العبسي التقى فرعون: جناح متشدد يتمسك بالسلاح ويعرقل قيام الدولة
انقلبت الآية: سوريا قلقة من لبنان والعبث بأمن الساحل!
لطالما نظر لبنان إلى سوريا نظرة الخوف من السيطرة والضم. لكن اليوم تبدو النظرة معكوسة. سوريا هي التي تنظر إلى لبنان، وتعتبر أن في إمكانه أن يضرب على خواصر رخوة فيها. في ظل نظام الأسد، ومنذ السبعينيات، تغيرت التحالفات بين الأفرقاء اللبنانيين مع سوريا، وعرف آل الأسد كيف يديرون هذه العلاقة للاحتفاظ بنفوذ واسع وتأثير. ولم يكن مشروع البعث الأسدي مقتصراً على التأثير في الملف اللبناني فحسب، بل يشمل فلسطين والأردن. وعلى الرغم من تبدل التحالفات، فإن الإجماع اللبناني كان قائماً حول التوجس من مشروع دمشق في لبنان، وإن تحالف معها بعض الأفرقاء للاستقواء بها في مواجهة الآخرين. فالخوف كان جماعياً. أما اليوم فالصورة مختلفة. ولا ينظر اللبنانيون بكليتهم إلى خوف حقيقي من أي مشروع سوري. ومكمن الخوف له حسابات مختلفة تتسم بهوية النظام الجديد، أو طائفته، وهنا يستنهض اللبنانيون خوف "الأقليات".
لعبة التخويف.. قديمة
مع سقوط نظام بشار الأسد، كان حزب الله هو الأكثر تخوفاً من تداعيات ذلك ليس على المتغيرات في سوريا وانعكاسها على لبنان فقط، بل انطلاقاً من صورته لمتغيرات المنطقة ككل. فقد لعب حزب الله كثيراً لعبة التخويف من وصول أحمد الشرع إلى السلطة في دمشق، مع استعادة كل محطات الصراع والقتال بين الطرفين، إضافة إلى التخويف من وصول الإسلاميين إلى السلطة واحتمال تمددهم نحو لبنان، تماماً كالخطاب الذي سوَّقه الحزب مع اندلاع الثورة السورية. لكن الفارق أن هذا الخطاب لم يلق تجاوباً لبنانياً من جماعات كثيرة على اختلاف تنوعها. حتى المواقف الرسمية السورية كانت متقدمة جداً تجاه لبنان، وجاءت على لسان أحمد الشرع حين شدد على علاقات ندّية من دولة إلى دولة، وحين قال بوضوح إن سوريا لن تسمح بأن يراهن عليها أحد للاستقواء على الآخر في بلده. كما أشار بوضوح إلى التخلي عن الثأر أو الانتقام من حزب الله، وإلى إغلاق صفحة الماضي. وهذا ما فعله أيضاً وزير الخارجية أسعد الشيباني. وتؤشر إلى ذلك الزيارات المتبادلة بين البلدين، بهدف معالجة الملفات العالقة.
صواريخ الحزب لا تصل.. أحياناً
اليوم، ينقسم اللبنانيون في النظرة إلى سوريا. فالغالبية تعتبر أن هناك فرصة لبناء علاقات ندّية، بينما آخرون ينظرون إليها بعين التوجس والخوف. الشروط الدولية المطلوبة من سوريا واضحة، وهي تعمل على تطبيقها والالتزام بها، ولا سيما لجهة مبدئية حصر السلاح بيدها، ضمن إطار عسكري يحظى برضى دولي، ومكافحة الجهاد العابر للحدود، إضافة إلى ضبط حدودها بشكل كامل لمنع تهريب المخدرات أو الأسلحة والصواريخ لحزب الله. حزب الله لا يزال بدوره يحاول تهريب أسلحة من سوريا إلى لبنان، ولا سيما الصواريخ المتوسطة المدى ذات الإصابة الدقيقة. وتنجح دمشق تارة في إفشال هذه المحاولات، فيما ينجح الحزب في المقابل بإدخال هذه الصواريخ.
الشرع والمقايضة: سلاح الحزب مقابل تخفيف الضغوط؟
هذه تبقى ورقة أساسية في مسار العلاقات بين البلدين، وفي علاقة دمشق مع القوى الدولية. ويمكن لسوريا أن تستخدمها متى شاءت في ظل التهديدات الإسرائيلية المتزايدة لوحدتها. فيمكن مثلاً لأحمد الشرع أن يفتح المجال أمام حزب الله لإدخال الصواريخ إلى لبنان وبكثرة، لدفع الإسرائيليين الى التفاوض معه على قطع طريق الإمداد، في مقابل أن تخفف إسرائيل من وطأة شروطها وضغوطها على دمشق. وهذا ما سعت إليه إيران سابقاً من خلال محاولات فتحها لخطوط تواصل مع القيادة السورية الجديدة.
الخارج يستثمر في الداخل
ولكن بعيداً عن ذلك، حتماً لن يكون حزب الله ولا إيران مرتاحين للنظام الجديد. وتعلم دمشق أنها تواجه الكثير من التحديات والملفات، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي الذي يمكن لأي قوة خارجية أن تستثمره في الداخل السوري من خلال تغذية الصراعات ومنع الشرع من تثبيت حكمه وإحكام قبضته على كل الجغرافيا السورية، كما هو الحال بالنسبة إلى السويداء، وشمال شرق سوريا مع قوات سوريا الديمقراطية، وفي الساحل السوري أيضاً.
تفاهمات مع موسكو بعيدة المدى
الخلافات المستمرة بين دمشق وكل من قسد، السويداء، والساحل، يمكنها أن تفسح المجال أمام جهات خارجية عديدة للاستثمار في ذلك. وبالنسبة إلى القيادة السورية، فإن هذه المحاولات حصلت قبل المعارك التي وقعت في الساحل، وتكررت في السويداء، ولا تزال قائمة مع قسد. فزيارة الشرع لروسيا كانت من أجل إبرام تفاهمات بعيدة المدى. فهدفها الأول هو التفاهم مع موسكو على تثبيت الوضع في الساحل مع حفاظ روسيا على مصالحها الاستراتيجية وقواعدها، مقابل أن تكون ضامنةً للعلويين ودمجهم في الدولة الجديدة، وأن لا تتيح لأي من ضباط النظام السابق العمل على التحضير مع ضباط سابقين لا زالوا موجودين في الساحل وجبال العلويين على محاولة الانسلاخ أو الدخول في مواجهات مع السلطة السورية.
مجموعات مسلحة لـ"إقليم الساحل"
جاءت زيارة الشرع لروسيا بعد معلومات كثيرة عن تحضيرات وجولات قام بها ضباط من نظام الأسد، ولا سيما كفاح ملحم وكمال الحسن، لأجل العمل على تشكيل مجموعات مسلحة منظمة في جبال العلويين، والإقدام على خطوة عسكرية تكرس المطالبة بـ"إقليم الساحل" أو إقليم "وسط وغرب سوريا". وتعلم دمشق أيضاً، أن بعض ضباط النظام السابق فتح قنوات تواصل مع قوات سوريا الديمقراطية التي أيضاً استند عليها الشيخ حكمت الهجري في السويداء لتكريس منطق "الأقاليم أو الإدارات الذاتية".
لقاءات في لبنان تثير الهواجس
قبل فترة، شهد لبنان لقاءات عقدت بين شخصيات كانت محسوبة على النظام السابق، وشخصيات كردية من قوات سوريا الديمقراطية، لا سيما أن القياديتين في قسد "إلهام أحمد، وفوزة اليوسف" قد أجرتا زيارة للبنان، عقدتا خلالها لقاءات مع العديد من الشخصيات السورية. كما أن تواصلاً حصل مع شخصيات درزية محسوبة على الشيخ حكمت الهجري. وهذا ما دفع دمشق إلى إبداء التوجس من أي تحرك يتم التحضير له في لبنان أو يتم التنسيق في شأنه على الأراضي اللبنانية.
ماذا عن آلاف الضبط والعناصر؟
في هذا المجال، نظرت دمشق إلى لبنان بوصفه خاصرة رخوة يمكن أن تُستخدم من جهات عديدة لزعزعة الاستقرار فيها، لا سيما أن المسؤولين السوريين أكدوا سابقاً أن هناك آلاف الضباط والعناصر المحسوبين على النظام السابق موجودون في لبنان. وهؤلاء عملوا على تجميع أنفسهم وفكروا مراراً باستغلال أي حدث في داخل سوريا، ولا سيما في حمص أو مناطق الساحل، لأجل التحرك من هنا للضغط أكثر على دمشق. وهذا الملف كان محط اهتمام كبير من جانب المسؤولين السوريين الذين زاروا لبنان مراراً، وطالبوا الدولة بضرورة ضبط الوضع على الأراضي اللبنانية ومنع أي جهات من استغلال الوضع في سوريا أو التدخل فيه. بينما توالت اتهامات سوريا لحزب الله بمحاولة التدخل عبر مجموعات محسوبة عليه في الداخل السوري. إلا أن حزب الله نفى ذلك في شكل رسمي وقال إنه لم يعد لديه أي تحرك أو تدخل على الأراضي السورية، خصوصاً في ظل مواصلة مساعي شخصيات محسوبة على النظام السابق التحرك في الساحل وسعيهم إلى المطالبة بإدارة ذاتية.
من ملف الحدود إلى عقدة الموقوفين
هذه الملفات، حضرت ولا تزال في كل الاجتماعات التي تعقد بين المسؤولين السوريين واللبنانيين، وهي ستكون طبقاً أساسياً على جدول أعمال الزيارة الأكبر التي يقوم بها الوفد الأمني والعسكري السوري، والتي ستخصص للبحث في كيفية التعاون لضبط الحدود في شكل كامل، ومنع تهريب الأسلحة والمخدرات ومنع تهريب البضائع، وصولاً إلى البحث في ترسيم الحدود وإنجازها، إضافة إلى إعادة البحث في آلية الدخول والخروج بين البلدين، ومواصلة البحث في ملف الموقوفين السوريين وإطلاق سراحهم، والمقاربة اللبنانية لهذه العملية لم ترق إلى السوريين. أما إذا أصر لبنان على المطالبة بشخصيات متهمة بجرائم ارتكبت على الأراضي اللبنانية، فإن الجواب السوري واضح وهو أن دمشق حالياً لا تمتلك أي معلومات عن هؤلاء لأن الداتا كلها مع نظام بشار الأسد. وفي حال بقي لبنان مصراً على ذلك، وإعاقة ملف الموقوفين فعندها ستطلب دمشق من لبنان تسليم ضباط محسوبين على نظام الأسد وشاركوا في القتال ضد السوريين.
منير الربيع - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|