بخلاف "شبح القسام".. هل تنصب حماس توفيق أبو نعيم خليفة للسنوار في غزة؟
هدف روسي في المرمى الغربي ... الشرع لموسكو: نريد قمحاً وسلاحاً
تركت زيارة الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، إلى موسكو أثراً إيجابياً لدى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ولدى المسؤولين الروس، إذ إن روسيا التي تسعى إلى ضمان بقاء قواتها في قاعدتَي طرطوس وحميميم، وإلى استعادة نفوذها في سوريا بعد أن خسرته عشية سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، نجحت في عقد تفاهم مع الشرع يضمن لها الحفاظ على وجودها الاستراتيجي على البحر السوري، وتأمين خطوط النقل الخاصة بها إلى أفريقيا، وتمتين علاقاتها مع الإدارة السورية الجديدة، بعد أن كانت - بالنسبة إلى المعارضة السابقة - عدوّة بالأمس.
ويعتقد أكثر من مصدر روسي مطّلع على نتيجة الزيارة، بأن روسيا تعتبر ما حصل أول من أمس إنجازاً في تجاوز المرحلة الماضية بين موسكو ودمشق، وعودة روسيّة إلى لعب دور في المنطقة، بعدما ظنّ الأوروبيون والأميركيون أن سقوط النظام السابق قد حقّق هدفهم بإبعاد روسيا عن سوريا ومحيطها. وتشير مصادر دبلوماسية روسية إلى أن «قصّة النجاح الروسي تأتي في وقت يحاول فيه الغرب عزل روسيا عن الشرق الأوسط وأفريقيا والملفات الدولية، وما حصل مع سوريا يثبت أن كل هذه المحاولات لا يمكن أن تنجح في إخراج روسيا من علاقاتها التاريخية».
وتضيف المصادر أن «روسيا حصلت على موقف رسمي من الشرع حول وجود قواعدها في سوريا، وفي مقابل ذلك طلب الشرع استمرار الدعم الروسي الذي كان قائماً للنظام السابق، ومساعدات بالنفط والقمح والسلاح ولعب دور مع إسرائيل لوقف هجماتها على سوريا». وتكشف المصادر أن «الشرع أبلغ موسكو صراحة أنه لا يملك الأموال، وأنه يحتاج إلى المساعدات والدور الاقتصادي والاستثماري الروسي»، مشيرةً إلى أن «موسكو لم تتخلَّ يوماً عن الشعب السوري».
وبحسب المعلومات، فإن الشرع وعد روسيا بأفضل العلاقات معها، وطلب مساعدات منها في مختلف القطاعات، ولا سيّما تأمين شحنات من النفط الروسي لتأمين احتياجات السوق السورية، بالإضافة إلى إمداده بالقمح بشكل مستمر، في ظلّ الفارق الكبير بين حاجة سوريا السنوية وبين امتلاكها أقل من ربع الكمية فقط عبر الإنتاج المحلي، وتعذّر عمليات الشراء من أماكن أخرى في العالم، وشحّ الموارد المالية لدى الحكومة الانتقالية.
كذلك، قالت مصادر روسية أخرى إن «الشرع يطمح إلى الحصول على مساعدات عسكرية أيضاً، وقطع الغيار والصيانة، وهذا الأمر نوقش خلال اجتماعات عسكرية مشتركة بين وزارتَي الدفاع في البلدين بهدف التعاون العسكري، والأمور تسير بشكل جيد». وأضافت المصادر أن «المسائل الأمنية ومسائل حماية الأقليات والحفاظ على وحدة الأراضي السورية كان لها نصيبها من النقاشات، وأن الرئيس السوري الجديد وعد بمعالجة كل الأمور التي تهمّ روسيا، وأن ملفّ المقاتلين الأجانب في قوات الشرع يحتاج إلى بعض وقت للمعالجة لكنّ هناك تفاهماً مشتركاً بين الجانبين».
وحول ملف الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا واحتلال جزء من الأراضي السورية، أفادت المصادر بأن «الشرع طلب من روسيا لعب دورٍ مباشر مع الإسرائيليين لثنيهم عن التوغل داخل الأراضي السورية ونشر دوريات في الجنوب السوري كما كان الحال في السنوات السابقة»، كما طلب «دعم روسيا في مجلس الأمن والأمم المتحدة».
على أن هذه الصورة الوردية للعلاقة بين روسيا وسوريا الجديدة، لا تطمس الكثير من الاعتبارات والصعوبات التي تعقّد المشهد، خصوصاً مع تصاعد الحرب الغربية ـ الروسية على الأرض الأوكرانية، وفي مختلف الساحات الأخرى التي لموسكو تواجد فيها قرب حدودها أو في أعماق أفريقيا، وهشاشة النظام السوري الجديد وظروف رئيسه أحمد الشرع، الذي قدّم لوائح تعهّدات، لكثير من الدول قبل روسيا، وسيستمر في ذلك مع دول أخرى... إلى حين.
في الأصل، فإن الدعم البريطاني والألماني والأميركي للشرع، مردّه إلى رغبة القوى الغربية في ضرب النفوذ الروسي في سوريا، وإخراج روسيا من هذا البلد تمهيداً لعزلها وعزل قواتها في ليبيا وأفريقيا، وهو ما أعلنته بصراحة وزيرة الخارجية الألمانية السابقة، أنالينا بيربوك، بعد زيارتها دمشق بداية العام الحالي. ويضع الوجود الروسي في ليبيا، الأوروبيين في حالة قلق، خصوصاً مع تزايد التوترات الناجمة عن الاتهامات الأوروبية لموسكو بالانتهاكات الجوية للمجال الأوروبي وشنّ الهجمات الأمنية ضد أوروبا، ولدور البنية التحتية الروسية في ليبيا كخلفية لوجستية للفيلق الروسي الأفريقي.
في المقابل، أكّد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قبل يوم من زيارة الشرع إلى موسكو، أن هدف روسيا هو الحفاظ على قواعدها في سوريا، واستخدامها لتوزيع المساعدات على الأراضي السورية، ونقلها أيضاً إلى أفريقيا. وإذ تعتمد روسيا على سوريا كنقطة وسطية أساسية لتزويد قواتها وحلفائها في القارة السمراء بالدعم اللازم، فهي كانت قد خفّفت من وجودها العسكري في سوريا في الأشهر التي تلت سقوط النظام السابق. إلّا أنها عادت في الأشهر الماضية إلى تعزيز مواقعها في الساحل وكذلك في القامشلي، حيث تملك وجوداً متقطّعاً منذ دخولها إلى سوريا في عام 2015.
وفي حين تبدو روسيا الكاسب الأكبر من زيارة الشرع، يظهر أن ارتدادات هذه الخطوة بدأت تنعكس سلباً على الرئيس الانتقالي بشكل عاجل. فأوّل المعترضين على «نَعَمَات» الشرع لموسكو، هو النائب في الكونغرس الأميركي، جو ويلسون، الذي يُعدّ الداعم الأول في الإدارة الأميركية للإدارة الجديدة، وعلاقته قديمة مع المعارضة السورية السابقة في واشنطن، ومع اللوبي المؤيّد للشرع في الولايات المتحدة.
والواقع أن خطوة الشرع جاءت في وقت حسّاس للغاية، خصوصاً أن النسخة المخفّفة من اقتراح إزالة قانون «قيصر»، لا تزال تتطلّب نقاشاً بين مجلس الشيوخ الأميركي (الذي وافق عليه)، ومجلس النواب الذي يحتاج القانون إلى موافقته وموافقة الرئيس دونالد ترامب لكي يدخل حيّز التنفيذ. وكان من المُفترض بويلسون، الذي بذل جهوداً كبيرة لمساعدة الشرع على رفع العقوبات الأميركية، أن يبذل جهوداً أخرى لإقناع زملائه في المجلس النيابي من الآن وحتى رأس السنة، لكي يضمن نجاح تمرير المشروع، إلّا أنه بدل ذلك، كتب عشيّة زيارة الشرع على حسابه على موقع أكس: «جميع الجهود يجب أن تبذل لإزالة قواعد مجرم الحرب بوتين من سوريا».
وعدا الاعتراضات الخارجية، ترتفع أصوات داخلية مؤيّدة للشرع باعتراض كبير على الزيارة، ولا سيّما مع ازدياد الشكوك لدى العديد من الفصائل السابقة، التي باتت جزءاً من القوات الحكومية، بأن الشرع انقلب على كل شيء، وبات يعقد الاتفاقات مع التحالف الدولي ومع روسيا للتخلّص من منافسيه، ومن الفصائل التي يريد الخارج استبعادها لصالح قوات تابعة له بالكامل.
يبقى أن دعم روسيا للشرع لن يكون سهلاً، بعد أن ضمنت بقاء قواعدها في سوريا وحصلت على التنازلات المطلوبة من الشرع. فموسكو لن تستطيع مدّ الأخير بالسلاح من دون دفع ثمنه، حتى وإن غضّت النظر عن إمكانية وصول هذا السلاح إلى أيدي أعدائها من التنظيمات الجهادية المتعاونة مع أوكرانيا. كما أن موسكو تحتاج إلى أموال بدل موارد النفط والقمح التي ستقدّمها، في ظل الحصار الغربي عليها، وهي تطمح إلى أن تغطي الدول الخليجية هذه الفواتير. أمّا في ما يخصّ روسيا وإسرائيل، فإن أزمة الشرع مع الثانية، أعمق من أن تعالجها الأولى التي لا تزال تتهيّب إثارة غضب تل أبيب، خشية اندفاع الأخيرة إلى مضاعفة مدّ كييف بالسلاح.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|