الصحافة

القضاء لم “يستقلّ” تماماً: المواجهة تتجدّد

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا تزال العدليّة تضجّ بالثغرات الفاقعة التي تضمّنها قانون استقلاليّة القضاء العدليّ، والتي دفعت رئيس الجمهوريّة جوزف عون إلى ردّه. المأخذ الأكبر الذي وُجّه إلى الحكومة، كما مجلس النواب، بعدم تحرير القضاء العدليّ كما يجب من القيود الطائفيّة، قد يتحوّل إلى أزمة أكبر بسبب ما يتردّد عن تسويات في اللحظات الأخيرة كرّست خللاً طائفيّاً على مستوى “توزيعة” مجلس القضاء الأعلى.

منذ إقرار مجلس النوّاب قانون تنظيم القضاء العدليّ في 31 تمّوز الماضي، برزت أصوات معترضة من داخل القضاء، وخارجه، سلّمت بأنّ رئيس الجمهوريّة جوزف عون سيعمد إلى ردّه، بما في ذلك الرئيس نبيه برّي نفسه!

هذا ما حصل فعلاً في جلسة الحكومة في 6 أيلول، التي شهدت إقرار خطّة الجيش، حيث أبلغ الرئيس عون الوزراء، بموجب صلاحيّته المنصوص عليها في المادّة 57 من الدستور، ردّ قانون استقلاليّة القضاء إلى مجلس النوّاب “لإعادة درسه نظراً إلى الشوائب الكثيرة التي تضمّنها، ولأنّه لم يتمّ إقراره وفقاً لما أحالته الحكومة إلى مجلس النوّاب”.

سبق خطوة الرئيس بردّ القانون ترحيبُ رئيس الحكومة نوّاف سلام بالمشروع الذي سيُساهم، برأيه، “في تعزيز ثقة المتقاضين والمُستثمرين بالقضاء”، فيما اعتبر وزير العدل عادل نصّار إقراره “من أحد أبرز الأهداف الأساسيّة التي التزم تحقيقها منذ تسلّمه مهامّه من أجل ترسيخ استقلاليّة القضاء”.

تقدّم مجلس القضاء الأعلى ونادي القضاة صفوف المعترضين على مضمون القانون. وقد شكّلت ملاحظاتهم عاملاً أساسيّاً في ردّ عون له.

إلى اللّجان مجدّداً

تبنّت لجنة الإدارة والعدل العديد من مطالب مجلس القضاء الأعلى، لكنّ اللافت أنّه في عام 2020 و2021 كان يحضر ممثّل عن “مجلس القضاء” اجتماعات اللجنة. لاحقاً بعد تعيين وزير العدل الجديد واسترداده القانون، لم يعد هناك أيّ ممثّل لمجلس القضاء الأعلى في الجلسات. مع ذلك، واظب مجلس القضاء الأعلى على إرسال اقتراحاته لتعديل القانون الحاليّ، ولاحقاً ملاحظاته على القانون بعد إقراره، وجرى تواصل مع وزير العدل. لكن بالنهاية لم يقتنع القضاء نفسه بقانون استقلاليّته، وعادت الأمور تقريباً إلى نقطة الصفر.

أُعيد القانون إلى اللجان لإعادة درسه، ثمّ سيُحال مجدّداً إلى الهيئة العامّة لمجلس النوّاب، المعلّقة جلساتها حاليّاً بسبب الخلاف على قانون الانتخاب. وقد علم “أساس” أنّ التوجّه العامّ هو لإعادة إقراره بنداً بنداً، بعدما جرى “سَلقه” بإقراره بمادّة وحيدة، ومن دون اطّلاع معظم النوّاب على بنوده.

برأي مجلس القضاء الأعلى، كان يمكن تعديل بنود محدّدة في القانون الحاليّ، من دون نسفه بالكامل، وهو ما كان سيحقّق أمرين أساسيَّين: الاستقلاليّة الماليّة للقضاء، و”تحريره” من القبضة السياسيّة، وخصوصاً لجهة تشكيل مجلس القضاء الأعلى، والمسافة الفاصلة عن الوزير في ما يخصّ إعداد التشكيلات القضائية.

“فِخاخ” القانون

لم تتمّ مراعاة تحديداً هذين الأمرين بشكل كافٍ في القانون الحاليّ، إضافة إلى عدم إشباعه نقاشاً في الهيئة العامّة، وتضمّنه سلسلة تناقضات بين بعض بنوده. لم تأخذ مداولات لجنة الإدارة والعدل، ومداولات الكواليس في أروقة مجلس النوّاب، التي سبقت إقراره، بطروحات مجلس القضاء في عدّة مسائل، منها:

– تأليف مجلس القضاء الأعلى من سبعة قضاة منتخبين على مرحلتين كي لا يُصار إلى إجراء حملات انتخابيّة على مستوى كلّ لبنان دفعة واحدة، فيمكن أن يؤدّي إلى تسلّل التدخّلات السياسيّة بشكل أكبر.

وفق القانون المُقَرّ تعيِّن الحكومة أربعة أعضاء (حكميّين)، ويتمّ انتخاب أربعة أعضاء، ويتمّ اختيار عضوين من قبل الأعضاء الحكميّين والمنتخبين. بالتالي، بقيت نسبة القضاة المُنتخَبين مباشرة من القضاة أقلّ من نصف أعضائه، وهذا يُضعف عامل الاستقلاليّة. لم يأخذ المشرّعون بأن يكون الانتخاب على مستوى محاكم التمييز على حدة، ومحاكم الاستئناف على حدة، ومحاكم البداية على حدة، في كلّ محافظة بشكل منفصل، وعلى مرحلتين.

مع العلم أنّ المشرّع أخذ بمطلب مجلس القضاء الأعلى اقتراح “المجلس”، لدى تعيين الأعضاء الحكميّين، ثلاثة أسماء من الدرجة 16 وما فوق، يرفعها بواسطة وزير العدل إلى مجلس الوزراء، ويختار الأخير واحداً من هذه الأسماء، ويصدر بمرسوم. وهذا ما عُدّ إنجازاً بحدّ ذاته.

– في موضوع التشكيلات القضائية بقي ظلّ السلطة، عبر وزير العدل، حاضراً، فلم يأخذ بمطلب اعتبار التشكيلات نافذة بعد صدورها عن مجلس القضاء الأعلى. فالمادّة 76 تشير إلى وضع مجلس القضاء الأعلى مشروع التشكيلات والمناقلات، وإذا حصل اختلاف في وجهات النظر مع وزير العدل يدعو الأخير إلى جلسة مشتركة مع أعضاء المجلس خلال 15 يوماً من تاريخ ورود المشروع، وإذا استمرّ الخلاف ينظر المجلس الأعلى مجدّداً في الأمر لبتّه، ويتّخذ قراره بأكثريّة سبعة أعضاء، ويرفعه إلى وزير العدل ويكون نهائيّاً. ثمّ تصدر التشكيلات بمرسوم باقتراح من وزير العدل. وهذه الأكثريّة تُعتبر، بالمفهوم القضائيّ، مُعرقِلة.

 

– لم يتفهّم مجلس القضاء الأعلى مغزى استحداث منصب مدير ثانٍ لمعهد الدروس القضائيّة. إذ نصّت المادّة 108 من القانون على “تأليف إدارة المعهد من مجلس إدارة، ورئيس، ومديري قسم التدرّج القضائيّ، ومدير التدريب المستمرّ والأبحاث (مدير واحد وفق القانون السابق).

يرى العديد من قضاة العدليّة أنّ هذا الأمر يُشكّل إخلالاً بالتوازن لا مبرّر له. أكثر من ذلك، يؤكّد هؤلاء أنّه بعد إضافة عضو حكميّ، هو رئيس معهد الدروس القضائيّة (شيعي)، إلى الأعضاء الحكميّين الثلاثة رئيس مجلس القضاء الأعلى (ماروني)، ومدّعي عامّ التمييز (سنّي)، ورئيس التفتيش القضائي (سنّي)، اختلّ التوازن الطائفيّ بشكل كبير.

هي نوع من التسويات اكتملت “طبختها”، بتأكيد مصادر قضائيّة، خلال فترة استراحة الأربع ساعات بين الجلستين يوم إقرار القانون، وشملت وزير العدل عادل نصّار ورئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان والنائب علي حسن خليل. وقد تكون أحد أهمّ الأسباب التي أدّت إلى ردّ رئيس الجمهورية القانون الذي أشار، بشكل لافت، في بيانه إلى “عدم إقراره وفقاً لما أحالته الحكومة إلى مجلس النوّاب”.

– بالنسبة لمدّة ولاية أعضاء مجلس القضاء الأعلى، كان المجلس اقترح أن تكون مدّة ولاية الأعضاء المنتخبين ثلاث سنوات، وولاية الأعضاء الأربعة الحكميّين ستّ سنوات. لكنّ القانون الجديد نصّ على تعيين الأعضاء الحكميّين لمدّة خمس سنوات، غير قابلة للتمديد أو التجديد، ما لم يبلغوا السنّ القانونية للتقاعد. وولاية الأعضاء المنتخبين أربع سنوات غير قابلة للتمديد أو التجديد، إلّا بعد مرور ولاية كاملة على انتهاء عضويّتهم.

أثارت هذه المسألة، تحديداً، حفيظة قضاة وجدوا أنّ تحديد ولاية عضو مجلس القضاء بخمس أو أربع سنوات، فيه ظلم سيلحق بقضاة قد تكون لديهم سنوات طويلة في السلك، بعد انتهاء ولايتهم، فيؤدّي تسلّمهم وظائف أقلّ درجة إلى نكسة معنويّة.

معركة “نادي القضاة”

يُذكر أنّ “نادي القضاة” قدّم ملاحظاته التفصيليّة على القانون، قبل وبعد صدوره، وخاض معركة لم يربحها تماماً، خصوصاً على مستوى مطالبته بانتخاب قضاة لبنان جميع أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وأن تكون له شخصيّة معنويّة تعطيه استقلاليّة إداريّة وماليّة أسوة بالمجلس الدستوري وهيئة الشراء العامّ. إضافة إلى إبقاء التوزيعات الطائفيّة ثابتة في المواقع القضائيّة الأساسيّة والحسّاسة، وارتفاع منسوب التدخّل السياسيّ من خلال العضو الحكميّ الرابع الذي تعيّنه الحكومة.

ملاك عقيل -اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا