبة القرار النهائي والحاسم، بالإضافة إلى مصرف لبنان الذي يملك أسهماً في الكازينو عبر شركة إنترا وله نفوذ واسع في اتخاذ القرارات هناك. لذا، عنوان الإصلاح الذي أُدرج تحته توقيف رولان الخوري والتحقيقات المتصلة، لو كان مقصوداً تكريسه في مرفق شبه عام مثل الكازينو، يجب ألا يكون انتقائياً كما هو حاصل الآن.

كان قرار مجلس الوزراء الذي اتخذ بإطلاق ألعاب القمار عبر الوسائل الإلكترونية، خاضعاً للجدل منذ صدوره في 19 شباط 2008. صحيح أن رأياً استشارياً صدر عن ديوان المحاسبة يقضي باعتبار الامتياز الحصري الممنوح لكازينو لبنان باستثمار ألعاب القمار في لبنان، لا يشمل الألعاب الإلكترونية ربطاً بأن الحقّ الممنوح له بُعد مكانيّ متعلق حصراً بممارسة هذه الألعاب داخل صالات النادي، إلا أن السلطة السياسية حسمت أمرها بتعديل العقد مع شركة الكازينو لتشمل ألعاب القمار الإلكترونية، وتجاهلت رأي الديوان واعتبرته غير ملزم.

على هذا الأساس، بدأت إجراءات تعديل العقد تسير وفق آلية بيروقراطية معروفة. فقد اقترحت وزارة المال تعديل العقد بناء على قرارات مجلس الوزراء ذات الصلة من أجل تعديل آلية احتساب حصّتها من عائدات الأونلاين أو ألعاب القمار الإلكترونية.

ولم يتخذ رولان الخوري القرار من تلقاء نفسه، بل أرسل إلى رئيس مجلس الإدارة- المدير العام لشركة «إنترا»، محمد شعيب، كتاباً يبلغه فيه أن مجلس إدارة الكازينو وافق على مسودة عقد التعديل الجديد وفوّض رئيس مجلس الإدارة - المدير العام بتوقيعه، ولكنه طلب «تأكيد موافقتكم بصفتكم رئيس مجلس إدارة ومديراً عاماً لشركة إنترا للاستثمار ش.م.ل، المساهم الأكبر في شركة كازينو لبنان، التوقيع على العقد التعديلي مع وزارة المال».

وبالفعل، أرسل شعيب إلى الخوري، كتاباً رقمه 646 بتاريخ 13/2/2023، يبلغه فيه بالآتي: «نرجو أن تأخذوا علماً بأن شركة إنترا للاستثمار، مالكة أكثرية أسهم شركة كازينو لبنان توافق على هذا التعديل وتتعهد بالموافقة عليه خلال انعقاد أول جمعية عمومية عادية لمساهمي شركة كازينو لبنان».

وعندما انعقدت الجمعية العمومية للكازينو في 23 شباط 2023، وافقت بالإجماع على القرار الـ13 لها والذي يفيد بأنه «عملاً بمضمون كتاب المساهم الأكبر شركة إنترا للاستثمار تاريخ 13/2/2023 برقم 646/م.ش/023، تقرير المصادقة على التعديل». وبعد هذه الموافقة، وقع وزيرا المال والسياحة، في 22 آذار 2023، الملحق التعديلي الذي يمنح الكازينو الحق بإطلاق الألعاب الإلكترونية.

عملياً، كل هذه الضجّة التي أثيرت حول العقد لا تتعلق بواقع قانوني بمقدار ما هي تعبّر عن التغيّرات في الواقع السياسي. فالنقاش القانوني الذي حصل يوم اعتراض هيئة الشراء العام على قانونية العقد، حُسم لمصلحة الأطراف السياسية التي وافقت على تعديل العقد بموجب توقيعي وزيري المال والسياحة، وبموجب قرار الجهة المعنية في الكازينو وهي شركة إنترا.

فمن المعلوم أن شركة إنترا، مملوكة بشكل أساسي من: 35% مصرف لبنان، 14% عبد الله تماري، 10% الدولة اللبنانية، 8.5% لشركات مختلفة، 4.5% لأفراد كويتيين، 4% بنك الكويت. وتملك «إنترا» في محفظتها 53% من أسهم شركة كازينو لبنان إلى جانب شركة أبيلا التي تملك 17% ومصرف لبنان 10%، فضلاً عن بنك عودة والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع وآخرين.

بمعنى أوضح، إن القرار في الكازينو هو ذو طابع سياسي بالدرجة الأولى، وبالدرجة الثانية هو ذو طابع طائفي - زعماتي، مرتبط بالملكيات الثلاث التي ينخرط فيها مصرف لبنان: ميدل إيست، كازينو لبنان، إنترا. الميدل إيست هي من حصّة السنّة، وإنترا للشيعة، والكازينو للموارنة.

هنا محور النقاش الفعلي الذي يمكّن النظر في مسألة التحقيقات الجارية في مسألة ألعاب القمار الأونلاين. فقد تم التجديد أخيراً لمحمد الحوت في الميدل إيست، وفي إنترا شعيب باقٍ بأمر من الرئيس نبيه برّي، فيما الزعامة المارونية قرّرت أن تحسم أمرها في اتجاه تغيير رولان الخوري، إنما يتردّد أن الأخير رفض، ما استدعى كل هذه التحقيقات.

وإلا فإذا كان التحقيق قضائياً قانونياً بحتاً، لماذا لم يُستدعَ الآخرون الذين وقعوا العقود إلى جانب رولان؟ ولماذا لم يُستدعَ وزيرا المال والسياحة اللذان وقّعا العقد أيضاً بعد تعديل حصّة الدولة؟ وإذا كان الهدف هو الإصلاح كما يُدّعى، فلماذا الأجهزة الأمنية المولجة بالأمر تصبّ كل تحقيقاتها بشكل انتقائي من دون أي انحراف ولو بسيط نحو ألعاب القمار غير الشرعية؟

في الواقع، إن النقاش الموضوعي والقانوني انقضى بعدما قرّرت السلطة السياسية القفز فوق تقرير ديوان المحاسبة وتقرير هيئة الشراء العام. في حينه، كان النقاش إذا كان الكازينو يملك امتيازاً حصرياً أو احتكاراً، وإذا كانت الدولة تملك حصّة في الكازينو ما يجعل أمواله عامة، أم أنه يدير أموالاً خاصة ويدفع للدولة بموجب عقد تجاري لا تنطبق عليه صفة العمومية. هذه الأسئلة هي الأساس والمدخل السليم لأي إصلاح، أما كل ما عدا ذلك، فينطوي عل صبغة سياسية توجّه كل الأجهزة الباقية الأمنية والقضائية في خدمتها، وغرضها الهيمنة وتوسيع النفوذ.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا