لجنة المرأة والطفل تناقش حماية القاصرين من الكحول ونتائج مسح المغذيات الدقيقة
توتال تفرض إيقاعها: بلوك رقم 8 هدية أخرى لإسرائيل؟
انتقل ملفّ التنقيب عن النفط والغاز في لبنان من حالة التفاؤل بالاستفادة من الثروات الطبيعية إلى حالة التململ من المماطلة، وصولاً إلى مرحلة اليأس. وبين مختلف المراحل، لا تقدّم الدولة اللبنانية ما يُطمئن مواطنيها إلى حسن إدارة ثرواتهم، بل تعطيهم دليلاً إضافياً على مسار التفريط، تحت وطأة الضغوط السياسية الدولية. وانطلاقاً من ذلك، يأتي ملف التنقيب عن الغاز في البلوك رقم 8 إلى الواجهة، وعوضَ إعطاء صورة مغايرة لمسار التنقيب في البلوكين 4 و9، يبدو أنّ مصير البلوك 8 لن يكون أفضل. فهل يُقدَّم ملف البلوك الجديد هدية مجانية جديدة لإسرائيل؟.
بداية شائكة
قبل أيام وافق مجلس الوزراء على اتفاقية استكشاف البلوك 8 وتلزيم ائتلاف شركات توتال وإيني وقطر للطاقة، القيام بعمليات الحفر (راجع المدن). وترافقت الموافقة مع قرار لوزير الطاقة جو الصدي بعدم السماح لشركة TGS النروجية - الأميركية بإجراء مسح ثلاثي الأبعاد في البلوك المذكور، ليشكّل القرار مادة سجال عميقة وصلت إلى حدّ التلويح بممارسة شركة توتال ضغوطاً على الدولة اللبنانية، عبر وزارة الطاقة، تتمحور حول نيّتها الانفراد بتنفيذ كل العمليات المتعلّقة بالتنقيب في البلوك الجديد. مع أنّ TGS لديها ترخيص بإجراء مسح زلزالي ثلاثي الأبعاد لـ1200 كلم مربّع في البلوك 8، وكانت تنتظر إذن وزارة البيئة لتباشر إجراء المسح من دون الإضرار بالبيئة البحرية الموجودة في الموقع.
سجالات كثيرة التصقت بهذه البداية فجعلتها شائكة ولا ترقى إلى الإيجابية التي يفترض بها مرافقة إطلاق عملية التنقيب في البلوك الجديد، بعد ترسيم الحدود البحرية وجولة حرب قاسية ومخاطر أمنيّة لم تنتهِ بعد. وفي مقابل الحديث عن ضغوط شركة توتال ومنها التهديد بالانسحاب من لبنان والترغيب بتسريع العمل في البلوك 8 في حال تلزيمه لها، أوضحت مصادر في وزارة الطاقة في حديث لـ"المدن"، أنّه "لم يجرِ استبعاد TGS ولا طردها، بل إنّ الوزارة وهيئة إدارة قطاع البترول تحرصان على التعاون معها". وذكّرت المصادر أنّ بين الوزارة والشركة "علاقة تعود إلى العام 2005 عندما كانت تعمل تحت اسم PGS ".
وبحسب المصادر، فإنّ وجود توتال في البلوك 8 لا يتناقض مع وجود TGS هناك، ذلك أنّ توتال "قدّمت كتاب الدخول إلى البلوك 8 بتاريخ 28 نيسان 2025. وبتاريخ 12 أيلول من العام نفسه، وجّهت TGS كتاباً عبّرت فيه عن نيتها المباشرة بتنفيذ المسح الزلزالي في أقرب وقت ممكن". ومع ذلك، فإنّ عوائق تقنية واجهت TGS، ومنها، وفق المصادر "إبلاغ الشركة وزارة الطاقة مواجهتها مشاكل تقنية تتعلّق بنظام الـGPS ما أخّر بدء أعمال المسح. كما أنّها تأخّرت في الاستحصال على الموافقة البيئية الأولية (Initial Environmental Examination – IEE)، وهي خطوة إلزامية قبل البدء بأي نشاط ميداني". وكشفت المصادر أنّه انطلاقاً من العوائق "أصدرت هيئة إدارة قطاع البترول توصية إلى وزارة الطاقة بتأجيل عملية المسح الزلزالي، وهو ما طلبته الوزارة من شركة TGS، وبالتالي لم تطردها الوزارة".
انتصار توتال
تعيد المصادر مسار الأحداث إلى ترتيبات الوقت وصدفة المعوّقات، وتؤكّد أنّ "الوزارة تقف على مسافة واحدة من جميع الشركات العاملة في القطاع". ولأنّ رخصة شركة TGS لا تزال قائمة، فإنّ بإمكانها حجز دور لها في البلوك 8. إذ أوضحت المصادر أنّ "رخصة الاستطلاع التي تملكها TGS ليست حصرية، وتالياً يمكنها المشاركة في المسح الثلاثي الأبعاد عبر التعاون مع شركة توتال، أو تنفيذ مسح مستقلّ من نوع مختلف عن المسوحات الزلزالية، ضمن الأنشطة الاستطلاعية الأخرى المسموح بها".
إلاّ أنّ محاولة توتال الحصول على حقّ حصري باستكشاف البلوك 8، تزيد علامات الاستفهام حول مرادها الفعلي ويوجّه الأنظار حول احتمالات ممارستها ضغوطاً لإزاحة TGS أو دفعها لاتخاذ قرار المغادرة. لكن في جميع الأحوال، فإنّ تثبيت توتال نفسها لاعباً قوياً في ملف البلوك 8، يعني أنها انتصرت وفرضت إيقاعها على الملف، لتضمّه إلى ملفَيّ البلوكين 4 و9.
إذاً، توتال وحدها في الميدان. والواقع يشير بحسب المصادر، إلى أنّه "في دورتيّ التراخيص الأولى والثانية، تقدّم ائتلاف واحد فقط، بينما لم تتقدّم أي جهة بعد في الدورة الثالثة التي حُدّد موعدها النهائي في 28 تشرين الثاني 2025. وهذا يُظهر أنّ إحجام الشركات عن التقدّم بعروضها باستثناء ائتلاف توتال وإيني وقطر للطاقة، هو أمر واقع ينبغي التعاطي معه بما يضمن ديمومة الاستكشاف في البحر اللبناني".
هدية لإسرائيل
إذا تجاوزنا قليلاً قضية شركة TGS، فإنّ حصرية الاهتمام في التنقيب عن الغاز في لبنان بالتحالف الذي تقوده توتال، يُنبىء بأنّ لبنان ليس جاذباً للاستثمارات، ويزيد الخطر الأمني من العوامل الطاردة لتلك الاستثمارات، ما يجعل توتال تتربّع بكل هدوء على عرش ملف الغاز والنفط. وإذا أضفنا عامل الوقت الطويل المنتظر للتنقيب في البلوك 8، وربطاً بالأوضاع السياسية والأمنية في لبنان والمنطقة، فإنّ توتال تكون قد حجزت لنفسها مكاناً في البحر اللبناني، من دون منافسين. وبالنظر إلى إمكانية عدم الوصول إلى مرحلة حفر البئر الاستكشافية في البلوك 8 قبل نحو 5 سنوات، تكون توتال قد جمّدت استفادة لبنان من ثروته، وتكون الدولة قد تساهلت حدَّ التفريط بحقوقها السيادية.
وفي المقابل، لا ينفصل احتمال تأخير الحفر في البلوك 8 عن تقارير توتال حول نتائج الحفر في البلوك 4 الذي رأت الشركة أنّه لا يحتوي على كميات تجارية، فيما ماطلت بالحفر في البلوك 9 وزعمت تارة أنّها لم تجد الغاز، علماً أنّها لم تصل إلى العمق المطلوب، وتارة أخرى زعمت أنّها اصطدمت بصخرة، ما اضطرّها إلى تغيير موقع الحفر، لتخفي لاحقاً تقريرها حول نتائج العمل في البلوك المذكور (راجع المدن). وكل ذلك حصل بالتوازي مع توقيع اتفاق ثنائي بين توتال وإسرائيل يقوِّض في بعض جوانبه استفادة لبنان من ثروته في البلوك 9 (راجع المدن). وعلى ضوء ذلك، ما الذي يمنع توتال من تكرار السيناريوهات السابقة، وعرقلة العمل في البلوك 8 لإفادة إسرائيل عبر حرمان لبنان من استغلال ثروته؟.
وفي السياق، قال المؤرخ والباحث في قضايا ترسيم الحدود عصام خليفة، أنّه "لا يوجد لدى الدولة اللبنانية سياسة إنمائية صحيحة لاستغلال ثرواتنا. أمّا باقي التفاصيل، فيمكن تنفيدها لساعات، لكنها جميعها تقع تحت عنوان غياب السياسة الإنمائية". وفي حديث لـ"المدن"، ربط خليفة بين عملية تلزيم البلوك 8 لشركة توتال، واستفرادها بملفّ التنقيب وتحكّمها بالمعلومات المتعلّقة بثروتنا من النفط والغاز، وبين طريقة إدارة السلطة السياسية لملف ترسيم الحدود البحرية، سواء مع إسرائيل أو مع قبرص، لأنّ جوهر التفريط بالثروة والحقوق، واحد.
ورأى خليفة أنّ موافقة مجلس الوزراء على العودة إلى اتفاق عام 2007 المتعلّق بترسيم للمنطقة الإقتصادية الخالصة بين لبنان وقبرص، يتعارض مع مصلحة لبنان. علماً أنّ الرئيس السابق لمحكمة البحار، البروفسّور الألماني "ولفروم"، نصح الحكومة اللبنانية بالتريث في هذا الموضوع وبالإستعانة بخبراء مشهود لهم لدرس الملف، ملمحاً إلى أنّ لبنان مغبون في هذا الإتفاق". ولكن عوض الدراسة المعمّقة للملف "سارعت الحكومة إلى التخلي عن محاولة الحصول على حقوق الشعب اللبناني". ولا ينفصل هذا الملف بنظر خليفة عن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وربطه بطريقة إدارة ملف التنقيب في البلوكات البحرية "فبدل إنشاء شركة لبنانية تملكها الدولة لتستحوذ على مردود النفط، جرى تشكيل شركات وسيطة تابعة للقوى السياسية تمهيداً للسيطرة على النفط والغاز فور استخراجه. وإلى حينه، أطلقت يد توتال في هذا الملف. وبحسب اتفاق توتال وإسرائيل، مُنِعَت الدولة اللبنانية من السيطرة على ثرواتها". وبموجب طريقة إدارة ملف تلزيم البلوك 8، اعتبر خليفة أنّ "تأجيل توتال 5 سنوات للتنقيب في ذلك البلوك، يعني السماح لإسرائيل بالتنقيب ومدّ اليد إلى البلوك 8 نفسه، كما جرى مع البلوك 9". وخلص خليفة إلى أنّ "لبنان خسر ثرواتٍ في الترسيم مع قبرص وفي الترسيم مع إسرائيل، والخوف من تكرار الأمر وخسارة ثروات إضافية حين يأتي دور الترسيم مع سوريا".
لا شيء إيجابياً في ملف التنقيب عن النفط والغاز. وتزداد قتامة المشهد مع كل تفصيل ودهليز يُرمى الملف داخله، وليس آخر الدهاليز، السجال حول عمل شركة TGS. ليكون بذلك حرف الأنظار عن الجوهر الحقيقي لهذ الملف قد تمّ بالفعل من خلال طريقة إدارة الملف وسيطرة توتال على مفاصله.
خضر حسان - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|