مَن يسقط قبل الآخر؟
من يسقط قبل الآخر؟ هل يكون المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي آخر شيخ معمّم على رأس هرم السلطة في طهران؟ وهل يغادر هذه الحياة قبل إطاحته من قِبل الإيرانيين التواقين إلى الحرّية أم يشهد نهاية الجمهورية الإسلامية بانفجار شعبي استحال شبه محتم؟ وماذا عن الرئيس الفنزويلي غير الشرعي نيكولاس مادورو؟ الزعيم التشافيزي، وتاجر المخدّرات، وفق اتهامات واشنطن، امتهن ونظامه تزوير الانتخابات وتفصيل نتائج على مقاساتهما "الإشتراكية البوليفارية"، ولا سيّما انتخابات 2024 الرئاسية التي شهدت انقلابًا دنيئًا على الشرعية الشعبية والانتقال الديمقراطي للسلطة. الزعيمان متهيّبان من ثورة تطيحهما ونظاميهما، ويبدو أن "التحوّلات الخريفية" العاصفة حولهما وبهما، تقتادهما إلى الانحدار نحو "غياهب التاريخ".
خامنئي الساعي مع "مجلس خبراء القيادة" إلى تأمين خليفة "مستحق" له، يرفض تقديم تنازلات مطلوبة لتخفيف وطأة العقوبات الغربية على الجمهورية الإسلامية، وما زال يأبى التفاوض مع واشنطن بعد "حرب الأيام الـ 12" التي هشمت صورة نظامه وبرنامجَيه النووي والصاروخي، علمًا أن احتمالات تجدّد الحرب مع إسرائيل مرتفعة، فيما يجلس مادورو داخل "قصر ميرافلوريس" المغتصب ويتسلّط على بلاده المطوّقة بالعقوبات الغربية وبأصول بحرية وجوّية ضخمة للقيادة الجنوبية الأميركية، وعلى رأسه مكافأة أميركية قدرها 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدّي إلى القبض عليه. الرجلان في موقع سيّئ لا يُحسدان عليه. أرادا كسر "الإمبريالية الأميركية" في محيطيهما الإقليميين، فجوّعا شعبيهما وصدّعا نظاميهما وأصبحا يقفان على حافة الهاوية السياسية مع تنامي النقمة الشعبية ضدّ سياستيهما الكارثيتين في بلديهما.
النظامان في إيران وفنزويلا يرتكزان على أيديولوجيّتين مختلفتين جوهريًا، لكنهما يلتقيان على نقطة نهائية مشتركة، ألا وهي "الفشل الذريع" في إدارة دولتيهما. العقيدتان العاجزتان لم تستطيعا مواكبة العصر الحالي ولم تعودا تستوفيان الشروط اللازمة لمواجهة التحدّيات المطروحة على أكثر من صعيد، داخليًا وخارجيًا. وتاليًا، صلاحية خدمتيهما انتهت، وهما انطلقتا أصلًا منتهيتي الصلاحية، غير أنهما انبثقتا من جوّ عام فرض نفسه آنذاك في البلدين. النظامان يعتبران بحكم الساقطين، بيد أن ترجمة هذا السقوط عمليًا على الأرض قد يأخذ بعض الوقت، خصوصًا إذا لم يتوفر بديل جدّي قادر على استلام زمام السلطة متى دقّت "ساعة الصفر".
هنا بالذات يكمن الفرق بين الحالتين الإيرانية والفنزويلية، فبينما تفتقد المعارضة الإيرانية المنقسمة حتى اللحظة، لقيادة موحّدة وقويّة، تتمتع المعارضة الفنزويلية بقيادة صلبة وحكيمة، ولو أنها مضطهدة ومشتتة، على رأسها "أيقونتها" ماريا كورينا ماتشادو، الفائزة بجائزة "نوبل للسلام" للعام 2025. لنظامَي الملالي والتشافيزي شارعاهما المؤمنان بقضيّتيهما، إلّا أن الرأي العام المحلّي لم يعد في يديهما، ولم تعد البروباغندا التافهة والقذرة التي يمتهنانها تسعفهما إطلاقًا، بل بالعكس تمامًا. ليس جليًا بعد مدى حجم الشارع المعارض للملالي في إيران، علمًا أنه هائل، ولا سيّما في أوساط الإيرانيات المنتفضات على واقعهن المرير واللواتي يتحدّين النظام وقوانينه البالية وقواعد لباسه الإسلامية بجرأة قلّ نظيرها، منذ تفجّر ثورة "امرأة، حياة، حرّية" بعد مقتل الشابة الكردية مهسا أميني على يد "شرطة الأخلاق" عام 2022.
يُجمع الخبراء المستقلّون على أن نظام مادورو خسر انتخابات 2024 بشكل مدوّ لا يقبل الشك، ولم يُحافظ على السلطة إلّا بالاحتيال والبلطجة والقمع. حقق مرشح المعارضة إدموندو غونزاليس، المدعوم من ماتشادو التي مُنعت من خوض غمار المعركة الرئاسية خوفًا من نجمها الصاعد، نصرًا كاسحًا على مادورو، الذي لم يتوان عن سرقة الانتخابات بوقاحة موصوفة. الصورة في فنزويلا أكثر من واضحة: نظام "الفاشية الجديدة" مَنع بالتحالف مع "نخبة فاسدة" من كبار ضباط المؤسّسة العسكرية المستفيدة ماديًا من رداءة الحكم وانحطاطه، مرشحًا منتخبًا ديمقراطيًا من تولّي السلطة. صوت الفنزويليين يعلو فوق الطغيان ولا يحتمل التأويل: الديكتاتور مادورو لا يُمثلنا!
بعد إزهاق روح مهسا أميني، لم تعد إيران كما كانت بعد نجاح "الثورة الإسلامية" عام 1979. تغيّرت إيران "من تحت" بشكل واسع وعميق. وهذا التغيير يفرض نفسه اجتماعيًا وثقافيًا في موازين القوى الداخلية وسينعكس سياسيًا، بشكل أو بآخر، على رأس هرم السلطة، عاجلًا أم آجلًا، خصوصًا بعدما مُني مشروع طهران التوسّعي بهزيمة استراتيجية فادحة بفعل تبعات هجوم 7 أكتوبر المزلزلة. يُحشر الملالي في وضعية حرجة على "رقعة الشطرنج"، وسط تضخم قاسٍ جعل قدرة الإيرانيين الشرائية تتآكل وزاد من نقمتهم وغضبهم. وكما يشعر "نظام الإعدامات" في طهران بخطورة الموقف، يُدرك مادورو بأنه أضحى على قاب قوسين أو أدنى من وضعية "كش ملك"، وهو يحاول جاهدًا اجتراح "حلّ سحري" مع إدارة ترامب يقيه عواقب الحشود العسكرية جنوب البحر الكاريبي ونشاط عملاء وكالة الاستخبارات المركزية في الميدان، ويبعد عنه "ذلّ" اعتقاله على يد قوات أميركية خاصة بعملية نوعية خاطفة أو حتى اغتياله.
السنوات في مسيرة الأنظمة المهترئة، كما الأيام المعدودة في حياة الأشخاص المصابين بالسرطان في مراحله الأخيرة. لا أحد يعرف متى يحين موعد انهيارها العظيم. نظاما الملالي والتشافيزي مصابان بالسرطان منذ زمن بعيد وخلاياه القاتلة متفشية بهيكليهما المتصدّعين. إعلان احتضارهما لن يطول كثيرًا، وعندما يحصل ذلك، لن يكون مفاجئًا بطبيعة الحال، بل خاتمة سعيدة طال انتظارها بالنسبة إلى شعوب تريد استعادة كرامتها ونيل حرّيتها من نير الظلم والاستبداد.
جوزيف حبيب - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|