الصحافة

نديم الجميّل يعلن "فكّ الحداد" على بشير

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كان أهل القتيل في شمال لبنان، وتحديدًا في منطقتي زغرتا وبشري وامتدادها في البقاع، يتشبثون بالثياب السوداء مهما طال الزمن إلى أن يُقتَل القاتل أو ينال جزاءه القانوني. تلك كانت تقاليدهم وعاداتهم. وبفعل تناسل الثارات والآلام هناك، صار اللون الأسود هو الطاغي على ملابس النساء لعقود طويلة. في الأحوال العادية، يدعو الكاهن في ختام جناز الأربعين باسم عائلة الراحل إلى فك الحداد.

​في حالة بشير الجميّل، الذي اعتبرته نسبة كبيرة من الجماعة المسيحية في لبنان رئيسها وقائدها وزعيمها ورمزها ومخلّصها ومُلخّص تطلعاتها إلى وطنها، بدا للمرة الأولى منذ اغتياله، وعلى مقربة من مكان إحياء ذكراه في ساحة ساسين ببيروت في 14 أيلول، أن الجماعة قد فكّت الحداد.

"عدالة التاريخ"
​وافق سياسي مخضرم على أن هذا الانطباع الذي خلّفه إحياء الذكرى "حقيقي وموضوعي"، لكنه أضاف: "سبقهم وليد جنبلاط". مذكراً بطلب الزعيم الدرزي إلى أنصاره في المختارة، في 16 آذار الماضي، بإنهاء تقليد إحياء ذكرى والده كمال جنبلاط، لأن "عدالة التاريخ أخذت مجراها" في حق رموز النظام السوري السابق. كما أن السلطات الجديدة هناك أوقفت الرجل الذي أشرف على تنفيذ جريمة الاغتيال، اللواء إبراهيم الحويجة، بعد 48 سنة على ارتكابها.

​من الحزن إلى التقبّل
​النائب نديم الجميّل لم يتردد في أن يقول لـ"المدن": "صحيح، فكّ الحداد تعبير دقيق. ما يحصل بعد أربعين يومًا استغرقنا مع بشير أربعين سنة". تحدث بعدها عن النظرية الشهيرة للطبيبة النفسية إليزابيث كوبلر روس، عن مراحل الحزن الخمس التي يمر بها المرء عند فقدان شخص عزيز: الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، ثم التقبل. وأضاف: "نعم، ما ينطبق على الإنسان الفرد ينطبق على الجماعة أيضاً. أقولها عن اختبار".

​تحقيق الرسالة
​قدر قاسٍ ألا يعرف الابن والده. كان عمر نديم نحو أربعة أشهر ونصف شهر عندما اغتيل بشير. لكنه عاش طفولته في ظلّه، من خلال العائلة ورفاق الأب ومعارفه، ومن خلال الفيديوهات والصور والكلمات المسجلة والأرشيف الشخصي، الذي قدمته العائلة لاحقاً إلى مكتبة جامعة الروح القدس- الكسليك لحفظه.

​مؤكداً بكلماته "فكّ الحداد"، قال نائب بيروت الشاب الذي تسلل إليه الشيب: "شعرت فعلاً في احتفال هذه السنة كأن حملاً نزل عن كتفيّ. طوال السنوات التي مرّت، قمنا بما علينا وبكل ما استطعنا، كعائلة، ومؤسسة بشير الجميّل، وكتائب، وقوّات، لتبقى رسالة بشير حيّة في الأذهان والقلوب. كنا نحرص على إقامة القداديس في ذكراه، والاحتفالات والندوات واللقاءات والبرامج، كنوع من التحدي في وجه ضغوط الجيوش والقوى غير اللبنانية، ولإبقاء جذوة الإيمان بلبنان وطنًا حرًا وسيدًا، قابلاً للحياة رغم المآسي".

​وأضاف: "سنواصل طبعاً إحياء الذكرى السنوية، إنما اليوم، يمكننا القول إن مطالب بشير تحققت. لم يعد هناك جيش سوري في لبنان. سقط نظام الأسد. المنظمات الفلسطينية خرجت. الجيش الإسرائيلي سيخرج. المشروع الإيراني اندحر. والمستقبل مفتوح على خيار واحد: عودة الدولة اللبنانية، وحدها بلا شريك، سيدة على أراضيها من خلال الجيش اللبناني والأجهزة الشرعية الأخرى".

​مواجهة تحديات المستقبل
​العالم تغيّر كثيرًا. أشكال الصراع العالمي تغيرت، خصوصاً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وأيضاً هجمات 11 أيلول/ سبتمبر: "بالطبع، لم تحصل التغيرات بفضلنا، كان دورنا الصمود عند مبادئنا، لكن الظروف تطورت لمصلحة لبنان بمعزل عنا، وعلينا أن نحسن التعامل معها، والسعي لتطبيق ما كان سيفعله بشير الجميّل على صعيد بناء دولة تليق بها هذه التسمية وتحترم حقوق المواطن بالعدل والمساواة وفقاً للدستور والقوانين".

​وعملياً، "إلى أين الاتجاه بعد فك الحداد؟" يجيب: "المواجهة أصبحت في مكان آخر. فلنكف جميعاً بدايةً عن اجترار أحداث الماضي، من كان على حق ومن كان على خطأ. لا يمكننا الاستمرار في اجترار الماضي والوقوف عنده إلى الأبد من دون مبادرة أو فعل أي شيء. هناك جيل جديد يتطلع إلى أبعاد أخرى، والتحدي هو أن نلبي تطلعاته. وما الذي يريده أي شعب؟ الاستقرار والسلام والازدهار والدخول المنتج في عالم التكنولوجيا والمعلومات. علينا وضع برامج لهذه الغاية، وربما الاقتداء بالهند والإمارات وقطر والسعودية.. في كل الدول، أثبت الشباب اللبنانيون أنهم يشكلون طاقات هائلة، وقدموا نماذج رائعة من النجاحات. علينا بالطبع التفاعل معهم وتجيير جزء من قدراتهم في خدمة مشروع لبنان المستقبل. هاجروا لأسباب اقتصادية ويمكن أن يعودوا لأسباب اقتصادية إذا عاد لبنان جاذباً".

​رؤية جديدة
​لا شك أن تقدير المسؤولين في الدولة لبشير، للمرة الأولى في ذكرى هذه السنة، لم يكن من دون تأثير. "كان رجلاً استثنائياً واجه بشجاعة فائقة ظروفاً استثنائية، وكانت القوة الأداة الرئيسية في الصراعات التي خاضها. لكن الحرب وأجواءها صارت خلفنا منذ زمن بعيد. ومن المهم تبديد الانطباعات الخاطئة التي تركتها الحرب. نحن على سبيل المثال لسنا انعزاليين ولا عنصريين، بل نريد لبنان الانفتاح والمساواة والازدهار لجميع أبنائه، لبنان الحليف للعرب، وأن يكون له دوره مع دول الخليج ودول العالم أجمع. أتطلع إلى أن تضع كل الأحزاب طاقاتها في خدمة مشروع إنمائي واقتصادي".

​ولا يخفي نجل بشير الجميّل إعجابه بتجربة الرئيس رفيق الحريري. يقول إنه أحدث تحولاً في نظرة فئة من اللبنانيين إلى لبنان من خلال الازدهار والاقتصاد، ويجب استعادة هذه التجربة بدعم عربي ودولي وبما يلائم المتغيرات. وفي الحاضر، يبدو راضياً ومطمئناً إلى المسار العام لعملية بناء الدولة، بقيادة رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام.

​هل يساهم "فكّ الحداد"، إذا تعمم، في وضع حد للصراع على إرث بشير؟ في خضم حرد الجماعة التي قدّسته، ورفضها للواقع وإصرارها على تجميد الزمن، تنافَسَ على التوالي أمين الجميّل، وإيلي حبيقة، وسمير جعجع، وميشال عون وآخرون على هذا الإرث المعنوي، وسالت دماء وأحقاد خلال الحرب وبُنيت زعامات وأوهام كثيرة. هل يفتحون هم وخُلفاؤهم وأنصارهم صفحة جديدة، على غرار نجله النائب نديم؟ وماذا عن "حزب الله"، هل ستستغرق أربعون قائده حسن نصرالله هو أيضاً أربعين سنة؟

إيلي الحاج - المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا