نواف سلام... الاتكال عليك
لا يبدو أن زيارة وفد صندوق النقد الدولي إلى بيروت، ومحادثاته مع المسؤولين اللبنانيين، تدعو إلى التفاؤل. ليس لأن لبنان لم ينفّذ ما هو مطلوب منه في المسار الإصلاحي، بل لأن من يفاوض باسم الصندوق، يتصرّف على أساس أنه تلميذ نجيب ومُلتزم بالمعايير المكتوبة في "دستور" الصندوق، وليس مستعدًا للزحزحة قيد أنملة عن هذه المفاهيم الأكاديمية.
هذه النتيجة خرج بها مسؤولون لبنانيون يتابعون ملف الأزمة، وهم قيّمون على إعداد خطة الخروج من انهيار مالي واقتصادي غير مسبوق، ولا مثيل له في العالم في العصر الحديث. لكن المفارقة، أن صندوق النقد يتصرف وكأن البلد أمام أزمة عادية مثل تلك التي مرّت على دول أخرى.
ماذا قال وفد الصندوق للمسؤولين اللبنانيين، ولماذا وصلنا إلى حدّ التصادم غير المُعلن؟
في الواقع، شعر أعضاء اللجنة الثلاثية المولجة إعداد خطة التعافي، أن وفد صندوق النقد يحاول نسف كل ما أنجزوه حتى الآن، بإشراف ومشاركة فعّالة من قبل رئيس الحكومة نواف سلام. وفي الواقع، تحول سلام من مشارك "ظرفي" في نقاشات اللجنة التي تضم وزير المالية ووزير الاقتصاد وحاكم مصرف لبنان، إلى مشارك دائم، يحرص على ترؤس اجتماعات اللجنة، للإشراف مباشرة على الخطط التي يتمّ التوافق عليها.
في عودة إلى وفد الصندوق، ما اعترض عليه موفدوه وطلبوا تغييره هو التالي:
أولًا- رفض فكرة تقسيم الودائع إلى شرائح. أي رفض فكرة الودائع المشبوهة، والودائع الكبيرة التي حصل أصحابها على فوائد مرتفعة بطريقة غير منطقية، وكذلك فكرة "تمييز" الودائع التي تحولت من الليرة إلى الدولار بعد 17 تشرين 2019، أو تلك التي استحدثت بعد هذا التاريخ، وقد يكون أصحابها عمدوا إلى شراء شيكات بنسبة متدنية قياسًا بقيمتها الحقيقية.
ثانيًا- رفض فكرة المودع الواحد، مهما تعدّدت حساباته في المصارف. وطلب وفد الصندوق أن يحصل كل حساب على الـ 100 ألف دولار. أي أن مودعاً لديه 5 حسابات مصرفية، وفي كل حساب يوجد 100 ألف دولار يجب أن يقبض 500 ألف دولار. في حين أن مودعًا آخر لديه 10 ملايين دولار في حساب واحد، يتقاضى فقط 100 ألف دولار.
ثالثًا- رفض الصندوق أن تعترف الدولة بدينها إلى مصرفها المركزي. (16.5 مليار دولار).
رابعًا- رفض التراتبية في المسؤوليات الواردة في قانون إعادة هيكلة المصارف.
بمعنى آخر، إذا قررت الدولة اللبنانية تلبية لاءاته، ستضطر إلى نسف كل ما أنجزته حتى الآن، وستعود إلى المربع الأول، مع ارتفاع احتمال الفشل، بسبب زيادة حجم الأموال المطلوبة لتنفيذ خطة يرضى عنها الصندوق.
هذا التصرّف "الأكاديمي" لمعالجة أزمة غير مسبوقة، بات يستدعي موقفًا موحدًا من الدولة اللبنانية. والاتكال هنا على نواف سلام بصورة خاصة، لأن الرجل هو من يقود عمليًا خطة الإنقاذ، من خلال الإشراف على عمل اللجنة المكوّنة من ياسين جابر وعامر البساط وكريم سعيد. وإذا افترضنا أن نوايا الصندوق طيبة، وهذا هو الواقع، ينبغي البحث عن طريقة لإقناع إدارة هذه المؤسسة بالخروج على "النص" المكتوب في دستورها قليلًا، ومراعاة خصوصية الأزمة اللبنانية، وظروف البلد التي تحتاج إلى تفصيل على القياس للحل، وليس مجرد حل جاهز.
نواف سلام أثبت أنه رجل صلب عندما يكون مقتنعًا بعدالة ومنطقية موقفه، وبالتالي، سيكون "صخرة" في وجه لاءات الصندوق. وإلّا، من الأفضل السعي للحصول على "ختم" الولايات المتحدة، والاستغناء عن "ختم" الصندوق، لأن ثمنه أصبح باهظًا، وأضراره قد لا تقل عن فوائده.
أنطوان فرح - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|