تل ابيب وواشنطن ترفعان وتيرة التصعيد تجاه لبنان...انفجار وشيك؟
المفاوضات السورية-الإسرائيلية: الشرع يسير في فخ الأمن ليقع في حفرة التقسيم
لم يكن إعلان الرئيس السوري أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) دخول بلاده في مفاوضات "أمنية" مع إسرائيل بالمفاجئ الا انه اكسب الانباء التي كانت متداولة صيغة رسمية، وقال ان الامر هو محاولة للتوصل إلى اتفاق يقضي بانسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد، والعودة إلى اتفاقية 1974، ومنع الخروقات الجوية والبرية... لكن هذا التصريح يثير تساؤلات جوهرية حول حقيقة هذه المفاوضات وتداعياتها المستقبلية.
يحاول الشرع (الجولاني) تسويق المفاوضات على أنها "أمنية فقط وليست للتطبيع أو السلام"، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي العربي. غير أن هذا التبرير يحمل استخفافاً واضحاً بعقول الشعوب العربية، إذ ان التاريخ يؤكد أن المفاوضات الأمنية تمثل البوابة الرئيسية للتطبيع والاعتراف. فالاتفاقات الأمنية تتضمن بالضرورة آليات تنسيق وتعاون مشترك، وتبادل معلومات، وإجراءات حماية متبادلة، وهي كلها عناصر تشكل أساس العلاقات الطبيعية بين الدول. المفاوضات الأمنية تخلق واقعاً جديداً على الأرض يصبح من الصعب التراجع عنه لاحقاً، خاصة عندما تتشابك المصالح وتتعقد الالتزامات الأمنية المشتركة.
ما يحدث اليوم ليس سوى إعادة إنتاج للسيناريو المصري في السبعينيات، حيث بدأت المفاوضات تحت شعار "استرداد الأرض" وانتهت بكامب ديفيد والتطبيع الكامل. ولا تخفي إسرائيل أهدافها التوسعية في المنطقة، فقد أعلنت مراراً عن رغبتها في ضم أجزاء من الأراضي السورية، خاصة في هضبة الجولان والمناطق الحدودية، كما تستغل قضية "حماية الدروز" السوريين كذريعة لتوسيع نفوذها وتدخلها العسكري في سوريا، حيث وصل الأمر إلى حد السماح للدروز السوريين بالعمل في الجولان ودخول قواتها ميدانياً "نصرة للدروز"، في خطوة تهدف لخلق روابط اقتصادية واجتماعية تجعل فصل هذه المناطق عن إسرائيل أمراً صعباً مستقبلاً.
من هنا، تبدو الاستراتيجية الإسرائيلية واضحة وهي تقوم على استغلال الفترة الانتقالية في سوريا وضعف الدولة الجديدة لفرض أمر واقع يصبح من المستحيل تغييره لاحقاً. هذه المفاوضات تمنح إسرائيل الشرعية القانونية والدولية لوجودها على الأراضي السورية، وتحولها من قوة احتلال إلى "شريك أمني".
ولكن، هل يمكن الوثوق فعلياً في اسرائيل؟ التجربة اظهرت انه لا يمكن ذلك، فما حصل ويحصل مع الفلسطينيين بعد الاتفاقات ومنها اتفاق اوسلو، خير دليل على ذلك. وحتى الاتفاقات مع مصر والاردن تبقى هشة ومرتبطة بالمزاج الاسرائيلي، فيما التطبيع مع دول خليجية وضع هذه الدول في موقف صعب وفي دائرة القلق والخوف بعد الضربة الاسرائيلية على قطر، التي وان لم تكن قد وقّعت على التطبيع، لا تربطها باسرائيل اي عداوة مباشرة او مشاكل امنية وعسكرية، وهي تقع على تخوم الدول الخليجية الاخرى التي سارت في قطار التطبيع. النجاح الإسرائيلي في إضفاء الشرعية على وجودها في أجزاء من سوريا سيشجع قوى إقليمية أخرى على فعل المثل. تركيا، التي تسيطر فعلياً على مناطق واسعة في شمال سوريا، ستسعى حتماً لتحويل هذه السيطرة العسكرية إلى واقع قانوني معترف به دولياً، وهذا يعني تقسيم سوريا عملياً بين القوى الإقليمية المختلفة تحت غطاء "الاتفاقيات الأمنية".
الاتفاق السوري-الإسرائيلي، إن تم، سيضع لبنان في موقف بالغ الحساسية. فسوريا كانت تمثل العمق الاستراتيجي لحزب الله، وتحولها إلى "شريك أمني" لإسرائيل سيعزل الحزب اكثر فأكثر ويضع لبنان تحت ضغوط هائلة للقبول بمفاوضات مماثلة. إسرائيل ستستغل هذا الوضع لفرض تسوية شاملة تراعي مصالحها فقط وتنهي الوجود الإيراني في المنطقة.
المفاوضات السورية-الإسرائيلية الحالية تمثل نقطة تحول خطيرة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي. رغم محاولة الشرع (الجولاني) تصوير الأمر كمفاوضات "أمنية محدودة"، فإن الواقع يشير إلى أن هذه المفاوضات تمهد لتطبيع شامل وإعادة تشكيل جذرية لخريطة المنطقة. والنجاح الإسرائيلي في سوريا سيفتح الباب أمام مطامع توسعية أخرى، وسيضع باقي الدول العربية، وخاصة لبنان، تحت ضغوط متزايدة للقبول بتسويات مماثلة. إن ما يحدث اليوم ليس مجرد مفاوضات أمنية، بل هو إعادة رسم لخريطة الشرق الأوسط وفقاً للمصالح الإسرائيلية، ويبدو ان القطار يسير بسرعة لم تكن متوقعة.
طوني خوري- النشرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|