لماذا يرفض حزب الله لقاء برّاك؟
ألم تحلق "المسيرات الاسرائيلية" فوق قصر بعبدا، لتهدد صاحب القصر باقامة حزام من النار حوله، وحمله على الاستسلام، وتسليم مفاتيح الجنوب اللبناني، وحتى مفاتيح بيروت الى بنيامين نتنياهو، تماماً مثلما جرى لأحمد الشرع الذي شرّع أبواب دمشق أمامها، ما دام عرابو السلطة الجديدة يتلاعبون برأس الرجل كيفما شاؤوا؟ لكن رئيس لبنان الذي انتخب برعاية أميركية وسعودية، لم يصل الى القصر لا على عربة أميركية، ولا على عربة سعودية، في دولة لها دستورها ولها مؤسساتها، لا الدولة بالفصائل الوافدة من آسيا الوسطى والقوقاز...
لبنان وحيداً بين النيران. لم يعد جان ـ ايف لودريان يأتينا بديبلوماسية الكهنة، ولا يزيد بن فرحان يأتينا بخيزرانة الآمر الناهي، ولا حتى حسام زكي يأتينا بطربوش عبد الرحمن عزام باشا، أو برقصة هز البطن لعمرو موسى، ليذكّرنا بأن جامعة الدول العربية لا تزال الجثة بساقين خشبيتين!
توم براك، بالرأس الذي يشبه رأس الثعبان، حيناً يأتينا بالويل والثبور، وحيناً بإلحاقنا ببلاد الشام (أي بتورا بورا)، وحينا بمحاولة اقتيادنا حفاة اما الى الهيكل أو الى الجحيم. هل هذه مهمة الوسيط الديبلوماسي أم مهمة حفار القبور؟ غالبية فريق دونالد ترامب من المستثمرين العقاريين. مثلما أراضي الشرق الأوسط حالات عقارية، كذلك سكانه كائنات عقارية .
لا أحد يحاول ولو برؤوس الأصابع، ابعادنا عن أبواب جهنم، حيث وضعنا ابن مدينة زحلة، وهي مدينة ذلك القلب القديم. منذ الآن، باشر الضحايا (ألم يتحول شيعة لبنان الى قرابين "ليهوه"؟) البحث عن أمكنة يأوون اليها. هم يعلمون أن لوردات الطوائف بأدمغة الديناصورات، أوصدوا أبواباً كثيرة أمامهم. الأفضل أن يقضوا تحت أنقاض منازلهم بدل الفرار من الموت كما القطط المذعورة، ودون أن يتوقعوا أن تكون الحلبة الداخلية كما كانت ابان الحرب الأخيرة.
تابعوا الشاشات وكيف تنظر الى "البيئة الحاضنة"، كما لو أنها الوباء البشري الذي لا مناص من اجتثاثه بكل الوسائل، ليبقى لبنان اللبناني لا لبنان الايراني. متى منذ الاستقلال كان لبنان لبنانياً، ولم يكن أهل السياسة يقبعون في سراويل القناصل، الآن ايضاً تحت عباءات نوع آخر من القناصل. اذاً، هذه هي الفرصة الذهبية لاخراج تلك الطائفة من المعادلة اللبنانية، وهي التي لا تزال على هامشها، بوجود من يدعو الى اخراجها حتى من خارطة المنطقة، ما تقتضيه ثقافة القبور في التراث الاسلامي، لتبدأ الخراف الضالة بتعلم لغة الدينكا في جنوب السودان، واللغة الكوشية في الصومال!
أين ايران في هذه الحال؟ ها هي تعود الى الكشف عن أسرارها النووية. لا ندري لماذا قال آية الله خميني لدونالد ترامب، الذي أكد تدمير المفاعلات النووية، "عيشوا هذا الوهم"، أي أن بلاده ما زالت ماضية في برنامجها النووي. أيها السيد رجاء أن تفتي بصناعة القنبلة، فقط ليقف نتننياهو على ساق واحدة، لا نتصور أن الله أمر هابيل بعدم الرد على حجر قايين!
كل الطوائف في لبنان، وكل البلدان العربية تقريباً، ضد بقاء حزب الله، بل وضد بقاء طائفة بعينها في لبنان، ولكن هل تمكنت "اسرائيل"، وبعد عامين من القتال (و200000 من المتفجرات)،ناهيك عن عشرات آلاف القتلى والجرحى، من ترحيل الفلسطينيين، وهم في ذلك العراء الأبوكاليبتي، ما حمل عالم السياسة الفرنسي أوليفييه لوروا أن يتساءل أما من كاتب يرد على دانتي في "الكوميديا الالهية" بـ"التراجيديا الالهية"؟
ليتنا ندرك أن غاية "اسرائيل"، ومنذ أن بدأت تخلط بين "التوراة" والجيوبوليتيكا، ازالة لبنان من الوجود، وهي التي تدرك مدى هشاشة الموزاييك اللبناني، أو ما رأى فيها اسحق شامير "الظاهرة الهجينة"، كما لو أن "اسرائيل" ليست ذلك الركام من الجاليات الوافدة من شتى أصقاع الأرض، ومن شتى ثقافات الأرض. لكننا جميعاً لم نتوقف يوماً عن التأجيج السياسي والتأجيج الطائفي باللغة التي لا تليق بالقردة. أجل أجل لغة القردة...
لنتذكر أن شعار بنيامين نتنياهو "تغيير الشرق الأوسط"، ما يعني أميركياً، المضي في تسويق "صفقة القرن" التي أطلقها دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، بصياغة صهره اليهودي جاريد كوشنر الذي أقنع، ولمصلحة "اسرائيل"، والد زوجته ايفانكا بالدخول الى التاريخ من المنطقة التي ولد فيها التاريخ، والتي قد يموت فيها التاريخ. ألم يكتب ليو شتراوس عن "اليوم الذي يحل فيه الله محل التاريخ في الشرق الأوسط"؟
المشهد اللبناني أكثر تعقيداً بكثير من أن ينظر اليه، أو أن يتم التعامل معه بقرع الطبول. الفرنسيون اقترحوا على واشنطن ترتيب لقاء بين توم براك والحاج محمد رعد، باعتبار أن ذلك هو السبيل العملاني لمعالجة مشكلة سلاح حزب الله. ولكن هل يقبل الحزب بذلك، وهو الذي لا يمكن أن يثق بالأميركيين، الذين يرون فيه "المنظمة الارهابية"، وقد جندوا كل امكاناتهم لملاحقته سياسياً ومالياً، ناهيك عن أن الحرب التي شنت، ولا تزال تشن عليه، حرب أميركية لكي يتمكن ترامب من تحويل الشرق الأوسط الى منتجع استراتيجي بقيادة "حاخام يهودي"...
هذا ما جعل الاعلامي الساخر باسم يوسف يتحدث عن "الحاخام" الذي يرقص الروك ان رول في ذلك الشرق الأوسط، الذي يريد الرئيس الأميركي تحويله الى ملهى ليالي لبارونات المال في العالم، كونه المنطقة التي تستضيف الشمس على مدار العام!
نبيه البرجي - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|