الصحافة

سقوط خطاب القوة من فم قاسم

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يمرّ "حزب الله" بحالة تخبُّط غير مسبوقة منذ نشأته، وهذا أمر طبيعي وبديهي ومتوقع نتيجة الضربة العسكرية الموجعة التي تلقاها وأودت بأمينه العام والصف الأول كله، والتي دفعته إلى الاستسلام بتوقيعه في 27 تشرين الثاني الماضي على تفكيك بنيته العسكرية والأمنية. وآخر فصول هذا التخبُّط، ما جاء في كلام الشيخ نعيم قاسم عن نقطتين تمثلان سقطتين كبيرتين، تتناقضان مع كل الادعاءات السابقة لـ"الحزب"، وذلك ضمن تعداده خمس نقاط قال إنها "فاجأت العدو"، علمًا أن إسرائيل هي من فاجأت "الحزب"، سواء ما قبل عملية "البيجر" أو ما بعد اغتيال أمينه العام.

النقطة الأولى، تتعلّق بتبريره عدم الردّ على الاستهدفات الإسرائيلية المتواصلة، تجنبًا لـ "منح إسرائيل مبررًا للتوحُّش أكثر"، أما النقطة الأخرى، فترتبط بإقراره الصريح "أننا لا نملك تكافؤًا عسكريًا مع إسرائيل التي تتفوّق عسكريًا، إلا أننا نتفوق بالإيمان بالوطن والاستعداد للتضحية والجهاد والثبات على إرادة المقاومة". 

ما تقدّم يشكل مضبطة اتهام مباشرة بحق "حزب الله"، الذي بنى كل صورته طوال العقود الماضية على فلسفة "توازن الرعب والردع"، التي كان شرحها وفصلها وكررها مئات المرات أنه يتوحّش بقدر ما تتوحّش إسرائيل، ويقتل بقدر ما تقتل، ويتوغّل بقدر ما تتوغّل، ولم ننسَ شعاراته "ما بعد بعد حيفا"، و"احتلال الجليل"، و"أوهن من بيت العنكبوت"، و"تل أبيب مقابل بيروت"، وسواها من الشعارات التي تبيّن أنها للاستهلاك الإعلامي والدعائي ولا تخرج عن سياق العنتريات.

وقد بنى "حزب الله" كل صورته على فكرة أنه قادر على إرساء تكافؤ عسكري مع إسرائيل، في حين أن الدولة اللبنانية عاجزة، وأن التوحُّش لا يواجه إلا بالتوحُّش، وأن القوة لا تردع إلا بالقوة، وأن "قوة لبنان في مقاومته القادرة على منع التوحُّش الإسرائيلي". لكنه، اليوم، ينقلب على هذه الشعارات، ويتعامل معها وكأنها لم تكن، والأسوأ من ذلك أنه يصرّ على التمسُّك بسلاحه، رغم إقراره العلني بالتفوّق العسكري الإسرائيلي.

فهل اكتشف "حزب الله" اليوم فقط التوحُّش الإسرائيلي؟ أم أنه يحاول تبرير عجزه وخوفه وعدم جرأته على الردّ؟ وهل اختلفت ردود الفعل العسكرية لتل أبيب في حروب 1993 و 1996 و 2006 و 2023، أم أن الذي اختلف هو هزيمة "الحزب" وخشيته من أن يؤدي أي ردّ من قبله إلى تهجير من لم يتهجّر بعد من بيئته؟ ولماذ أعلن الحرب ضدّها في 8 تشرين الأول 2023 إذا كان لا يريد منحها مبررًا للتوحُّش؟ ولماذا لا يملك شجاعة الاعتذار بأنه أخطأ في خوضه "حرب الإسناد"؟ وبأي منطق يريد الحفاظ على سلاحه، طالما أنه يخشى توحشها ويقرّ بتفوّقها عليه عسكريًا؟

وبعد أن أسقطت إسرائيل كل شعارات "حزب الله" في الميدان، تراجع بنفسه عن معادلات القوة وتوازن الرعب والردع. فما هي قيمته المضافة على الدولة اللبنانية، إذا كان قد أقرّ بالعجز عن الردّ، وبالتفوّق العسكري الإسرائيلي، وبالخوف من التوحُّش؟

ولا حاجة لتكرار المؤكّد أن "حزب الله" قوة عسكرية إيرانية تتذرّع بمواجهة إسرائيل لتبرير سلاحها، الذي مهمته الأساسية كانت وما زالت احتلال لبنان. ولا حاجة للتذكير بأن هذا المشروع هُزِم ووقّع على وثيقة استسلامه بحل تنظيمه العسكري والأمني في 27 تشرين الثاني 2024، وأن عدم رده على اغتيالات إسرائيل لعناصره سببه عجزه العسكري وعدم جرأته، بعدما تبيّن أن قوته في مواجهة إسرائيل هي صوتية لا أكثر ولا أقل.

 كان "الحزب" قد  أعلن "حرب الإسناد" دعمًا لحركة "حماس"، وتعهّد أمينه العام السابق، في آخر إطلالة له بتاريخ 19 أيلول 2024، بعدم إنهاء الحرب قبل وقف إسرائيل حربها ضدّ "حماس". لكن أمينه العام الحالي خرج من هذه الحرب فعليًا في 27 تشرين الثاني الماضي، بينما كانت إسرائيل لا تزال تخوض معركتها ضدّ الحركة، التي أظهرت أنها تتفوّق على "الحزب" بأشواط، بينما كان الأخير يتفوّق فقط بالدعاية الإعلامية والإعلانية.

وبعدما أعلنت "حماس" رسميًا تخليها عن مشروعها المسلّح، لم يعد بإمكان "حزب الله" المزايدة على الفلسطينيين بالعناوين التي تخصهم، وأصبح اليوم وحيدًا من دون شريك في غزة، ولا شريك في سوريا، ولا دولة تابعة لمشروعه أو تغطي هذا المشروع في لبنان. ولم يبقَ أمامه إلا أن يحذو حذو "حماس" ويُعلن رسميًا تخليه عن مشروعه المسلّح، وإلا فعلى الدولة اللبنانية أن تسرِّع في خطواتها لإنهاء هذا المشروع بالقوة، إذ لم يعد مسموحًا أن يبقى لبنان ساحة موت وحروب وفوضى، لأن البعض ما زال يخاف من "الحزب" ويتعامل معه انطلاقًا من شعاراته السابقة، التي تراجع عنها بنفسه علنًا.

شارل جبور -نداء الوطن
 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا