تصعيد القوات اللبنانية حول حصر السلاح: جسّ نبض أم كلمة سرّ؟
هل يشكّل موقف "القوات اللبنانية" الأخير من ملف السلاح مجرّد جسّ نبض سياسي أم أنّه كلمة سرّ خارجية تعبّر عن مرحلة جديدة من الضغط الدولي على لبنان؟ أم لعلّه تعبير متناغم مع التصعيد الأميركي الأخير في مقاربة الملف اللبناني؟
هذا السؤال يفرض نفسه بقوة في ضوء الحدة في خطاب القوات إزاء ضرورة نزع سلاح حزب الله و"مصادرته ولو بالقوة إذا اقتضى الأمر". فهل نحن أمام تحوّل نوعي في المقاربة السياسية الداخلية، أم أمام تلاقي لحظة لبنانية مع سياق إقليمي ودولي أكثر تشدداً تجاه الحزب؟
في كلّ الأحوال، ما صدر عن القوّات اللبنانية أخيراً لا يمكن إدراجه في خانة المواقف العادية أو العابرة. فخطاب قيادتها ونوابها بدا أكثر حدّة من المعتاد، وعاكساً نبرة تصعيدية واضحة حيال السلطة وبعض المرجعيات الأمنية والسياسية، في مشهدٍ ليس جديداً على معراب، إذ ليست هذه المرة الأولى التي يخرج فيها الخطاب "القواتي" عن الإطار التقليدي ليُعبّر عن موقفٍ سياسي حادّ يلامس خطوطاً حساسة في التوازنات الداخلية. لكن المهم في هذا التصعيد توقيته مع لحظة إقليمية ودولية حساسة تجاه لبنان.
الدولة والسلاح
ترى "القوات اللبنانية" أنّ المسألة مبدئية لا تخضع للمساومة، إذ لا دولة ما لم تحتكر مؤسساتها الشرعية السلاح.
وتستند في طرحها إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في الخامس من آب الماضي، والذي نصّ بوضوح على نزع السلاح غير الشرعي، معتبرة أنّ تنفيذ هذا القرار واجب وطني وليس خياراً سياسياً.
كما تستعيد القوات اتفاق الطائف الذي أرسى قاعدة احتكار الدولة للسلاح، والقرارات الدولية التي جاءت لاحقاً لتؤكد هذا المبدأ، ولا سيما القرار 1701. وتلفت أيضاً إلى أنّ اتفاق وقف الأعمال العدائية الموقّع في 27 تشرين الثاني 2024، والذي وقّعته الحكومة اللبنانية وفي صلبها حزب الله، تضمّن بنداً واضحاً حول تفكيك البنية العسكرية للحزب.
لذلك، ترى معراب أنّ المرحلة الراهنة هي مرحلة التنفيذ لا النقاش، وأنّ أي تردّد في هذا المسار يعني تراجع الدولة عن التزاماتها الدولية والسيادية.
من وجهة نظر القوات، إنّ ظروف المقاومة انتفت. فحالة المواجهة التي كانت تُستخدم لتبرير استمرار السلاح لم تعد قائمة، إذ لا يمكن لحزب سياسي أن يحتكر قرار الحرب والسلم.
وتعتبر معراب أنّ الواقع الحالي هو نتاج انقلاب على الدولة منذ العام 1991، عندما أطاح النظام السوري بروحية اتفاق الطائف، وأنّ ما يجري اليوم هو تصحيح لذلك الانقلاب لمصلحة الدولة ومؤسساتها.
وتضيف أنّ لا دولة في العالم تسمح بازدواجية القوة، وأنّ حزب الله لم يعد يملك مبرّراً للاستمرار في وضعه الحالي، خصوصاً بعدما تحوّل سلاحه إلى عبء على الدولة وبيئته معاً. وبالتالي من الطبيعي أن تقوم الدولة بذلك وأن تتصرف وأن تنفذ القرار الذي اتخذته. "وإذا الفريق المعني، أي حزب الله، يريد أن يواجه الدولة لمنعها من تنفيذ قرارها، فهذه مشكلته. لا شيء اسمه صدام أو مواجهة، إلا إذا الفريق الذي يحمل السلاح قرر أن يواجه الدولة وأجهزتها إذا أرادت أن تنهي حالة السلاح غير الشرعي وتنفذ قرار سحبه"، كما شددت مصادر معراب.
وتحذّر القوات من أنّ امتناع الدولة عن تنفيذ قراراتها سيعرّض اللبنانيين لحرب جديدة حتمية، لأنّ إسرائيل، بحسب تعبيرها، لن تتردّد في التصرف إذا لم تتصرف الدولة. وتقول معراب بوضوح: "إذا أراد حزب الله أن ينتحر، فعلى الدولة أن تمنعه من جرّ بيئته إلى الانتحار معه".
رئيس الجمهورية: الحوار طريق التنفيذ
على الرغم من هذا التصعيد القواتي، يبقى موقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ثابتاً. النهج الهادئ والمنفتح في مقاربة ملف السلاح لن يتبدل، انطلاقاً من اقتناع ثابت بأنّ حصر السلاح بيد الدولة لا رجوع عنه، لكن تنفيذه لا يمكن أن يتمّ إلا بالحوار والتدرّج. وقرارات مجلس الوزراء وخطة الجيش اللبناني تسير في هذا الاتجاه، والتنفيذ يجري على مراحل وفق الخطة التي أعدّتها قيادة الجيش واطلع عليها مجلس الوزراء، حيث قدّم الجيش تقريره الأول ويستعد لتقديم التقرير الثاني في المرحلة المقبلة.
لكنّ الرئيس يرى أنّ أيّ تنفيذ فعلي لحصر السلاح يظلّ متعثّراً ما دام الوضع الشاذ في الجنوب قائماً، أي استمرار الاحتلال الإسرائيلي والخروق اليومية وعدم التزام إسرائيل باتفاق وقف الأعمال العدائية.
وفي لقائه مع الرئيس الجديد للجنة الإشراف على وقف الأعمال الحربية، الجنرال الأميركي جوزيف كليرفيلد، شدّد الرئيس على ضرورة تفعيل آليات المراقبة الدولية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وإنهاء الاحتلال، الأمر الذي يساعد على استكمال مهمة الجيش في حصر السلاح والانتشار جنوباً.
صحيح أن القوات اللبنانية شريكة أساسية في الحكومة وتمتلك حصة وازنة فيها، لكن موقفها التصعيدي تجاه نزع السلاح لا يعبر عن موقف الحكومة مجتمعة. فالحكومة، وإن شهدت تبايناً في المقاربات بين أعضائها، فإنّها تتمسك بقراري الخامس والسابع من آب الماضي، وتتابع خطة الجيش لحصر السلاح وتنتظر تقريره الثاني.
الجيش: لا للصدام
منذ اللحظة الأولى لوقف النار، يواصل الجيش اللبناني عمله جنوب الليطاني بهدوء ومنهجية، بعيداً من أي ضوضاء أو خلفيات سياسية. وفي معلومات "المدن"، لا تزال الوحدات العسكرية تضبط وتصادر مستودعات ومخابئ للأسلحة، وهي تتابع عملها الميداني بحذر ودقة.
وتؤكد مصادر مطلعة أنّ الجيش ملتزم تنفيذ الخطة التي وضعها لحصر السلاح بيد الدولة، لكنه لن يدخل في أي صدام داخلي. هذا هو النهج الثابت للمؤسسة العسكرية، وهذا ما يكرره قائد الجيش في اجتماعاته مع الضباط وفي أمر اليوم وفي لقاءاته وجولاته، لناحية القيام بالواجب الوطني من دون القبول باستدراج الجيش إلى مواجهة مع أي مكوّن لبناني، مع الحرص على الحفاظ على الاستقرار الداخلي بالتوازي مع تنفيذ القرارات الحكومية.
بين التصعيد السياسي والتنفيذ الهادئ
بين الخطاب العالي السقف الذي تتبنّاه القوات اللبنانية والمقاربة الواقعية التي يقودها رئيس الجمهورية والجيش، يقف لبنان أمام مسارين متوازيين: الأول سياسي تصعيدي يعبّر عن رفض استمرار السلاح خارج سلطة الدولة، والثاني مؤسساتي تدريجي يسعى إلى تنفيذ القرار ضمن توازن دقيق يحفظ الاستقرار الداخلي.
في ظلّ هذا المشهد، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ما صدر عن القوات اللبنانية يمهد لمرحلة جديدة مجهولة الاتجاهات، قد تأتي على وقع تصعيد إسرائيلي عسكري غير مسبوق ضد لبنان؟
أم أنّه رسالة متقدّمة تحمل بصمات خارجية، تنسجم مع المناخ الأميركي التصعيدي وما عبر عنه الموفد توم بارّاك تجاه لبنان؟
الجواب، على ما يبدو، ستكشفه المرحلة المقبلة، مع اتضاح اتجاهات الضغط الدولي ولاسيما الأميركي، وشهية رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على إعادة فتح جبهات عسكرية جديدة، إلى جانب تأرجح خيارات الداخل اللبناني بين التنفيذ التدريجي والانفجار السياسي المحتمل.
ندى أندراوس - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|