مع تحركه لنزع سلاح حزب الله.. ماذا يحتاج الجيش اللبناني لبسط سلطة الدولة؟
كواليس لقاء الشرع ــ بوتين في موسكو
على الرغم من إعلان الكرملين، يوم 9تشرين أول الجاري، عن تأجيل انعقاد القمة الروسية العربية، التي كان من المقرر لها أن تنعقد بموسكو منتصف الشهر الجاري، إلى موعد لاحق يجري تحديده فيما بعد، وهي القمة التي كان من المنتظر لها أن تشهد لقاء الرئيسين السوري والروسي على هامشها، فإن ذلك لم يحل دون حدوث هذا اللقاء الأخير في موعده المحدد، ولعله كان في موجباته الكثير مما لا يحتمل التأجيل، فالعديد من الملفات المتراكمة بين الطرفين سوف تحتاج الى المزيد من الوقت قبيل أن تنضج توافقاتها النهائية، لكن «اللقاء» سيفضي، من دون شك، إلى تقليص الوقت اللازم للوصول إلى تلك التوافقات.
وقد ذكرت وكالة «رويترز» في تقرير سابق لها أن «الرئيس السوري سوف يطالب رسميا بتسليم رئيس النظام السابق بشار الأسد، اللاجئ في موسكو، لمحاكمته بتهم تتعلق بارتكاب جرائم ضد السوريين»، وأضافت الوكالة في تقريرها أن الشرع «سيجري أيضا مباحثات حول وجود القاعدتين الروسيتين في سوريا»، كما ستتضمن المباحثات عددا من الأمور الأخرى مثل «التعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين»، ومن المؤكد أن تلك الملفات شديدة الترابط، بمعنى أن التوصل إلى حلول توافقية في أحدها سوف ينعكس على الباقي منها، والعكس صحيح، لكن ذلك لا يعني يعني تماما أن التعثر المفترض في ملف ما سوف يعني الوصول إلى نتائج «صفرية»، فالطرفان اليوم لهما مصلحة مشتركة في فتح صفحة جديدة من شأنها أن تحقق لكليهما مصالحه المرجوة منها.
ومن المؤكد أن القيادة السورية تولي الملف الأول، المتضمن تسليم الرئيس السابق، اهتماما خاصا لاعتبارات تتعلق باستقرارها أولا، ثم تتعلق بإنجاز خطوة هامة على طريق «العدالة الانتقالية» الذي اعتمدته تلك القيادة كحجر أساس لا بديل من البناء عليه في مسيرتها الرامية لتحقيق الاستقرار في البلاد، وعشية الزيارة كان الشرع قد تحدث لقناة «سي بي إس» الأميركية مؤكدا على إن بلاده «ستستخدم كل الوسائل القانونية المتاحة لمحاسبة رئيس النظام السابق، دون الدخول في صراع مكلف مع روسيا»، وقد اشارت تلك العبارة الأخيرة، إلى أن الشرع سيكتفي بتسجيل طلبه ذاك في أول لقاء له مع نظيره الروسي، قياسا للمواقف التي أبدتها موسكو حيال هذا الموضوع على امتداد الأشهر العشرة المنصرمة، ففي أول لقاء لمسؤول روسي مع الشرع، يوم 28 كانون ثاني الفائت، كان رد ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي، على ذلك الطلب بالقول «من المستحيل إجراء محاكمة عادلة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها سوريا الآن»، وفيما بعد أبدى الرئيس الروسي تشددا أكبر حيال ذلك الأمر حين قال في تصريح «لن أسلم الأسد، أعطيت كلمتي، وهذا مرتبط بكلمتي لا بالأسد»، وفي الملف الثاني، مصير قاعدتي «حميميم» و«طرطوس» ذكرت تسريبات لمصادر مقربة من السلطة في دمشق تشير إلى إن «موسكو راغبة في الإبقاء على قاعدة طرطوس مع تغيير دورها إلى ( إنساني)»، أما المطروح بالنسبة لقاعدة «حميميم»، وفقا لتلك التسريبات، فهو «إدارة مشتركة مع إمكان تقليص عديد القوات الروسية» في القاعدة المذكورة، وفي الملف الثالث، التعاون الاقتصادي والعسكري، تضيف التسريبات أن هذا الأخير هو الأهم بالنسبة لدمشق التي ترغب في استئناف تصدير السلاح الروسي إليها، وهذا «ما لا تعترض عليه تل أبيب»، بعكس المواقف التي تتخذها هذه الأخيرة حيال تزويد الجيش السوري بأسلحة تركية، ولعل تفسير ذلك يعود لمعطيات عديدة أبرزها أن السلاح، أي سلاح، كثيرا ما تكون له حمولاته التي يتركها على الجيوش التي تتسلح به، ووفقا لذلك فإن تل أبيب لا تريد للسلاح التركي أن يحظى بتلك «الميزة» داخل سوريا الجديدة التي تريد لها أن تكون بدرجة ترقى فوق مستوى «الجار الجغرافي فحسب».
من المؤكد أن طريق المحادثات الروسية - السورية لم يكن «سلسا»، إذ لطالما كانت هناك العديد من «الألغام» التي تجعله على النقيض من ذلك، لكن احتياجات الطرفين، كل منهما للآخر، كان كما «كاسحة الألغام» القادرة على تأمين ذلك الطريق، فموسكو «المسكونة» بحلم الوصول إلى المياه الدافئة سعت للبقاء على الشواطئ التي وصلتها قبل نحو عقد، وإذا ما كان ذلك يمثل فعلا نقيضا لرغبة العديد من القوى الغربية، فإنها كانت على استعداد لدفع أثمانه، أقله بالحدود غير المكلفة في الميزان الاستراتيجي، أما دمشق، المثقلة بخيارها الغربي منذ 8 كانون الاول الفائت، فهي سعت، عبر القبول بـ«أنصاف الحلول»، إلى تحقيق توازن إقليمي - دولي عبر إحياء العلاقة القديمة مع موسكو، وإن بصيغ ومعادلات مختلفة تتمشى مع خيارات سوريا الجديدة، وهذا يبين بوضوح من خلال تصريح الشرع الذي قاله في أعقاب لقائه بنظيره الروسي بالكرملين يوم أمس الأربعاء حين قال إن «بلاده تحترم الاتفاقات السابقة مع روسيا»، مشيرا إلى «العلاقات التاريخية التي تربط بين سوريا وروسيا»، والجدير ذكره في هذا السياق إن الاتفاقات السورية الروسية كانت قد بدأت العام 1971، وتضمنت إقامة منشآت بحرية، ووضع نقطة دعم لوجستية للبحرية الروسية في ميناء طرطوس، وما بين العامين 2010 - 2012 جرى تحديث تلك النقطة لكي تتمكن من استقبال السفن الثقيلة، وبعدها بنحو عام تم إنشاء تشكيل عملياتي دائم للبحرية الروسية في البحر المتوسط، وفي 26 آب 2015 وقعت دمشق وموسكو اتفاقية غير محدودة بشأن وجود طائرات روسية في مطار «حميميم»، التي ستصبح منصة رئيسية لعملية «عاصفة السوخوي» التي انطلقت بعد أربعة أيام من توقيع تلك الاتفاقية، كما يذكر أن تلك الاتفاقات تمنح الطرف الروسي حصانة للأفراد وحصانة للموقع على حد سواء.
رمت زيارة الشرع إلى تفعيل الدور الروسي في سوريا بدءا من الساحل ووصولا إلى الجنوب والشمال الشرقي من البلاد، في محاولة لتعديل ميزان القوى القائم في سوريا، والذي يميل، منذ 8 كانون أول الفائت، لمصالح الغرب بشكل صارخ.
عبد المنعم علي عيسى-الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|