مفوّض الحكومة يتمرّد على الحكومة بمساندة من مجلس الخدمة: صراع على النفوذ في مجلس الإنماء والإعمار
زيارة البابا... هل ترمّم الشرخ المسيحي أم تعيد رسم خطوطه؟
لم تكن زيارة البابا إلى لبنان حدثا عاديا في أي مرحلة من تاريخه، فهي تأتي في لحظة سياسية وكيانية شديدة الحساسية، تجعل منها أكثر من محطة روحية أو بروتوكولية، في رمزيتها وتوقيتها، في وطن يقف على حافة تحولات كبرى، وفي قلب معادلة مضطربة، مبرزة سؤالا مركزيا: هل تحمل هذه الزيارة فرصة لترميم الشرخ المسيحي الداخلي؟ أم أنها ستُعيد رسم خطوط الانقسام بطرق أكثر وضوحا حدة؟
اوساط كنسية وثيقة الاتصال بدائرة البابا الضيقة، اشارت الى ان المسيحيين في لبنان لم يعرفوا وحدة سياسية كاملة طوال تاريخهم، رغم المحطات التي أدّت إلى تقاربات ظرفية بين بعض القوى الأساسية، حيث تحول "التنافس الحزبي" دوما إلى صراع رؤى، حول دور المسيحيين وموقعهم في النظام، ومسار الدولة، وحدود العلاقة مع القوى الإقليمية، وكيفية إنتاج السلطة، وصولا إلى مفهوم "الشراكة" و "اللامركزية" و "الحياد"، اليوم.
من هنا، تكتسب زيارة البابا لاون دلالات مضاعفة، على ما تقول الاوساط، اذ ان الفاتيكان ليس مجرد مرجعية روحية للمسيحيين في لبنان، بل هو أيضا لاعب سياسي صاحب رؤية استراتيجية راسخة تجاه "لبنان الرسالة"، ولديه تقليد طويل في التدخل الهادئ، عندما يشعر بأنّ التجربة اللبنانية مهددة في جوهرها، وهو الواقع اليوم، حيث يشعر الكرسي الرسولي أن الشرخ المسيحي الداخلي، بات ينعكس مباشرة على التوازن الوطني، وأن استمرار الخلافات الحادة داخل البيت المسيحي، بات يشكل أحد أسباب فقدان التوازن السياس، مع ما يستتبع ذلك من فوضى مؤسساتية وانهيار اقتصادي ، يشكل تهديدا وجوديا للبنى المسيحية في التعليم والصحة والخدمات.
من هنا، ما يشهده لبنان هذه الايام هو محطة يلتقي عندها البعد الوطني بالبعد الكنسي، والرمزية الروحية بالتحديات السياسية، وهو ما بيّنه بطبيعة الحال لقاء ساحة الشهداء. كما انه من جهة اخرى، لحظة اختبار كبرى للقوى المسيحية المختلفة: هل تستطيع تلقُّف الرسائل الفاتيكانية، وإعادة صياغة مقاربتها للملفات الخلافية؟ أم ستتلقّى الزيارة كمنصة جديدة، لإعادة تأكيد تموضعها السياسي وروايتها حول الأزمة؟
وتتابع الاوساط، بان اجواء الفريق المرافق لقداسته، تشير الى أنّ هناك مجموعة عوامل تدفع باتجاه اعتبار الزيارة فرصة لترميم العلاقة بين القوى المسيحية:
- أولها : سلطة ليون المعنوية وشخصيته الاستثنائية، التي لا يملك أحد جرأة تجاهلها، وقد اختبرها الكثيرون من سياسيين واكليريكيين، كاشفة في هذا الاطار الى ان قداسته اطلع على مجموعة من الاسئلة التي وجهها اليه الشباب المسيحي، والتي تحدثت عن اسماء وتفاصيل، حيث وعد بدراستها واتخاذ اللازم.
- ثانيها: أنّ المسيحيين يعيشون اليوم هواجس مشتركة تتخطى خلافاتهم الحزبية: تراجع نفوذ الدولة، الهجرة الواسعة التي تهدّد الوجود الديموغرافي، وهو ما تقصد الاشارة اليه في من مقر الرئاسة الاولى تحديدا، الشعور بفقدان القدرة على التأثير في القرارات المصيرية، والتحولات الإقليمية التي تجعل لبنان مساحة صراع مفتوح.
- ثالثها: أنّ الدوائر الفاتيكانية تحمل مقاربة واضحة تجاه الاستحقاقات اللبنانية، تقوم على ضرورة الخروج من منطق التعطيل المتبادل، والعودة إلى صيغة تُعيد للمسيحيين إمكان تأدية دور محوري في الخيارات.
وتشير الاوساط الى ان البابا بدوره يحمل هواجس واضحة، فهو يدرك أنّ تشتّت المسيحيين لا يهدد دورهم فحسب، بل يهدد الصيغة اللبنانية بحد ذاتها، لأنها صيغت على نموذج توازن دقيق بين المكونات، يكون للمسيحيين فيه دور معنوي وسياسي ، وهو ما يدفع الكرسي الرسولي إلى التعامل مع لبنان لا كمجتمع سياسي فقط، بل كرسالة عالمية للعيش المشترك، وهو ما يفسر حرصه التاريخي على استقرار هذا البلد.
وختمت الاوساط بالاشارة الى ان الوقت الضيق للزيارة لم يكن كافيا لمقاربة كل الملفات والتعامل معها، ان لجهة عقد اجتماع "مسيحي سياسي" موسع، او حتى قمم سياسية مع القيادات السياسية، مؤكدة ان ذلك سيحصل بالتأكيد من ضمن خطة تحرك تعدها الحاضرة الفاتيكانية، حيث ستكون هناك دعوات للقيادات لزيارة الفاتيكان وعرض افكارهم، تمهيدا لوضع "ورقة عمل" للتحرك على اساسها باتجاه دول القرار، والتي قد "تبقى ظرفية" ما دامت أسباب الانقسام السياسية المسيحية العميقة قائمة، من موقع لبنان الإقليمي إلى شكل النظام المقبل، جازمة بان قداسته يتابع الوضع في لبنان بدقة وعن قرب، حيث يضم فريقه المقرب اكثر من لبناني، يزورون بيروت شهريا ويرفعون اليه التقارير، كما انه يعلم حقيقة الواقع الاجتماعي والاقتصادي وغياب الخدمات الاساسية.
وختمت الاوساط "بان الزيارة لا تعيد رسم الواقع المسيحي بل تكشفه"، وبالتالي فالفرصة التاريخية امامهم لترميم الهوية والتمثيل والدور، كيلا "تصبح مجرد محطة رمزية تضاف إلى سلسلة من اللحظات الضائعة"، خصوصا ان الانقسام بدأ يحصل في الجسم الكنسي، ويتسلل الى الرهبانيات.
ميشال نصر -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|