"كباش" المغتربين: التيار والقوات يتواجهان.. والثنائي يترصّد
هي واحدة من أكثر الجبهات السياسية سخونة في لبنان: جبهة قانون الانتخابات. المعركة هذه المرّة لا تدور حول المقاعد أو الدوائر فحسب، بل حول مفهوم التمثيل نفسه، وحق اللبناني المغترب في أن يُصوّت ولمن. بين التيار الوطني الحرّ، الذي يتمسّك بتطبيق القانون النافذ بحرفيّته وفتح الدائرة السادسة عشرة لانتخاب ستة نواب يمثلون الانتشار، والقوات اللبنانية التي ترفض هذا الطرح وتصرّ على تصويت المغتربين للـ128 نائبًا في دوائرهم الأصلية، يحتدم الكباش السياسي حول من يمسك بورقة المغتربين ولمن ستجير كتلة أصواتهم في دورة العام 2026. هكذا يتحول النقاش حول اقتراع المغتربين من ملف تقني إلى معركة سياسية مفتوحة، عنوانها الحقيقي: من يملك القرار الانتخابي في لبنان، ومن يخشى أن يُفقده الاغتراب ميزان القوى الداخلي؟
التيار الوطني الحر: الدائرة السادسة عشرة قائمة
تؤكد مصادر رفيعة في التيار الوطني الحر لـ"المدن" أن القانون النافذ منذ عام 2018 لا يزال ساري المفعول بكامل بنوده، بما فيها البند المتعلق بتمثيل الاغتراب بستة نواب. ويستند التيار في موقفه إلى دعوة وزير الداخلية الاخيرة لفتح باب التسجيل للاقتراع في الدائرة السادسة عشرة، معتبراً أنّ هذه الخطوة تُلزم إداريًا فتح باب التسجيل لكل من ورد إسمه في لوائح المغتربين، على أن يُشطب من لوائح الداخل، حتى وإن لم تُحسم بعد هوية نواب الاغتراب.
من هذا المنطلق، بدأ التيار دعوة المنتشرين إلى المشاركة الكثيفة في التسجيل والاقتراع، مؤكداً أنه معنيّ بهذا الاستحقاق وله قاعدة واسعة في الخارج من مؤيدين وأصدقاء. وهو يدرس خوض المنافسة على مقعد واحد على الأقل من المقاعد الستة، وربما بلوائح كاملة. ويرى أن التوزيع الطائفي في القانون هو على المرشحين لا على الأحزاب، متسائلًا: «من قال إن الوزير السابق وليد جنبلاط أو رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يمكن أن يرشحا أشخاصاً من أي طائفة كانت؟"
التيار يرى في التزامه بالقانون دليلاً على جديته في إجراء الانتخابات في موعدها، ويرفض تجميد بند نواب الانتشار كما حصل عام 2022، حين حُرم المغتربون من التمثيل النيابي. ويذكّر بأنّ القانون أُقرّ في مجلس النواب بأكثرية ساحقة عام 2018، وكان حزب القوات اللبنانية شريكه الأساسي في إعداده، يوم قال النائب جورج عدوان حرفيًا: «نحن أب القانون وأمه». ويعلّق التيار: «اسألوا القوات اليوم ماذا جرى حتى إنقلبت على موقفها؟"
أما بالنسبة إلى الثنائي أمل حزب الله، فيشير التيار إلى أنّه كان من الكتل التي عطّلت إنتخاب المغتربين في الدورة الماضية، ربما بعدما رأى أن المغتربين استُغلّوا سياسيًا في التحريض الداخلي، وأنّ إستقدامهم إلى لبنان ساهم في «الانقلاب النيابي» الذي بدأ في 17 تشرين 2019 وأنتج كتلة التغييريين. لكن التيار يرى أن الرئيس نبيه بري قد يكون أدرك اليوم ما غاب عنه عام 2022: «من يعتبر نفسه قويًا في الاغتراب فليترشّح هناك، وليستخدم قوته بدل الخوف من اقتراعهم."
وفي سياق متصل، يشدد التيار على أن قانون الانتخابات يفرض التعاون بين المكونات المختلفة، إذ لا مجال للتفرّد في الدوائر المتعددة الطوائف. «كيف في جبيل يمكن تجاهل الشراكة مع الشيعة؟ وفي الشوف، أقليم الخروب، مع السنّة؟ وفي بعلبك الهرمل مع المسيحيين؟» يسأل التيار، محذرًا من أي محاولة لعزل أي مكوّن لبناني.
ويختم بالتأكيد أن الحكومة مسؤولة عن تطبيق القانون وتأمين الإجراءات اللوجستية، في طريقنا إلى مجلس من 134 نائبًا، يحتسب بينهم نواب الانتشار الستة.
القوات اللبنانية: المواجهة مستمرة
على الضفة المقابلة، تنطلق القوات اللبنانية من مبدأ رفض التمييز بين المقيم والمغترب، مؤكدة أنّ حقّ اللبناني غير المقيم هو نفسه حقّ المقيم في التصويت للـ128 نائبًا في دائرته الأصلية. وتعتبر أن تخصيص ستة مقاعد للانتشار هو بمثابة «تهجير سياسي» للمغتربين ورسالة مفادها «إبقوا في الخارج»، لأن تلك المقاعد، برأيها، لا تشبه تركيبة البلد الواقعية ولا تعكس تنوّعه.
القوات تشير أيضًا إلى أنّ تفاصيل الدائرة السادسة عشرة لا تزال غامضة: لا توزيع طائفي واضح، ولا آلية تحدد من ينتخب من. وهي تستند إلى تجربة عام 2022 التي وصفتها بالناجحة، حين شارك المغتربون في التصويت ضمن دوائر الداخل. لذلك، تؤكد القوات تمسكها بخيار التصويت للـ128 نائبًا، وترى أن موعد الانتخابات «مقدّس» ولا يجوز المساس به أو تأجيله.
وفي البرلمان، تؤكد مصادر معراب للمدن أن القوات ومعها كتل أخرى ستواصل الدفع باتجاه إقرار التصويت الشامل للمغتربين لل128، معتبرة أن ما جرى أخيرًا في جلسة مجلس النواب من إدراج قانون معجّل مكرّر لإلغاء المادة 112 خارج جدول الأعمال «مخالفة للأعراف البرلمانية». وتحمّل الجهات التي تعمل على إسقاط تصويت المغتربين للـ128 نائبًا المسؤولية والتبعات السياسية والشعبية.
الدائرة ال16، ساحة صراع
وسط كل هذا المشهد، يشكل هذه المرة موقف ثنائي حزب الله وحركة أمل عنصراً أساسياً في تحديد إتجاه النقاش، ما دام إقتراع المغتربين للـ128 إنطلاقاً من الخارج يشكل تهديداً مباشراً له أكثر من المرة السابقة التي لم يكن رابحاً فيها. فهو لن يتردد في تعطيل أي مسعى لتطيير إنشاء المقاعد الستة في الدائرة الـ16، ولن يسلم نفسه إلى من يريد أن يطوقه في الداخل بأصوات الاغتراب. وبالتالي فإن خوض معركة إنتخابية في الخارج لتعبئة جمهور الخصوم هو أمر غير منطقي سياسيًا.
ويقول مقربون من الثنائي إنّ قرار التصويت للـ128 نائبًا لن يمرّ بسهولة، وإنّ الموقف النهائي سيُبنى على التطورات السياسية والتفاهمات الممكنة، لكن الثنائي، في الوقت نفسه، لا ينفي إستعداده للنقاش إذا ما توافرت ظروف وطنية جامعة.
بهذا المعنى، يتحوّل الجدل حول إقتراع المغتربين إلى مرآة تعكس حجم الانقسام السياسي في البلاد: بين من يصرّ على تطبيق القانون بحرفيّته كما أُقرّ في العام 2018، ومن يسعى إلى تعديله، وبين من يرى في المغترب أداة ضغط خارجية على ميزان القوى الداخلي.
ومع اقتراب موعد الاستحقاق النيابي، يبدو أنّ المعركة حول «الدائرة السادسة عشرة» ليست مجرّد نقاش قانوني، بل فصل جديد من فصول الصراع على التمثيل السياسي في لبنان، حيث كل طرف يقرأ القانون من زاويته ومصلحته، فيما تبقى الحكومة أمام مسؤولية تطبيق القانون وتأمين حق كل لبناني بالاقتراع، سواء في الداخل أو في الانتشار.
ندى أندراوس - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|