عائلة الشيخ يعقوب: نرفض طمس الحقيقة في دهاليز التسويف السياسي
هل لا يزال لبنان يستحق لقب "خزان مياه الشرق الأوسط"؟
رغم أزمة المياه الخانقة التي عرفها لبنان هذا العام، لم تتحرك الطبقة السياسية ولا الرأي العام بشكل جدي لإعادة النظر في سياسات إدارة الموارد المائية. وكأن العطش لم يعد كافياً لإيقاظ الضمائر.
يقول وزير الطاقة والمياه جو صدي في حديث إلى لوريان لوجور:
«في لبنان، نتحدث دائماً عن أزمة الكهرباء، لكننا نغفل عن أزمة الماء، رغم أنها الأخطر. كان يجب أن يكون العكس».
تصريحه يعكس الإهمال المزمن في إدارة الثروة المائية. ومع اشتداد الجفاف هذا العام، اضطر الوزير إلى إطلاق حملة وطنية لترشيد الاستهلاك خلال الصيف بعد أن وصلت الأزمة إلى مستويات غير مسبوقة.
فالمؤسسات الأربع المعنية بإدارة المياه في لبنان – إلى جانب مؤسسة نهر الليطاني ذات الوضع الخاص – كانت منذ الربيع في حالة استنفار. فقد بدأ مكتب مياه بيروت وجبل لبنان بالتقنين منذ 18 حزيران، فيما سبقه مكتب مياه الشمال إلى ذلك في أيار، أي قبل الموعد المعتاد بثلاثة أشهر، بحسب مديره خالد عبيد. أما مكتبا الجنوب والبقاع، الأكثر تضرراً من الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله، فقد تبعا لاحقاً هذه الإجراءات التي لا تزال قائمة بانتظار أمطار الخريف والثلوج الأولى.
من “خزان الشرق الأوسط” إلى بلد يعاني العطش
لم تعد صفة “خزان مياه الشرق الأوسط” تنطبق على لبنان كما في الماضي. فبحسب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، تراجعت موارده المائية المتجددة للفرد بشكل مستمر منذ نحو خمسين عاماً.
في عام 2006، هبطت الكمية إلى ما دون 1000 متر مكعب للفرد سنوياً، ما وضع البلاد رسمياً في خانة الدول التي تعاني من ندرة المياه. أما اليوم، فقد استقر المؤشر عند نحو 800 متر مكعب فقط (بحسب آخر بيانات 2022)، نتيجة تراجع معدلات الهطول وتزايد الطلب بسبب وجود اللاجئين السوريين والفلسطينيين. وإذا انخفض المعدل إلى أقل من 500 متر مكعب، سيصبح لبنان ضمن فئة الدول التي تواجه “عجزاً مائياً حرجاً”، وهو حال معظم البلدان العربية.
لكن رغم هذا التدهور، تعترف السلطات بأنها لا تملك بيانات دقيقة عن حجم الاحتياطي المائي. ففي آخر استراتيجية أعدها وزارة الطاقة عام 2024، أقرّت بأن «نظام مراقبة الموارد المائية في لبنان غير كافٍ».
آخر جردة وطنية شاملة تعود إلى العقد الثاني من الألفية، نفذها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتشير إلى وجود أكثر من 5000 نبع و40 نهراً، مع معدل تساقط سنوي يتراوح بين 7.8 و11.9 مليار متر مكعب، منها نحو 6 مليارات قابلة للاستخدام سنوياً، لا يُستثمر منها سوى ثلثها تقريباً.
يرى الوزير صدي أن الخطوة الأولى لإصلاح قطاع المياه تكمن في تحديث المعلومات، بما يشمل الآبار والحفر العشوائي المنتشر في البلاد. ويضيف:
«أنماط تساقط الأمطار تغيّرت بفعل التغير المناخي. كمية المياه الناتجة عن المطر والثلج تراجعت بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المئة، وأصبحت الفترات الماطرة أقصر، ما يفرض أسلوباً مختلفاً في إدارة الموارد».
ويقترح الخبراء إنشاء نظام وطني متكامل للمعلومات الهيدرولوجية يربط بين جمع البيانات وتحليلها ونشرها بشكل مركزي. كما يدعو مدير مكتب مياه بيروت وجبل لبنان ربيع خليفة إلى اعتماد نظام خرائط جغرافية رقمية (GIS) لتحديد مواقع الشبكات والموارد وتقييم كفاءتها.
البنية التحتية المتهالكة والفساد البنيوي
الوزير صدي يسعى إلى جردة شاملة للبنى التحتية المائية من سدود وشبكات توزيع وخزانات، بهدف تحديد حجم الاستثمارات المطلوبة لتأهيلها.
فأربعة سدود رئيسية – بقعاتة كنعان (المتن)، المسيلحة وبلعا (الشمال)، وجَنّة (جبيل) – ما زالت غير عاملة أو متوقفة لأسباب تقنية ومالية. ويقول الوزير:
«طلبت من جهات مانحة تمويل لجنة خبراء مستقلين لم يشاركوا في بناء هذه السدود، لوضع تقييم علمي نهائي يبدأ بسدود بسري وبلعا وبقعاتة كنعان».
أما شبكات التوزيع، فبحسب خالد عبيد، فإن معظمها عمره أقل من 40 عاماً، لكنّها تعاني من السرقات والتوصيلات غير الشرعية. ويضيف أن الأجزاء القديمة المصنوعة من الحديد المزيبق تحتاج إلى استبدال تدريجي بمواد حديثة.
ويحذر الخبراء من أن الآبار غير المرخصة – التي يقدر عددها بنحو 100 ألف بئر مقابل 30 ألفاً قانونية – تشكل تهديداً حقيقياً للمياه الجوفية، في حين تبقى مياه الشبكة الرسمية غير صالحة للشرب في أغلب المناطق بسبب غياب محطات التكرير.
الخلل الإداري… المرض المزمن
تكمن أزمة المياه في لبنان، وفق الخبراء، في سوء الحوكمة وضعف المؤسسات أكثر مما تكمن في ندرة الموارد.
يشرح رامي صليبا من الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) أن المشكلة بدأت منذ القانون رقم 221 الصادر عام 2000، الذي أنشأ مؤسسات المياه كمؤسسات مستقلة يفترض أن تُدار على طريقة الشركات الخاصة. لكنه في الواقع قيدها بالبيروقراطية نفسها التي تخنق الإدارات العامة.
ويضيف الوزير صدي أن أداء المؤسسات «غير متكافئ»، وأنها تعاني من تسييس مزمن ونقص الكفاءات.
رواتب العاملين فيها لا تتعدى 435 دولاراً شهرياً في المتوسط، ولم تُعدَّل منذ انهيار الليرة عام 2019، رغم أن القانون يتيح لها وضع جداول رواتب خاصة.
كما تعجز هذه المؤسسات عن مكافحة السرقات والتوصيلات غير الشرعية، حيث تصل نسبة الفاقد إلى 50% من المياه المنتجة. وتستهلك فواتير الكهرباء نحو نصف ميزانياتها، خصوصاً في الشمال، ما يمنعها من الاستثمار أو التطوير، ويجعلها تعتمد على المساعدات الخارجية.
والنتيجة: حتى عندما تكون المياه متوافرة، التوزيع غير عادل، والاعتماد على صهاريج المياه الخاصة أصبح القاعدة لا الاستثناء، فيما يتضاعف حفر الآبار غير القانونية.
حالياً، يعمل الوزارة والوكالة الفرنسية للتنمية على إعداد إصلاح مؤسسي شامل لتحسين الإدارة والشفافية في هذا القطاع الحيوي. ومن المفترض أن يُعاد تشكيل مجلسي إدارة مؤسستي بيروت والبقاع قريباً.
يقول الوزير صدي في ختام حديثه:
«نحتاج إلى فرق جديدة تمتلك الرؤية والجرأة لطرح الأسئلة الصحيحة، وتوجيه مشاريع التحديث على أسس علمية ووطنية».
فيليب حاج بطرس- لوريان لوجور
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|