الكتائب: لا مبرّر لبقاء أي سلاح خارج إطار الدولة ولتسريع بسط الشرعية
7 أكتوبر… نتنياهو كان يعلم؟
هل صحيح أنّ إسرائيل بكلّ أجهزتها وهيئاتها خُدعت بهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأوّل أو “طوفان الأقصى”، أم أصابها الذهول فقط من حجم الهجوم ومدى نجاحه؟ فرقٌ شاسعٌ بين الأمرين. هل كان نتنياهو تحديداً يُدرك الخطر المقبل وأراد استغلال الهجوم الحمساويّ لتغيير الشرق الأوسط وتحقيق “إسرائيل الكبرى”؟ أم تجاهل التحذيرات، وقلّل من شأنها، كإشارة على عدم كفايته السياسيّة، وانشغاله بصغائر الأمور في صراعه المزمن مع اليسار الإسرائيليّ الليبراليّ؟ الأحداث اللاحقة، وإصرار نتنياهو على مواصلة الحرب دون هوادة، من المؤشّرات الواضحة إلى إجابة محتملة، وهي أنّه كان يعلم، وترك الأمور تجري في مسارها، لغايات كشفها أخيراً.
قبل أقلّ من ثلاثة أسابيع من هجوم 7 أكتوبر، حذّرت وثيقة أعدّتها فرقة غزّة التي تلقّت الصدمة العسكريّة الأساسيّة في ذاك اليوم، من أنّ “حماس” تستعدّ، وتدرِّب قوّاتها لتنفيذ غزو واسع النطاق داخل إسرائيل، واحتجاز عدد كبير من الرهائن، وذلك بحسب ما أفادت به هيئة البثّ العامّة الإسرائيلية “كان”. إلّا أنّ الوثيقة، التي انتشرت داخل الأجهزة العسكريّة والأمنيّة في 19 أيلول 2023، تجاهلها بعض كبار المسؤولين.
جدار أريحا
نقلت “كان” عن مصادر أمنيّة لم تسمِّها أنّ المعلومات استندت إلى معطيات قدّمتها وحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة، والتي قدّرت أنّ عدد الرهائن المستهدَفين في الهجوم الفلسطينيّ المرتقب يراوح بين 200 و250 رهينة. وفي تقرير استقصائيّ، نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” يوم الخميس 30 تشرين الثاني 2023، استناداً إلى وثائق إسرائيليّة سرّية: حصلت الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة على وثيقة من 40 صفحة صادرة عن “حماس”، توضح نقطة بنقطة تفاصيل الهجوم الواسع النطاق، الذي ستنفّذه قوّات النخبة في “حماس”.
الوثيقة، التي تداولتها الدوائر الاستخباريّة تحت اسم “جدار أريحا”، لم تتضمّن موعداً محدّداً للهجوم، لكنّها قدّمت تفاصيل دقيقة عن كيفيّة اختراق الأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية، ومن ثَمّ تنفيذ هجمات على البلدات والقواعد العسكرية. وتشمل الخطّة إطلاق موجة من الصواريخ، واستخدام طائرات مسيَّرة لتعطيل كاميرات المراقبة وأنظمة الدفاع الأوتوماتيكيّة، ثمّ عبور المقاتلين إلى الأراضي الإسرائيليّة باستخدام الطائرات الشراعية، والسيّارات، والتقدّم مشياً على الأقدام، وهي جميعها عناصر أساسيّة تمّ تنفيذها فعليّاً في هجوم 7 أكتوبر.
على الرغم من وضوح الخطّة، كان التقويم الداخليّ للجيش الإسرائيليّ متحفّظاً، إذ إنّه لم يكن ممكناً برأيه “تحديد ما إذا كانت الخطّة قد حظيت بقبول كامل من قيادة “حماس” أو كيف ستُنفّذ في الميدان”. ثمّ في تمّوز 2023، حذّرت محلّلة من وحدة 8200 من أنّ “حماس” أجرت مناورة عسكريّة تشبه في نواحٍ عديدة الخطّة الواردة في “جدار أريحا”.
تجاهل نتنياهو
يتذرّع نتنياهو وفريقه بأنّ الأجهزة الأمنيّة فشلت في تزويده بمؤشّرات إلى هجوم “حماس” قبل ساعات من بدء العمليّة. وهو ما يُسمّى بـ “التحذير التكتيكيّ”، أي صدور معلومات فوريّة تشير إلى أنّ هجوماً ما على وشك الحدوث خلال ساعات أو أيّام. وتجاهل أيضاً “التحذير العمليّاتيّ”، وهو كناية عن مؤشّرات تُظهر استعداد العدوّ أو تحرّكه خلال أسابيع أو أيّام قبل الهجوم، علاوة على إهماله التحذيرات الاستراتيجيّة التي أرسلتها إليه الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة بين آذار وتمّوز 2023، ومنها رسالتان من مسؤول لواء الأبحاث في الاستخبارات العسكريّة “أمان” عميت ساعر، الذي استقال بعد أشهر من هجوم “حماس”. وواحدة منهما على الأقلّ أشارت إلى احتمال التصعيد في المنطقة الفلسطينيّة، مع إدراج “حماس” في رسالة التحذير، وإن لم يركّز على غزّة بشكل خاصّ.
في تمّوز 2023، حذّر رئيس الجهاز الأمنيّ الداخليّ “الشين بيت”، من أنّ الحرب مقبلة، مستنداً إلى تقويمه العامّ بأنّ محور المقاومة يرى فرصة في الانقضاض على إسرائيل، وقد أصبحت أضعف بسبب الانقسامات الداخليّة حول الإصلاحات القضائيّة التي قام بها نتنياهو، أي إضعاف صلاحيّات المحكمة العليا، وتعزيز صلاحيّات السلطة التنفيذية.
كانت التحذيرات الاستراتيجيّة واضحة في تقويم النيّات والدوافع، لكنّها افتقرت إلى تحديد مكان الخطر وزمانه، وهو ما أتاح لنتنياهو المجال لتجاهل كلّ هذه التحذيرات أو التقليل من شأنها علناً، وفي الجلسات الخاصّة، لأنّ الأولويّة التاريخيّة عنده كانت دائماً إجهاض السلطة الفلسطينيّة، ومنع قيام الدولة الفلسطينية بأيّ طريقة، وذلك بحسب مقال لخبراء عسكريّين إسرائيليّين نشرته المنصّة الأميركيّة المتخصّصة: war on the rocks، في تشرين الأوّل 2024. فيما بدا مقال آخر صدر في الوقت نفسه في مجلّة أميركيّة متخصّصة بمكافحة الإرهاب (Sentinel)، أكثر تبريراً للفشل الاستخباريّ الذي وقعت فيه إسرائيل، بحيث يقارن ما جرى في غلاف غزّة من مباغتة هجوميّة بما وقع في الهجوم اليابانيّ على بيرل هاربور عام 1941 وفي هجمات 11 أيلول 2001.
خداع استراتيجيّ
لقد كان قرار نتنياهو واضحاً في ترك حركة حماس في غزّة، وهي تراكم قوّتها، منذ عودته إلى السلطة عام 2009 إلى 2021، وعودته ثانيةً عام 2022، والاكتفاء بعمليّات “جزّ العشب”، كلّ بضع سنوات، وهي التي اعتادتها القيادة الإسرائيليّة، منذ قرار أرييل شارون الانسحاب من القطاع عام 2005، مع فرض الحصار عليه، بحيث بات سجناً في العراء.
لكن وهو يستعدّ لـ”الحزب” في لبنان، ثأراً لما جرى في حرب تمّوز 2006، لم يكن نتنياهو ليُغفل حركة حماس والفصائل الأخرى، التي كان متوقّعاً التحاقها بالحرب لو شُنّت على حليفها في لبنان. ذلك لو اعتبرنا أنّ الأولويّة الإسرائيليّة كانت في إزالة الخطر في الشمال، مع الاستخفاف بالخطر الكامن في الجنوب. أمّا رسائل التطمين قبل أشهر من “طوفان الأقصى”، من الجانب الإسرائيليّ، على الرغم من التنبيهات الصادرة من الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة الإسرائيليّة، بل التوصّل إلى تفاصيل خطّة الهجوم نفسها، فهي دليل إضافي على الخداع الاستراتيجيّ، وقد أثبت نتنياهو مهارته في خداع أعدائه وحلفائه معاً خلال عامين من المعارك داخل فلسطين وخارجها.
لو كان نتنياهو يستعدّ لشنّ حرب فجائيّة أو استباقية على “الحزب”، مع أنّ قيادته حافظت بكلّ دقّة على الهدوء مع إسرائيل، بين عامَي 2006 و2023، لكان مفتقراً إلى التبرير المناسب، وإلى الدعم الدوليّ. علاوة على ذلك، كان لبنان يمرّ بانهيار اقتصاديّ غير مسبوق، ولم تكن البيئة الأساسيّة لـ”الحزب” مستعدّة لأيّ صدام مع إسرائيل، ومصالحها كبيرة في الاستقرار المستدام. وهذا ما كانت تعرفه إسرائيل جيّداً. وفق هذا التحليل قبيل “طوفان الأقصى”، كيف لنتنياهو التخلّص من محور المقاومة في المنطقة، من القاعدة الخلفيّة ومشروعها النووي (إيران)، ومن رأس حربة المحور (الحزب)، ومن محور المحور (السيّد نصرالله)، من دون أيّ انتهاك للهدنة السائدة، أو هجوم صارخ انطلاقاً من الهجوم؟
الجواب كامن في حالة واحدة، وهي اضطرار “الحزب” إلى نقض الهدنة، وإطلاق الصواريخ، وكشف تكتيكاته تدريجاً، وإبراز مكامن القوّة والضعف. فكانت عملية “طوفان الأقصى”، وما تبعها من حرب إبادة في القطاع، وهو ما سيُطلق سلسلة الإجراءات والأفعال المتوقّعة سلفاً، وقبل سنوات طويلة. وكان نتنياهو ينتظر، ويستعدّ، والخطط جاهزة.
فهل تورّط نتنياهو ومعه اليمين الإسرائيليّ، في مغامرة أوقعت آلاف الإسرائيليّين بين قتيل وجريح وأسير، كثمن مقبول لدى هؤلاء، لتحقيق ما لم يقدر ديفيد بن غوريون على تحقيقه لظروف موضوعيّة، أي طرد الفلسطينيّين من كامل “أرض إسرائيل”؟ أم انتهز نتنياهو ما جرى لتغيير التوازنات في المنطقة، وفرض الهيمنة الإسرائيلية عليها، بالقوّة العسكريّة المتفوّقة تكنولوجيّاً، وتهميش الدول الكبرى، وليس إيران حصراً؟
إنّ استهتار نتنياهو واليمين بحياة الجنود والمدنيّين الإسرائيليّين، والأسرى منهم تحديداً، يعزّز فرضية المؤامرة. بل إنّ نسفه لكلّ القواعد الدوليّة للحرب، والقانون الدوليّ الإنسانيّ، وانتهاكه كلّ الاتّفاقات والأعراف الدوليّة، واستعداءه معظم دول العالم، قد تكون هي الجواب عن السؤال.
هاشم عليوان -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|