منطق الدولة يتقدّم على الميليشيات
يراهن كلٌّ من إسرائيل و”حماس” و”الحزب” على مَن يتنازل أوّلاً. تقول إسرائيل إنّها لن تنسحب من غزّة وجنوب لبنان إلّا بعد تسليم “حماس” و”الحزب” سلاحهما. وهما يقولان: لن نسلّم السلاح إلّا بعد الانسحاب!
إنّ هذه المماحكة لن تعيد الحرب في غزّة لكثرة الجهات الحارسة لوقف النار. أمّا الحزب المسلّح في لبنان فلديه هو والدولة اللبنانية مهلة أشهر قليلة. لكنّ الضرر الكبير على لبنان واقعٌ منذ الآن!
بسرعةٍ شديدةٍ آلَ منطق “حماس” إلى التطابق مع منطق الحزب المسلَّح في لبنان! تقول “حماس” الآن: لن نقبل بسحب سلاحنا، ولن نسلّمه حتّى تنسحب إسرائيل من سائر القطاع! تماماً مثلما يقول الحزب المسلَّح: لن نسلّم السلاح حتّى يثبت وقف النار وتنسحب إسرائيل من لبنان ويُطلق سراح الأسرى، وربّما إذا حبكت النكتة يمكن لـ”الحزب” أن يقول: وأخيراً وليس آخِراً… حتّى يُعاد الإعمار!
بماذا يجيب الإسرائيليّون على كلام التنظيم والحزب الإلهيّ، والواقع أنّ التنظيمين إلهيّان، وإلّا فكيف يتحكّمان بالأرواح والمصائر؟! تجيب إسرائيل: لن ننسحب من غزّة نهائيّاً حتّى تذهب “حماس” وسلاحها، ولن ننسحب من لبنان ونوقف غاراتنا حتّى يُجرَّد “الحزب” من سلاحه، وإن لم تجرّده الحكومة اللبنانية فنحن كفيلون بذلك.
هل يحسب أحد أنّ “حماساً” و”الحزب” متواضعان إلى حدود رفض تسليم السلاح وحسْب؟ بالطبع لا. هما يقولان الآن إنّهما قادران على العودة لقتال العدوّ وهزيمته، والعياذ بالله!
في الظاهر يبدو وضع الحزب المسلَّح أفضل من وضع “حماس”. فهو أمام أحد خيارين:
1- تسليم سلاحه للدولة اللبنانية والجيش، وهو مشارك فيهما بقوّة، فلا خوف عليه من الغدر أو التجاوز.
2- رفض تسليم السلاح خارج جنوب الليطاني فتفتك به إسرائيل فتكاً ذريعاً، ويتضرّر كلّ اللبنانيّين وبخاصّةٍ الشيعة.
الهروب إلى سياسات الاحتيال
أمّا “الحزب” فيحاول الهروب من هذين الخيارين إلى سياسات واحتيالات، ولا نقول خياراً ثالثاً أو خيارات. هو في الواقع لا يستطيع تسليم سلاحه حتّى لو أراد لأنّ إيران ما تزال تعتبر هذه الذراع ضروريّةً لها في الصراع على النوويّ. ولا يستطيع التسليم بنزع سلاحه من أجل الرأي العامّ الشيعيّ الذي تسيطر على عوامّه نزعة انتحاريّة تربط مصير الطائفة والتشيّع بالسلاح!
لذلك يلجأ إلى البهورة على رئيس الحكومة (وحتّى الرئيس نبيه برّي!) وإلى الملاينة مع رئيس الجمهوريّة الذي يسير في ذلك بحجّة الحفاظ على السلم الأهليّ! قال الرئيس ذلك للجهات الدوليّة: لا نستطيع نزع السلاح بالقوّة لتجنّب النزاع الداخلي، ثمّ إنّ الجيش لا يمتلك القدرات ولا السلاح الضروريَّين لذلك. أغضب ذلك الأميركيّين والجهات الدوليّة، لكنّهم اختبروه بالموافقة على مئتَي مليون دولار للجيش وقوى الأمن. وتقدّم القطريّون للمساعدة أيضاً. كلّ هذا مؤقّت ورهن بشهورٍ قليلة. يبلغ من الاعتماد على الوهم اعتقاد بعض مسؤولي الحزب المسلَّح أنّ إدارة دونالد ترامب ربّما تحاول التواصل معه مباشرةً بعد أن أدركت ضعف الدولة اللبنانيّة!
أمام “الحزب” والدولة اللبنانيّة مهلة بضعة أشهر قد لا تتجاوز الربيع، وإذا طالت جدّاً فلن تتجاوز الانتخابات.
أمّا “حماس” فلا تمتلك هذه الميزة ولو من بعيد. هي وإسرائيل تسيران من يومٍ إلى يوم. عندما ينتهي تبادل الأسرى يعود التماحُك: إسرائيل لن تنسحب من أكثر القطاع حتّى تتسلّم الإدارة الجديدة. وهذا يستغرق مدّة يُخشى أن تعود فيها الاشتباكات لأنّ “حماساً” ظهرت على الأرض من جديد، ولأنّ الفرق العسكريّة الأربع والطائرات والمسيّرات من جانب إسرائيل كلّها ما تزال حاضرة.
النّزاع بين “حماس” والإدارة الجديدة
المحنة الآن أنّ إسرائيل تأمل أن يكون النزاع بين “حماس” والإدارة الجديدة العربيّة والدوليّة، التي يريدها ترامب أن تكون مسؤولة عن أمن إسرائيل لجهة غزّة، لأنّه لا يريد أن يعود الاشتباك بين الطرفين، وهو الذي يعتقد أنّه خلّص غزّة والعالم منه!
لذلك سيقول الإسرائيليون لترامب وللإدارة الجديدة: لن ننسحب حتّى تخرج “حماس” من غزّة ويُنزع سلاحها. وبالطبع “حماس” مثل “الحزب” وقّعت على كلّ شيء من أجل وقف النار. ثمّ تريد الآن الاحتفاظ بعواطف الفلسطينيّين والشارع العربي والإسلامي من طريق رفض نزع السلاح والاستعداد للعودة للقتال تماماً وبوقاحة العيون المحملقة، التي تنظر بها إلينا سائر الميليشيات.
لدى “حماس” الآن تحدّيات إسرائيل وأميركا والإدارة الجديدة. وهذه الجهات كلّها مستعجلة على “حماس” بالذات، وإلّا فكيف تطمئنّ الجهات الإنسانية والإعمارية إلى ثبات وقف النار لتبدأ بأعمال الإصلاح والترميم وإعادة المرافق للعمل وإصلاح المستشفيات والمدارس والأسواق…
أخيراً هناك فريق، وإن لم يكن كبيراً، يحمل منطق التعويض. من ضمنه المحادثات بين “حماس” والسلطة الفلسطينية على الوحدة الوطنيّة الأسطوريّة. هل يبقى الحماسيّون في الإدارات المدنيّة في غزّة؟ كيف سيجري التعامل مع ضرورة اعتراف “حماس” بإسرائيل لكي تتاح لها المشاركة في الانتخابات؟
قبل الانصراف إلى نهاياتٍ أخرى: الحزب المسلّح و”حماس” كلاهما في السنوات الأخيرة على الأقلّ مرتبط بإيران. لكن في حين تظلّ عقائديّة “حماس” بمنزلة الحافظة لها، فإنّ عقائديّة “الحزب” أكثر هشاشةً وأكثر ارتباطاً بإيران وقدراتها المادّية. ليس لدى “الحزب” غير إيران.
أمّا “حماس” فلديها الجمهور الفلسطينيّ ولديها تركيا… ولديها قطر. ولا شكّ أنّ الذين اجتمعوا بها في شرم الشيخ وبينهم الأميركيّون عرضوا عليها أشياء في مقابل الاستسلام.
احتضان مشروع غزّة
تعهّد العرب جميعاً ومعهم جهات دوليّة باحتضان غزّة ومشروع الدولة. وهؤلاء لا يستطيعون التخلّي، وفي الوقت نفسِه لا يستطيعون الصبر على “حماس”. أمّا “الحزب” فهو في دولة لكنّ ولاءه لدولة أُخرى. “حماس” ليس عندها أكثر من شهر، وأمّا “الحزب” فلديه عدّة أشهر، وإنّما لدى إسرائيل إمكانيّة لمهاجمته في حين يصعب الأمر في غزّة حيث يحضر العالم كلّه.
منطق الدولة الانفراد بالسلطة. أمّا منطق الميليشيا فمعاداة دولة الانفراد. يقتضي الحسم المغامرة فبدونه لا تبقى الدول، وهذا يعرفه أبو مازن ويعرفه الرئيس اللبنانيّ.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|