الإمارات تدين قرار الحكومة الإسرائيلية التوسع بالاستيطان في هضبة الجولان المحتلة
الحريري... لم يعد لكنه عاد!
لم يكن لقاء سعد الحريري مع مناصريه في ساحتي الشهداء و"بيت الوسط"، لقاء عادياً لا يستأهل أي تحليل غير عادي أو أي قراءة غير عادية.
فالرجل أثبت أنه في حضوره ثقل لا يمكن انكاره وفي غيابه فراغ لا يمكن ملؤه، وأنه من مرجعيةٍ شعبية وسياسية ووطنية وطائفية لا يمكن الغاؤها بسهولة من أي جهة محلية أو خارجية أو حتى من أي قرار ذاتي يتخذه لغير سبب وسبب.
والرجل أيضاً أثبت أنه لم يعد ملك نفسه وعائلته، وأنه لا يملك بالتالي ترف اتخاذ قرارات شخصية، في وقت شاء قدره أن يكون خليفة رجل استثنائي، وشاءت بيئته أن يكون هو خيارها الأوحد سواء نجح أو تعثر أو أصاب أو أخطأ أو حتى اذا شاء أو أبى.
لقد أدرك سعد الحريري أنه لا يستطيع الانسحاب من وجدان مناصريه ولا من واجبه الوطني، وأدرك منافسوه السنة أن الطموح شيء والمزاج الشعبي شيء آخر، وأدرك خصومه أن الرجل كان في غيابه أقوى من حضور الكثير من أهل البيئة والبيت والعائلة، وأن ما فعلوه به سواء قصداً أو عفواً ارتد عليهم ليحرمهم جميعاً من الخلافة في مكان والوراثة في مكان آخر والتوازن في كل مكان.
وأكثر من ذلك، أثبت السنة أنهم أكثر التصاقاً والتزاماً بالاعتدال، وآثروا العزلة والاعتكاف على التطرف الديني الذي تمثله المنظمات الأصولية من جهة، والتشرذم بدل الارتهان للخط العقائدي والسياسي الذي يمثله "حزب الله" ومحور الممانعة من جهة أخرى.
وأكثر من ذلك أيضاً، أدركت الجهات الخارجية والداخلية التي يتردد أنها تقف وراء اعتكاف الحريري، أن جلَّ ما حصدته لم يكن أكثر من احباط قاتل في الشارعين الاسلامي والوطني، وعامل مباشر في سقوط أو تفكيك أو تبعثر "التيار السيادي" الذي لم يتمكن من دون الناخبين السنة من انتزاع غالبية نيابية كان يمكن أن تلجم المد الايراني في لبنان، أو فتح الباب أمام توازنات تقوم على قوة الشعب لا قوة السلاح.
ويقر مراقبون خليجيون وغربيون بأن حياد الرجل طوعاً أو مرغماً أوقع لبنان بكامله في قبضة ايران و"حزب الله" وأخرج عرب الاعتدال من المعادلة اللبنانية، إضافة الى تشديد الحصار الدولي على كل مفاصل الحياة في البلاد التي تحولت الى جزيرة فاشلة عائمة تمتد من المتوسط الى طهران.
وفي إضاءة على لقاء الضريح أولاً ولقاءات "بيت الوسط" لاحقاً، تمكن سعد الحريري من فك "قيوده" ومخاوفه بعيداً من التحدي والاستفزاز المباشر، وذلك عندما لمح الى "حزب الله" ضمناً مؤكداً أن من اغتال رفيق الحريري يواصل تعطيل البلد، والى المنظومة الحاكمة متهماً اياها بنهب "بلد غني"، وعندما أعلن في "بيت الوسط" أنه "سيكمل مشوار أبيه"... وهي كلها مواقف تحمل اشارة انطلاق ولو بطيئة نحو عودة حتمية لا بد منها.
لكن الرسائل التي كانت أكثر صخباً وأكثر دلالة، جاءت، من الالتفاف السني الشعبي حول سعد الحريري الذي بدا بين أنصاره الرجل الذي يمثل القوة التي يحتاجون اليها، والزعامة التي يتوقون اليها، والمرجعية التي يفتقدونها، بعد سنة من شعور باليتم تمظهر في الشارع وأوساط المحازبين معاً، وبعد سنة شعروا خلالها بأنهم فئة مهمشة تشبه الى حد كبير حال السياديين المسيحيين في زمن الاحتلال السوري.
ولم ينطبق هذا الشعور على الشارع وحسب، بل انسحب على شوارع وحيثيات أخرى، وفي مقدمها "القوات اللبنانية" التي سارعت الى محاولة إصلاح ذات البين مع رجل يعتبر أن سمير جعجع ساهم في عزله وإضعافه وتشويهه، لا بل سعى الى خلافته، قبل أن يدرك ولو متأخراً أن القطيعة مع تيار "المستقبل" حرمته من أثمن غطاء اسلامي يحتاج اليه في صراعه مع "حزب الله"، وحوّلته من حيثية وطنية الى حيثية مسيحية وحسب، وحرمته من أي فرصة متاحة للوصول الى قصر بعبدا.
ولم يكن "التيار الوطني الحر" والرئيس السابق ميشال عون أفضل حالاً، فهما أدركا أن العصي التي وضعاها في دواليب سعد الحريري، خدمت حليفهما "حزب الله" ومكنته من تشديد قبضته على البلاد، وعززت الانفلاش الاسلامي المتطرف، وحولتهما الى مجرد رافعة أدت قسطها وخرجت من الخدمة.
وليس المقصود هنا تصوير سعد الحريري رجلاً معصوماً عن الأخطاء، أو رجلاً لم يمارس لعبة المناورات والمناكفات والتسويات مع هذا الفريق أو ذاك، أو سياسياً لم يبدل أو يعدل تحالفاته وتفاهماته بين محطة وأخرى، لكن المقصود أن نجل رفيق الحريري يحظى بموقع لا يحظى به الآخرون ويتمثل في أنه الزعيم الوحيد الذي لا ينافسه أحد في طائفته، في حين نرى "ثنائيات" في المجتمعات المسيحية والشيعية والدرزية، ما يعني أن أي حوار أو أي قرار أو أي مسار في الوسط السني يجب أن يمر عبر سعد الحريري سواء مارس السياسة علناً أو سراً أو سواء اعتكف واعتزل.
ويكشف مصدر ديبلوماسي عربي أن دولاً تقر في قرارة نفسها بأن احتجاب الحريري، أفقدها الركن السني الفاعل في لبنان، ولم يأتِ لها بأي بديل من خانة الحيثيات السياسية القديمة أو الحديثة، ولم يسهم في تشكيل أي كتلة نيابية وازنة قادرة على استرجاع القرار السيادي من جهة أو تغيير المسار المدمر الذي يقوده "محور الممانعة" في البلاد.
وأضاف أن ذكرى استشهاد رفيق الحريري، لم تكن امتحاناً لشعبية سعد بمقدار ما كانت اشارة مصوبة نحو دول راقبت المشهد بصمت ومن دون أي تعليقات، مشيراً الى أن أصحاب الحل والربط في هذه المنطقة، سيجدون أنفسهم أمام اعادة تقويم لسياستهم في لبنان وتحديداً حيال تيار "المستقبل" ورئيسه، بعدما تأكدوا من أن الرجل، سواء أخطأ في مكان ما أو أخطأوا هم في مكان آخر، محكوم بالبقاء في مكانه إن لم يكن حباً به فعلى الأقل تمسكاً به.
وتابع: ان ما قاله في "بيت الوسط" أمام مناصريه ليس تأكيداً على مواصلة الاعتكاف كما أعلن هو في كواليسه أو كما تكهن المراقبون، بل تأكيد على أن فرصة العودة الى بيئته لن تتأخر.
وتساءل المصدر: اذا لم يكن قوله ان "البيت سيبقى مفتوحاً" وانه "سيكمل المشوار" لا يعني أنه يدنو من فك قيوده، فأي قول آخر قد يثبت ذلك؟
وختم: مخطئ من يظن أن الحريري الابن لم يقل شيئاً، لقد قال كل شيء، ومخطئ من يظن أن من كان وراء اعتكافه لن يكون أكثر المتحمسين لعودته، مشيراً الى أن من يريد عودة الحريري الى بيئته السياسية عليه أن يراقب المتغيرات الدراماتيكية الحتمية والوشيكة في المنطقة وأن يبني حساباته على أساسها.
هي بضع ساعات في بيروت كانت كافية لا بل أكثر من كافية كي يبعث الحريري برسالة الى من يهمه الأمر، سواء بالغ أو عدل فيها، مفادها أن لبنان بعد رفيق الحريري ليس لبنان الذي كان، وأن لبنان من دون سعد الحريري لن يكون لبنان الذي يجب أن يكون.
أنطوني جعجع - لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|