الخليّة الإرهابية... عندما يتحول "حزب الله" إلى ضابطة عدلية
في موازاة الاهتمام المنصبّ على مفاعيل اتفاق وقف حرب الإبادة الإسرائيلية في "غزة"، وسياقاته التي تطول لبنان، لم تنل الخليّة الإرهابية التي كشفها الأمن العام الاهتمام المتناسب مع طبيعة العمليات التخريبيّة التي كانت تحضر لتنفيذها إبّان الفعاليّات التي أقامها "حزب اللّه" في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال أمينيه العامين، خصوصًا في ظلّ انصراف الأخير إلى استعراضات إظهار القوّة، والحضور العدديّ، وطغيان الرسائل الاستفزازية المتوخاة منها، والجهات المرسلة إليها على جوانب شديدة الأهميّة في القضية.
مسارعة "الحزب" عبر وسائل إعلامه والصحافيين المقرّبين منه إلى كشف تفاصيل عن الخلية، وتوظيفها ضمن سياق سياسيّ مبتسر يخدم السرديّة التي يبثها، ويواظب على زرعها في مخيال حاضنته، عن الخطر الوجودي واستهداف الشيعة من العالم بأسره، ربّما أسهمت في بروز مناخ عام من اللامبالاة. والأسوأ منها كان تعزيز إشارات التشكيك في أداء المؤسّسات الأمنية بسبب العلاقة الملتبسة مع "الحزب"، حيث بدا أن إيقاع قنوات التنسيق بينهما لا يزال صاخبًا.
بيد أن قضية هذه الخلية تكتسي بدلالات تدعم مسار الدولة الناشئ، وإعادة ترتيب العلاقة المتوترة مع "الحزب"، وإداراتها عبر معادلة وسطية تبتعد عن الصدام معه لتبعاته السلبية، لكنها تعمل على تفكيك حلقات نفوذه وتأثيره داخلها بشكل متدرّج.
والحال أن الأمن العام هو من اكتشف خيوط هذه الشبكة وعمل على تفكيك خباياها. وعقب التحقيقات الأولية مع الرأس الأبرز، وهو لبناني – برازيلي، سارع مدير الأمن العام اللواء حسن شقير إلى زيارة بعبدا، لإحاطة رئيس الجمهورية بتفاصيل القضية، مع خارطة للأهداف والأشخاص المتورّطين والأدوات المستخدمة.
غير أن أجهزة "الحزب" بعدما عرفت باعتقال الرأس المدبّر، عمدت إلى تنظيم مسار موازٍ ومستقلّ عن التحقيقات الرسمية، رامت من خلاله تظهير استعادتها بأسها وسطوتها، وكذلك استمرارية قنوات التواصل مع الأجهزة الأمنية بما يخدم مصالحها، حيث سارعت إلى اعتقال أحد أبرز رؤوس هذه الخلية، وهو ألمانيّ من جذور فلسطينية. والأدهى أنها رفضت تسليمه للأجهزة الأمنية الرسمية بعد 3 مرات من المطالبة به.
وبالتالي، فإن "الحزب" أوحى عن عمد بوجود شريك مضارب للدولة في هيبتها وشرعيتها، في محاولة لإعادة إحياء ثنائية "الدولة – الدويلة" الجدلية، مع قيامه بدور ضابطة عدلية غير شرعية، لا تتلقى أوامرها من القنوات الرسمية، لديها نظارات خاصة، وتطبّق قوانين خارجة عن سلطة الدولة. الأمر الذي يشكل خرقًا مضاعفًا للقوانين في زمن "حصرية السلاح والقرار"، كما لاتفاقية وقف إطلاق النار التي وقع عليها عبر وزرائه في تشرين الثاني الماضي.
وبعدما نما إلى علمه أن الأمن العام يحضر لإقامة مؤتمر صحافي لكشف ملابسات القضية أمام الرأي العام، عمد "الحزب" إلى تسريب المعطيات عبر آلته الإعلامية وبسياق سياسي موجّه يناسب أهدافه، وخصوصًا غسيل السمعة، وفي الوقت نفسه يُحرج المؤسسات الأمنية ويصوّب عليها، بما قاد في النهاية إلى العدول عن المؤتمر الصحافي.
وفي هذا السياق، يلاحظ أن "الحزب" يمعن عبر آلته الإعلامية في تسليط الأضواء بشكل سلبي على الأمن العام، وجعله عرضة للانتقادات، وتصوير مديره العام بأنه شخص استعراضيّ، وذلك نتيجة انزعاج أجنحته من المساعي الجدية والهادئة التي يقوم بها اللواء حسن شقير لتخليص الأمن العام من الإرث الإشكالي للحقبة الماضية، وما أفضى إليه من انطباع سائد لدى شرائح كثيرة بأنه إحدى دوائر نفوذ "الحزب"، وإعادته إلى لعب دوره الوطني الطبيعي، بدعم وتغطية مباشرين من بعبدا.
إشراف الرئيس جوزاف عون على عملية إعادة تنظيم أدوار الأجهزة الأمنية ضمن دوائر عمل تكاملية تحدّ من التنافس التقليدي بينها، لتركّز على تطبيق التوجّه الاستراتيجي للدولة والسياسات الأمنية للحكومة، أثبت نجاعته في هذه القضية كما في الحرب على سوق المخدّرات وباروناته، من ناحية الغطاء السياسي وسرعة تبادل المعلومات وفعالية الإجراءات، خصوصًا في ظلّ الاجتماعات الدورية الثابتة بين رؤسائها والتي تختلف سياقاتها عمّا كان سائدًا وتؤسّس لشراكة فاعلة يبنى عليها الكثير.
سامر زريق -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|