جوني منير : أمريكا أعطت إسرائيل موافقة كاملة للتحرك في لبنان وسوريا
إعادة هيكلة الدين العام: هذه آخر الأرقام المتاحة
في تقرير منتصف العام الصادر عن مصرف لبنان، كان من اللافت الإشارة بشكلٍ واضح إلى علاقة ما بين ارتفاع أسعار الفائدة في العالم، والتعقيدات التي تحيط بإعادة هيكلة ديون لبنان من السندات الدوليّة، أي اليوروبوند. فكما هو معلوم، من المفترض أن تتركّز عمليّة إعادة الهيكلة على التفاوض بين الدولة والدائنين، لتحديد آجال وقيم وفوائد جديدة لهذه السندات. وعند الدخول في هذه المفاوضات، ستتأثّر أهداف الدائنين بمعدلات الفائدة الرائجة عالميًا. وارتفاع الفائدة في الأسواق العالميّة، كما هو الحال اليوم، سترفع فوائد الدين عند إعادة هيكلته. لذا، قد لا يكون مناسبًا -بالنسبة للبنان- خوض غمار إعادة الهيكلة، قبل أن تهدأ عاصفة الفوائد في الخارج.
متى تهدأ عاصفة الفوائد خارجيًا، لتنضج ظروف التفاوض على الدين العام؟ تبقى هذه المسألة خاضعة للتكهنات، طالما أنّ تقدير اتجاهات الفوائد، على المدى المتوسّط، غير ممكن بسهولة. لكنّ بنك وول ستريت مثلاً، يترقّب أربع تخفيضات متتالية في معدلات الفائدة المستهدفة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن، من الآن ولغاية كانون الثاني المقبل. كما يتوقّع أن يلي ذلك تخفيضان إضافيّان خلال عام 2026، لغاية شهر تمّوز. وبمعزل عن هذه الترجيحات، ما تتوقّعه الأسواق حاليًا هو أن يدخل الاحتياطي الفيدرالي ابتداءً من منتصف هذا الشهر في دورة التيسير النقدي، التي ستستمر لأشهر عدّة، ما يجعل من مصلحة لبنان -على أي حال- ترقّب الفوائد المنخفضة، قبل إعادة الهيكلة.
قيمة سندات اليوروبوند
القيمة الاسميّة الراهنة لسندات اليوروبوند، أي قيمة السندات من دون احتساب الفوائد المتراكمة، توازي حدود 31.31 مليار دولار أميركي. من هذا المبلغ، ثمّة قرابة 11.32 مليار دولار أميركي من السندات التي استحقّت منذ شهر آذار 2020، أي منذ امتناع لبنان عن سداد هذه السندات، فيما يبقى 19.99 مليار دولار أميركي من السندات التي لم تستحق بعد، وتتوزّع استحقاقاتها بين شهر تشرين الثاني 2026 وشهر آذار 2037. وبهذا المعنى، يمكن القول إن 36.15 بالمئة من السندات استحقّ موعد سدادها بالفعل، فيما يستحق موعد سداد 63.8 بالمئة منها خلال السنوات المقبلة.
لكن بمعزل عن مسألة الاستحقاقات، المنصوص عنها في كل سند، تنص عقود الإصدار على استحقاق جميع السندات، التي استحقّت أو تلك التي لم تستحق بعد، بمجرّد إعلان الدولة الامتناع عن تسديد أي سند، أي بمجرّد تحوّلها إلى مدين متعثّر. وبذلك، سيكون على الدولة اللبنانيّة التفاوض مع جميع حملة السندات، لإعادة جدولة كل الدين، بمعزل عن تواريخ الاستحقاق، خلال الفترة المقبلة. أمّا مسألة تواريخ الاستحقاق الحاليّة، فستؤثّر فقط على تواريخ استحقاق الديون المستقبليّة، بعد إعادة هيكلة الدين.
أخيراً، يبلغ متوسّط نسبة الفائدة على السندات حاليًا 7.38 بالمئة. مع الإشارة إلى أنّ كل شريحة من شرائح السندات تمتلك نسبة فائدة خاصّة بها، بحسب معدّلات الفائدة الرائجة عند إصدار هذه الشريحة. أمّا عند إعادة هيكلة الدين العام، فسيكون على الدولة التفاهم مع حملة السندات على نسب فوائد جديدة، وستتأثّر هذه النسب، كما أسلفنا الذكر، بمعدلات الفائدة الرائجة عالميًا عند إعادة الهيكلة. وعليه، قد يستفيد لبنان خلال الأشهر المقبلة من قرارات تخفيض الفائدة التي سيتخذها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، للتمكّن من إعادة جدولة الديون بشروط أفضل نسبيًا.
في كل الحالات، تختلف القيمة الاسميّة للسندات، أي قيمة الإصدار التي كان يفترض تسديدها عند الاستحقاق، عن القيمة السوقيّة الحاليّة لها، أي قيمة تداولها في السوق. في الوقت الحالي، يتم تداول هذه السندات عند مستويات تقرب 22 سنتاً للدولار، أو 22 بالمئة من القيمة الاسميّة، ما يعني أن قيمة السندات السوقيّة الحاليّة الإجماليّة باتت تقترب من حدود 6.8 مليارات دولار أميركي.
كم ستبلغ قيمة الدين العام بعد إعادة هيكلته؟ ثمّة العديد من العوامل التي تدخل في الحسبان هنا: خلاصة التفاوض بين الدولة والدائنين، التي ستحدّد نسبة الاقتطاع من قيمة الديون، وقيمة السندات بعد إعادة جدولتها بآجال وقيم جديدة. وحجم الناتج المحلّي قياسًا بحجم الدين العام، إذ من المعلوم أن إعادة الهيكلة يفترض أن تخضع الدين العام إلى تخفيض معيّن، ليوازي حجمه النهائيّ نسبة مستهدفة من الناتج المحلّي. كما ستتأثّر قيمة السندات بنسب الفوائد الرائجة في السوق، والعوائد التي يترقّبها حملة السندات من حيازتهم لأدوات الدين العام.
أخيراً، من الضروري أيضًا هنا الالتفات إلى حجم الفوائد التي تراكمت على سندات اليوروبوند، منذ توقّف لبنان عن سداد الديون والفوائد معاً في آذار 2020. آخر المعطيات التي نشرها المصرف المركزي، تفيد بأنّ قيمة الفوائد التي تراكمت لغاية العام 2023، كانت قد بلغت 8.2 مليارات دولار أميركي، ما يعني أنّ هذه الفوائد كانت قد تراكمت بمتوسّط 2.7 مليار دولار أميركي خلال سنوات الأزمة.
سندات الدين بالليرة
يختلف وضع سندات الدين بالليرة، عن سندات اليوروبوند. فالدولة لم تتخلّف عن سداد هذه السندات أصلًا، لعدم ارتباط السداد باستنزاف احتياطات العملات الأجنبيّة. وحجم الدين بات يوازي قرابة 92 ألف مليار ليرة لبنانيّة (لغاية العام 2023)، أي ما يوازي مليار دولار أميركي فقط. مع الإشارة إلى أنّ حجم هذا الدين كان يمكن أن يوازي أكثر من 62 مليار دولار، بحسب سعر الصرف الرسمي القديم، الرائج قبل عام 2019، غير أنّ تدهور سعر الصرف أفقد هذه الديون قيمتها الفعليّة. وعليه، يمكن القول إن تسديد هذه الديون لم يعد يشكّل أي مشكلة بالنسبة للحكومة اللبنانيّة، ولم تعد هناك ضرورة لإعادة جدولته أصلاً.
الاختلاف الآخر، بالنسبة لسندات الدين المقوّمة بالليرة، هو أنّ 62.1 بالمئة منها مملوك من مصرف لبنان، بينما تمتلك المؤسسات العامّة الأخرى، مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، قرابة 21 بالمئة من هذه الديون. ولا يملك القطاع المصرفي حالياً سوى 17 بالمئة من سندات الدين بالليرة، فيما يغيب عن المشهد اللاعبون الأجانب. وعليه، يمكن القول إن تسوية هذه الديون تبقى مسألة مرتبطة بمؤسسات الدولة، التي تمتلك معاً 83.1 بالمئة من هذه الديون.
في جميع الحالات، ما يمكن التأكيد عليه أخيرًا هو أنّ مسار إعادة هيكلة الدين العام غير ممكن قبل التقدّم في مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي، حيث تحتاج الدولة شهادة الثقة هذه من الصندوق لإقناع الدائنين بإعادة جدولة ديونهم. والتقدّم في المفاوضات مع الصندوق، يستلزم إنجاز ما تبقى من خطوات إصلاحيّة منتظرة من لبنان، وأبرزها قانون الانتظام المالي، بعدما أنجز لبنان خلال هذه السنة خطوات أخرى مثل إقرار قانونَيّ رفع السريّة المصرفيّة وإصلاح أوضاع المصارف.
علي نور الدين - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|