من حوّل لبنانيّين إلى وحوشٍ بشريّة؟
أسوأ ما في الموت أنّنا نتعايش معه. نفقد عزيزاً، ثمّ نُكمل الحياة. يرافقنا جرح الغياب، لكنّنا نُكمل. نتعايش مع الغارات اليوميّة، وصور السيّارات تحترق، وفي داخلها بشرٌ. ونتعايش مع صوت الطائرات المسيّرة تحلّق فوق رؤوسنا. شعبٌ يتأقلم.
لا يلاحقنا صوت الطائرات فقط. يلاحقنا القلق من نشوب الحرب. يسألك كثيرون: "رح نقدر نعيّد؟"، ويسألك التجار قبل أن يشتروا بضائعهم، ويسألك المغتربون قبل أن يحجزوا لزيارة لبنان، وما من أحدٍ يملك الجواب اليقين. هي جمهوريّة القلق الدائم. تزداد قلقاً حين تدخل الى العالم الافتراضي. وحوشٌ بشريّة تعيش بيننا. واحدٌ يتنمّر على يد مي شدياق البلاستيكيّة. تافهٌ يهدّد بمنع زيارة البابا. ثالثٌ يحتفل بعد أن زوّر علاماته الجامعيّة لكي ينجح، ثمّ شغّل وساطته لدى جهاز أمني لكي يفلت من المحاسبة. حتى السياسة والطائفيّة تنخر أجهزتنا الأمنيّة التي تتبلّى على البريء وتنقذ المرتكب. وفي الجهة الأخرى، "استفراغٌ" على مواقع التواصل الاجتماعي وبحثٌ عن "لايكات" عبر التحريض والشتم والكلام الرخيص…
ثمّ تأخذ استراحةً من هذا المشهد. تسأل: من أوصلنا الى هنا ومن فعل بنا ذلك كلّه؟ من أفقدنا إنسانيّتنا؟ من جعلنا نصدّق كلّ ما يقوله زعيمنا؟ من زرع فينا هذا الحقد على الآخر لمجرّد أنّه ينتمي الى طائفةٍ أخرى، لم يخترها أصلاً، بل فُرضت عليه بالولادة؟ من حوّلنا الى وقودٍ في معارك الآخرين نُحرق من أجل تعزيز قوّتهم في الانتخابات والتسويات؟
ما نفع مسيحيّتي إن كانت تبعدني عن المسلم؟ هل يعي المدافع، بحقدٍ أعمى، عن مسيحيّته أو سنيّته أو شيعيّته أنّه ينتمي الى هذه الطائفة أو تلك فقط لأنّه صودف أنّ رجلاً من هذه الطائفة مارس الجنس مع امرأةٍ أنجبته بعد تسعة أشهر؟
"الله محبّة" نقرأ في الإنجيل. فكيف نعبد الله ونكره الآخر؟ قد نختلف في السياسة، نعم. وقد نختلف في أسلوب العيش والمعتقدات، ولكن لا يجوز أن نحقد ونتخلّى عن إنسانيّتنا لمجرّد أن اختلف معنا إنسانٌ في رأيه.
حبّذا لو نهدأ قليلاً. لو نبتعد عن الحقد الذي يعمّ العالم الافتراضي. أن نبحث عمّا يجمع بيننا. أن نقول لمن يختلف معنا: هذا رأيك وأنا أحترمه، فاحترم رأيي أيضاً. يستحقّ هذا الوطن أن نعيش فيه فرحين، معاً. أن يزور، مثلاً، ابن بنت جبيل بشري وواديها وأرزها. وألا يشعر ابن زحلة بأنّ الجنوب حكرٌ على طائفة.
ليس الأمر مستحيلاً. يحتاج بعض الهدوء، والكثير من المحبّة، التي تبشّر بها الأديان، والامتناع عن التعصّب الذي يدفعنا اليه غالباً زعماؤنا.
يستحقّ لبنان بعض العناء. نستحقّ أن نعيش ما تبقّى من عمرٍ من دون قلق…
داني جداد - mtv
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|