الصحافة

ترامب إلى الأبد فماذا عن أبناء البلد؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

حقّق الرئيس الأميركي دونالد ترامب في جولته القصيرة أمس على الكنيست الإسرائيلي وشرم الشيخ المصريّة، أكثر ممّا انتظر. فهو لن يجدَ في أي مكانٍ في العالم، مثلَ هذا التصفيق والمديح اللذَين يُذكّرانِ بتصفيق مجلس الشعب السوريّ مثلاً في عهدَي الرئيسين حافظ وبشّار الأسد أو الرئيس صدّام حسين وغيرهم، أو بتصفيق شعوب عربيّة أخرى حين تلتقي بالقائد المُفدّى في عصر الخطابات الحماسيّة الشعبويّة التي لم تؤد سوى إلى الهزائم تلو الهزائم. وقد انتشى ترامب بكلّ هذا المشهد السوريالي الذي عوّض له قليلاً عن خسارة جائزة نوبل للسلام.

الواقع أنّه ما كان لهذا المشهد أن يتحقّق، ولا للحرب أن تتوقّف لولا العوامل التاليّة:

أولاً، تقهقر صورة إسرائيل إلى أدنى مستوياتها في العالم، بحيث أظهرت استطلاعات الرأي (رويترز، ايبسوس، بيو وغيرها) أن ما بين ٦٠ و٧٠ ٪ من المُستطلَعين في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، يعبّرون عن آراء سلبيّة حيال إسرائيل، ويؤيدون إقامة دولةٍ فلسطينيّة. وكان لافتًا أن نحو ٤٠ ٪ من يهود أميركا نفسها باتوا معارضين لسياسة نتنياهو وبطشه الأعمى. وهذا يعني أنَّ الخطر الوجودي بات مُحدِقًا بمستقبل إسرائيل نفسِها وأنّها صارت عبئًا على حلفائها.
ثانيًّا، تبيّن للعالم أجمع وفي مقدمه الدول الغربيّة، أنَّ حرب العامين، ورغم كلّ ما شهدته من فصول الإبادة والقتل الجماعي والتدمير والتجويع والأمراض، فقدت مُبرّراتِها وصارت بلا جدوى، حيث أنّها لم تؤدِ، رغم كلّ آلة الحرب، ورغم كلّ أساليب التجسس الدقيقة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إلى الإفراج بالقوة عن المحتجزين الإسرائيليين، ولا أفقدت الفصائل نهائيًا القدرة على المقاومة، ولا أدّت الى تظاهرات عارمة ضد الفصائل.
ثالثًا، أثمرت الجهود العربيّة والإسلامية المدعومة من قبل دول أوروبيّة وفي طليعتها فرنسا وإسبانيا، وبعد التحولات الكُبرى في الرأي العام العالميّ، ضغوطًا فعليّة على إدارة ترامب، خصوصًا بعد النجاح الكبير الذي حقّقه مؤتمر حلّ الدولتين في نيويورك، وهذا الاحتضان العالمي الكبير لفكرة إقامة دولة فلسطينيّة. ولا شكّ أن دولاً مثل مصر والسعوديّة وقطر وتركيا وغيرها ستكون أمام مسؤولياتٍ أكبر في المرحلة المُقبلة لاستكمال ما بدأ والتأسيس عليه.
رابعًا، شكّل تحرّك عائلات المحتجزين الإسرائيليين المدعومة من قبل تيارات معارضة، وتحرّك ضباط وجنود احتياط، ودبلوماسيّين إسرائيليين سابقين، في رفع مستوى الضغط الداخلي على نتنياهو الذي صار في عيون الكثير من مواطنيه خطرًا على المحتجزين وعلى مستقبل إسرائيل لمصالحه الشخصيّة، ومنعًا لمحاكمته التي سترميه حتمًا في السجن بعد هدوء المعارك.
نظرًا لكلّ هذا ولاقتراب الانتخابات التشريعيّة في الولايات المتحدة، اتخذ الرئيس ترامب قرار وقف الحرب، وفرضه فرضًا على نتنياهو. هذا ممتاز كي يتنفس أهلُّ غزّة، ويحصلوا على الغذاء والدواء، ويدفنوا شهداءهم، لكنْ هل كلُّ الكلام الكبير حول السلام واللحظة التاريخية والصفحة الجديدة في الشرق الأوسط واقعي؟

من الصعب الاقتناع بذلك، إذا ما قيس بتجارب الماضي، فإسرائيل وعلى مختلف أنواع حكوماتها، افشلت كلَّ المساعي العربيّة للسلام. ومنذ مؤتمر مدريد مرورًا بأوسلو والقمّة العربيّة في بيروت عام ٢٠٠٢، وصولاً إلى الاتفاقات الإبراهيميّة، لم تقدّم إسرائيل أيَّ شيء للسلام، بل استمرت بقضم الأرض وقتل البشر وتعزيز سرطان المستوطنات وزجّ آلاف الفلسطينييّن في المعتقلات.

وإذا كان ليس مُستبعدًا أن يخترع نتنياهو أيَّ سببٍ لاستئناف الحرب ضدّ غزة، أو لتفجيرها مُجدَّدًا ضدَّ لُبنان وإيران، فإنَّ المطلوب عربيًّا انتهاز هذه اللحظة العاطفية الكُبرى من التضامن مع فلسطين، ومن الجنوح ولو الطفيف عند ترامب صوب تحقيق السلام، والعمل على توسيع قاعدة الضغوط لتشمل ليس فقط الدول الأوروبيّة بل الصين وروسيا أيضًا، بغية الضغط على إسرائيل لتغيير نهجها كي لا تخسر كلّ مصالحها، وإقناع إدارة ترامب بأنّ الفرصة مؤاتيه لقيام دولة فلسطينيّة ولو منزوعة السلاح والكثير من الصلاحيات في الوقت الراهن، وكذلك اقناع الجانب الفلسطينيّ بضرورة تشكيل قيادة فلسطينيّة جديدة وموحَّدة تقود غزّة والضفّة، بما يحافظ على مصالح الشعب الفلسطينيّ ويخاطب الرأي العام العالمي بلغة جديدة، بدلاً من الاقتتال الغبيّ بين الفلسطينيّين الذي فرش السجّاد الأحمر للاحتلال.  

غير ذلك، سيبقى مجرّد مهرجان خطابيّ، كان بطله الوحيد دونالد ترامب الذي قد يغيّر رأيه في أي لحظة.

سامي كليب - الوكالة العربية الافريقية

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا