حسابات الحقل الترامبي والبيدر الأوسطي القاحل
ما كاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يدخل مُجددا إلى البيت الأبيض، في كانون الثاني 2025، حتى رفع شعار "وضع مصالح الولايات المتحدة فوق أي اعتبار"... وقد لمس حلفاء لواشنطن واقعا جديدا، تمثل في أن للصداقة مع واشنطن حدودها، وهو ما انعكس في الضربات الإسرائيلية على قطر، الثلاثاء الماضي، وخرق مُسيّرات روسية أجواء بولندا ليل الثلاثاء-الأربعاء، وكذلك فرض تعرفات على شركاء مثل الهند، وكذلك توقيف المئات من مُواطني كوريا الجنوبية، في دهم لعناصر إدارة الهجرة الأميركية، قبل إعادتهم إلى بلادهم الأُسبوع المُنصرم.
الاعتداء على قطر
إن قطر التي تعرضت لاعتداء إسرائيلي، هي حليف رئيسي لواشنطن، وهي – إلى ذلك - تستضيف أكبر القواعد الأميركية العسكرية في الشرق الأوسط، لا بل إنها "أوثق حُلفاء" الولايات المتحدة في المنطقة. وعلى رُغم ذلك فقد استهدفت الغارة الإسرائيلية على قطر، قادة "حماس" في الدوحة التي استضافت جولات تفاوض غير مُباشرة بين الفلسطينيين و"إسرائيل"، سعيا إلى التوصُل إلى تسوية تُنهي الحرب في غزة. غير أن "حماس" أكدت نجاة رئيس وفدها المُفاوض خليل الحية من القصف الإسرائيلي. وأما قول "رئيس الوزراء الإسرائيلي"، بنيامين نتانياهو، إنه اتخذ قرار شن الهُجوم على قطر، في شكل "مُستقل"، فغير مُقنع، ولا يرفع اللوم عن ترامب!.
وعلى الرغم من أن الضربة لقيت انتقادا علنيا نادرا من ترامب لـ"إسرائيل"، فقد شدد وزير الخارجية الأميركية، ماركو روبيو، على أنها لن تُغيّر في العلاقة الوثيقة بين الدولة العبرية والولايات المتحدة التي تدعمها سياسيا وعسكريا.
وعليه، فإن طبيعة العلاقة مع حُلفاء آخرين للولايات المتحدة، لم تعد بالضرورة تُوفر الضمانة نفسها، منذ عودة ترامب إلى الرئاسة في كانون الثاني الماضي.
والأحد، وصل وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو إلى "إسرائيل"، في زيارة يُجدد خلالها دعم بلاده للدولة العبرية، على رغم الضربات التي شنتها على قطر. كما وتأتي الزيارة في ظل ضُغوط دولية على "إسرائيل"، على خلفية تصعيد عملياتها العسكرية في شمال قطاع غزة، وقبل أيام من اجتماعات الجمعية العمومية للأُمم المُتحدة، حيث تعتزم دول غربية عدة الاعتراف بدولة فلسطينية، في خُطوة تُندد بها "إسرائيل" وواشنطن.
وكان روبيو أكد قُبيل سفره، أن الانتقاد النادر الذي وجهه ترامب إلى "إسرائيل" بعد قصف الدوحة، لن يُغير في الدعم الأميركي للدولة العبرية. وقال: "ما حدث قد حدث. ومن الواضح أننا لسنا سُعداء بذلك، والرئيس أيضا لم يكُن سعيدا". ولكنه أكد في المُقابل، أن "هذا لن يُغير من طبيعة علاقتنا مع الإسرائيليين، بل علينا أن نُناقشه (...) وفي شكل رئيسي، لناحية التأثير الذي سيُخلفه" على جهود التوصل إلى هدنة في الحرب المُتواصلة مُنذ السابع من تشرين الأول 2023.
وعشية الزيارة الأميركية، كرر "الجيش الإسرائيلي"، الأحد، إنذاره لسكان مدينة غزة بإخلائها. وهو كان أفاد السبت بأن عدد النازحين تجاوز 250 ألف شخص.
الخرق الروسي
إلى ذلك، فقد قالت بولندا إن نحو 20 مُسيّرة روسية اخترقت مجالها الجوي الأسبوع الماضي. وفيما أثار ذلك ردات فعل قوية في وارسو ولدى الحلفاء في الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة عمليا، كان رد الفعل الأميركي أقل حدة، اذ قال ترامب إنّ موسكو ربما ارتكبت "خطأ" غير مُتعمد. ولكن ترامب استدرك مُحذرا من أن صبره حيال نظيره الروسي فلاديمير بوتين "ينفد سريعا". وهُنا أيضا، بدا كلام الرئيس الأميركي غير مُقنع، ولا يرفع اللوم عنه!.
كما ولم تُحقق جهوده الرامية إلى التوصُل إلى سلام في أوكرانيا أي تقدُم، في ظل امتناع موسكو عن تقديم تنازلات، على رغم تواصل ترامب المباشر، مرارا، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، على عكس التوجه الغربي إلى عزل الأخير دوليا.
الرسوم على الهند
وبعيدا من النزاعات العسكرية، فرض ترامب رُسوما تجارية باهظة على دُول تُعد شريكة للولايات المتحدة، مثل الهند. وقد ربط الرئيس الأميركي ذلك بمُعاقبة نيودلهي على مُواصلتها شراء النفط من روسيا. وهُنا تبرز الازدواجية في مواقف ترامب، في ما خص الجانب الروسي. فهو يُخفف من "النقمة" على بوتين، في حين يُعاقب دُولا على شراء النفط منه!.
كوريا الجنوبية
وكذلك لم تعفِ "علاقة التحالُف"، كوريا الجنوبية، من تداعيات إجراءات إدارة ترامب. فقد أُوقف المئات من مُواطنيها في دهم لعناصر إدارة الهجرة الأميركية، قبل إعادتهم إلى بلادهم الأسبوع الماضي. وقد دفعت سياسة ترامب الخارجية، مُحللين في "مركز التقدم الأميركي" للأبحاث، من المُتخصص في "السياسة الدولية والأمن القومي"، إلى الحديث عن السياق الأعم (في المواقف المُشار إليها أعلاه) الموصوف بـ "الضعف والفوضى والغُرور".
وأما نتانياهو وبوتين، اللذان يلمسان ضُعفا (لدى الإدارة الأميركية)، فيُحاولان استغلال الوضع، وينجحان في تفادي تبعات (ما يقومان به)، وهو ما ينبغي ألا يحصل عادة...
شرطي العالم؟
يؤكد ترامب ومستشاروه، أن "المصالح الأساسية للولايات المتحدة تتصدر أولوياتهم"، ويُقلّصون التزامات مكلفة وغير ضرورية امتدت عُقودا، في تناقُض مع وعود الإدارة السابقة للديمقراطي جو بايدن بالتركيز على التحالُفات. كما وأن "الواقع الجيوسياسي"، يُناقض تصريحات ترامب بأن بوتين ما كان ليبدأ غزو أوكرانيا في العام 2022، لو كان هو، وليس بايدن، رئيسا للولايات المُتحدة في ذلك الوقت. وكذلك، ثمة تزايد في عدد الدُول التي تُدرك ضُعفا لدى إدارة ترامب فتُحاول اختباره...
إلى ذلك، يرى الرئيس ترامب أن الضربة الإسرائيلية على قطر لم تكُن في صالح واشنطن والدولة العبرية، في موقف مُناقض لما قام به في حزيران عندما هاجمت "إسرائيل" إيران، إذ تدخلت واشنطن في حينه، ووجهت ضربات لثلاث مُنشآت نووية في الجُمهورية الإٍسلامية.
وأما بالنسبة إلى "إسرائيل" وروسيا، فثمة انطباع بأن ترامب سيسمح لبعض الأفعال أن تمر من دون عقاب... وفيما يثق نتانياهو بأن دعم ترامب له قوي للغاية، يعتقد بوتين، من جهته، أنه قادر على "تجاوز الحُدود" بينما ما زال الرئيس الأميركي يأمل في التوصل الى تسوية في أوكرانيا.
وفي المُحصلة، ثمة دول وجهات باتت أكثر جُرأة على اتخاذ إجراءات عسكرية والانخراط في نزاعات، لأن الالتزام الأميركي لم يعُد على المُستوى الذي يسمح لواشنطن بأن تكون "شرطي العالم"... وكل "حسابات الحقل" الترامبي، فتؤشر إلى أنها لن تفيد البتة "البيدر" الشرق أوسطي القاحل!.
رزق الله الحلو -النشرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|