البرغوثي.. لقيادة غزّة!؟
لماذا طرحَ الرّئيس الأميركي دونالد ترامب إمكان الإفراج عن الأسير مروان البرغوثي؟ وما السّبب خلفَ الزيارات المكّوكيّة لكبار مسؤولي إدارته لتل أبيب؟ وبماذا نصحَ ترامب الرّئيس التّركيّ رجب طيّب إردوغان؟
يُريدُ ترامب لاتّفاقِ غزّة النّجاح. وهو أكثر العارفين كيفَ يُفكّر نتنياهو وكيف يُمكنه “التّلاعب”. لذلكَ كانَت أرض مطار بن غوريون في تل أبيب مُزدحمة بالطّائرات الأميركيّة التي حمَلت الموفد تلوَ الآخر، بدءاً من كبير مُستشاري ترامب جاريد كوشنير ومبعوثه إلى الشّرق الأوسط ستيفن ويتكوف، وصولاً إلى وزير الخارجيّة ماركو روبيو. وبينهما نائب الرّئيس جي. دي. فانس الذي وصفَ مشروع قانون ضمّ الضّفة الغربيّة الذي أُقِرّ في الكنيست بأنّه “حيلة غبيّة”. وهذا أيضاً تصريحٌ غير مسبوق وغير مُعتاد من مسؤول أميركيّ يُعتبرُ في الأساس من أشدّ الدّاعمين لإسرائيل في واشنطن.
لم يعُد خافياً أنّ الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب قد غيّر الكثير من مفاهيمه السّياسيّة في الملفّ الفلسطينيّ. آخِرة المُفاجآت التي ذكرها ترامب كانت تلميحه إلى إمكان الإفراج عن القياديّ في حركة فتح مروان البرغوثي، الذي رفَضَت وترفُضُ تل أبيب إطلاق سراحه. كانَ لترامب أيضاً موقف واضح وحادّ من رفضه ضمّ الضفّة الغربيّة بقوله: “لن يحدُث. ستفقد إسرائيل دعمَ الولايات المُتّحدة بالكامل إذا حدَثَ ذلك”.
رقابة “ترامبيّة” على نتنياهو
لا ينبعُ كلام ترامب من تغيّرِ مزاجهِ النّفسيّ والشّخصيّ كما يُلمّح البعض. إذ إنّ مصدَرَ هذه التحوّلات الكُبرى في مواقفه أصلهُ تغيّر المِزاج الأميركيّ في الحزبَيْن الدّيمقراطيّ والجمهوريّ في مسألة الدّعم المُطلق لإسرائيل والقضيّة الفلسطينيّة. وهذا ما يحاول ترامب أن يستوعِبهُ. يُضافُ إلى ما سلف الدّور العربيّ الذي تقوم به السّعوديّة ومصر وقطر والإمارات والذي يضغطُ على الرّئيس الأميركيّ لكي تكونَ قيادة غزّة فلسطينيّة، ويمنعَ بنيامين نتنياهو من ضمّ الضفّة الغربيّة، وهو ما يسمح لاحقاً بتثبيت فكرة “حلّ الدّولتَيْن”.
عملَ ترامب طوال الأيّام الماضية على “فرضِ رقابةٍ سياسيّةٍ” على نتنياهو وشركائه في الائتلاف الحاكم، وخصوصاً وزيرَيْ الماليّة بتسلئيل سموتريتش والأمن القوميّ إيتامار بن غفير. سببُ هذه الرّقابة هو خشية ترامب من أن يلتفَّ نتنياهو على اتّفاقِ غزّة لاستئناف الحربِ هُناك. فرئيس الوزراء الإسرائيليّ لا تنقصهُ القدرة على الاحتيال وإيجادِ أصغر الأسباب للانقلاب على الاتّفاق. لكنّه في المُقابل يُواجه رئيساً أميركيّاً مع فريق عملٍ لا يُشبهُ على الإطلاق النّمط الرّئاسي الذي اعتادَه الإسرائيليّون والعالم منذ أكثر من 70 سنة.
البرغوثي.. لقيادة غزّة؟
ليسَ تفصيلاً أن يُلمّح ترامب إلى إمكان الإفراج عن مروان البرغوثي في هذا التّوقيت تحديداً. وإن كانَ ترامب لم يحسم أمره بعد، لكنّ الإشارة وحدها إلى أنّه “يتشاور مع فريقه وسيتّخذ قراراً” بهذا الشأن تدلّ على أمرَيْن:
1- أنّ حسمَ القرار بشأن الإفراج عن القياديّ الفتحاويّ هو بيد ترامب وحده، بمعزلٍ عن موقف نتنياهو الذي التزمَ الصّمتَ حتّى هذه اللحظة، على عكس بن غفير الذي ردّ على الرّئيس الأميركيّ بقوله إنّ “إسرائيل دولة ذات سيادة ومروان البرغوثي قاتل، لن يفرَج عنه ولن يحكم غزّة”.
يشير كلام بن غفير عن أنّ البرغوثي لن يحكمَ غزّة إلى أنّ لدى تل أبيب مؤشّرات إلى إمكان أن يكونَ البرغوثي البديل عن حكمِ “حماس” في المُستقبل.
2- أنّ الرّئيس الأميركيّ يريدُ إعطاءَ مقابلٍ سياسيّ لـ”حماس” والفلسطينيّين بعدما قبلت الحركة بمقترحه لوقف إطلاق النّار، وبأن تُسهِّلَ مسألة نزع سلاحها، بخاصّة أنّ “حماس” كانت قد أبلغت الأميركيّين أنّها مُستعدّة لتسليم السّلاح لقيادة “فلسطينيّة جامعة”. إذ يُعتبر مروان البرغوثي من الشّخصيّات القليلة التي يُمكنها أن تلقى إجماعاً فلسطينيّاً، على الرّغم من خلافاته السّياسيّة مع “حماس” قبل وأثناء وجوده في السّجن.
تُركيا على خطّ غزّة.. من البوّابة الخليجيّة
لا تُريد الدّول العربيّة أن تكونَ غزّة تحت إدارة الهيئة الانتقاليّة الدّوليّة لوقتٍ طويل. ذلكَ أنّ عدمَ ترتيب البيت السّياسي الفلسطينيّ قد يُطيل أمد هذه اللجنة. يُضاف إلى ما سلف أنّ تُركيا وقطر لا تُبديان حماسة لرئاسة رئيس الوزراء البريطانيّ الأسبق توني بلير لهذه اللجنة. وهذا ما قاله الرّئيس التّركيّ رجب طيّب إردوغان للقادة الذين التقاهم في جولته الخليجيّة قبل أيّام قليلة، بحسب ما ذكرَ مصدرٌ تركيّ مسؤول لـ”أساس”.
يسعى إردوغان إلى دورٍ تُركيّ وازنٍ في إدارة وإعادة إعمار قطاع غزّة في المرحلة المُقبلة. لكنّه في المقابل يلقى رفضاً إسرائيليّاً قاطعاً لأيّ دورٍ تُركيّ في القطاع، ذلكَ أنّ تل أبيب لا تُريدُ أن تكونَ تركيا البديل عن إيران على حدودها الشّماليّة مع سوريا، وفي خاصرتها الجنوبيّة، أي قطاع غزّة.
دفعَ هذا الأمر الرّئيس الأميركيّ إلى أن ينصحَ نظيره التّركيّ بأن يعمل على تحصين موقفِهِ عبر تحصيل موافقة الدّول العربيّة، وتحديداً دُول مجلس التّعاون الخليجيّ ومصر، كي يكونَ لأنقرة دورٌ في القطاع. وهذا هو السّبب الأساسيّ لجولة إردوغان التي شملت الكويت وقطر وسلطنة عُمان.
الأولوية العربيّة لمصر..
لكنّ الدّول العربيّة تُفضّل بدورها أن يكونَ الدّور الأساسيّ لمصر في المساعدة على إدارة غزّة سياسيّاً وأمنيّاً وإعماراً. ذلكَ أنّ القاهرة تتمتّع بأفضليّة لا لُبسَ فيها للعبِ هذا الدّور. إذ إنّ مصر هي الدّولة العربيّة الوحيدة المُجاورة للقطاع، وهي الدّولة الأكثر خبرةً في إدارة الملفّ الفلسطينيّ بحكمِ التّاريخ والجغرافيا.
إلى ذلك سيُعطي وجود تركيا بشكلٍ “غير رمزيّ” في غزّة موطئَ قدمٍ جديداً لها في بقعة جديدة على مياه البحر الأبيض المُتوسّط تُضاف إلى سواحلها الجنوبيّة وسواحل الشّطر التّركيّ من جزيرة قبرص، والسّاحل السّوريّ. وهذا ما تقرأه الدّول العربيّة بعنايةٍ أيضاً، من دون أن يعني ذلكَ رفضَ الدّور التّركيّ بشكلٍ قاطع.
لا تزال أمام تنفيذ اتّفاقِ غزّة مطبّات عديدة في الطّريقِ نحوَ تطبيقه كاملاً. لكنّ الواضح أنّ قرار ترامب إنجاحَ هذا الاتّفاق ودعمَ الدّول العربيّة له سيكون لهما الدّور الأهمّ في إزالة العقبات التي يسعى نتنياهو إلى زرعها عندَ كلّ مرحلة. وستكونُ الصّورة أكثر وضوحاً لمستقبل الاتّفاق والدّور العربيّ في صياغته وتطويره وتطبيقهِ في الزّيارة المُرتقبة لوليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان للعاصمة الأميركيّة واشنطن في 18 تشرين الثّاني، أي بعدَ أسابيع قليلة. وهُناك سيتّضح دور السّعوديّة في كبحِ جماح نتنياهو الذي لم يُفكّر للحظة في أنّ ترامب سيُرغمُه على وقفِ حربه على غزّة.
ابراهيم ريحان - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|