لبنان يسير عكس التيار مع عودة عصر "الكاش"
مع تفاقم الأزمة المصرفية في لبنان وحجز أموال المودعين، وعلى خلفية فقدان السيولة من الاسواق، بدأت المؤسسات والمحال التجارية تمتنع عن قبول بطاقات الائتمان والاعتماد المصرفية التي لطالما عمدت المصارف الى اغراء زبائنها وشجعتهم على استخدامها بغية الحد من التعامل بالعملة الورقية التي أصبحت غير معتمدة كثيرا في معظم دول العالم.
فلبنان الذي ازدهرت فيه ثقافة استخدام البطاقات المصرفية قبل الأزمة بحيث باتت ماكينات الدفع الالكتروني الـPOS منتشرة في كل مراكز التسوق والمتاجر الصغيرة والكبيرة، لم يعد يشجع استخدام هذه البطاقات واصبح "الكاش" مصدر ثقة للكثير من التجار والمستوردين. وما الارقام الصادرة عن مصرف لبنان أخيرا إلا خير دليل على ذلك، إذ أشارت إلى أن عدد بطاقات الدفع في لبنان بلغ 2,440,862 بطاقة في نهاية أيلول 2022، بما يشكّل انخفاضًا بـ168,150 بطاقة أو بنسبة 6.4 في المئة من نهاية العام 2021، وتراجعًا بـ211,732 بطاقة أو بنسبة 8 في المئة من نهاية أيلول 2021.
المدير العام لشركة Zwipeالعالمية رمزي صبوري شرح لـ"النهار" دلالة الأرقام وتأثيرها على الوضع الراهن، وقال: "لا أعلم ما اذا كان التقرير الذي صدر عن المصرف المركزي يصف بشكل دقيق نسبة الضرر الذي يعاني منه لبنان حالياً، في حين أنّ عدد البطاقات لا يشير تلقائياً إلى نسبة الاستخدام، اذ إنه لم يفصح عن هذه النسبة".
وكان صبوري الذي تولى سابقا منصب مدير شركة "فيزا" في لبنان، قد دعا خلال اندلاع الثورة الى فتح حساب بطاقات الدفع الفوري مع كلّ حساب جديد، لكن المصارف بررت يومذاك عدم القيام بهذه الخطوة بحجة عدم استخدامها بشكل واسع، وأضاف: "عندما بدأت الأزمة وأقفلت المصارف أبوابها 12 يوماً، وصلت نسبة تصدير البطاقات الى عدد يعادل الستة أشهر، في حين لجأ معظم اللبنانيين الى بطاقات الدفع الفوري، وربما هذا هو الأمر الايجابي الوحيد الذي انتجته الأزمة، أي وعي البعض لأهمية بطاقات الدفع الفوري واستخدامها في نقاط البيع".
وأوضح: "سابقاً كانت نسبةnon cash money في رقعة انتشار نقاط البيع أو في السوق اللبنانية تعادل أربعة مليارات دولار، وكانت قيمتها تساوي نحو 4% من مدفوعات لبنان، أما اليوم فتراجع العدد ليصل الى أقل من نصف مليار، وهذا الفارق يكشف سوء الأزمة".
اجتياح "المجتمع غير النقدي"...
ظهر في تقرير المصرف المركزي توزيع بطاقات الدفع بحسب نوعها، حيث بلغ عدد بطاقات الدفع الفوري (Debit cards) التي يحملها أشخاص مقيمون 1,546,069 بطاقة شكّلت نسبة 64 في المئة من المجموع، ولكن تراجع عددها بنسبة 10 في المئة، تليها بطاقات الدفع المسبق أي (Prepaid cards) مع المقيمين بـ610,990 بطاقة شكلت 25 في المئة، وارتفع عددها ﺒ44,986 أو بنسبة 8 في المئة، في بداية عام 2022.
وفي هذا الاطار يقول صبوري إنه "بُعيد الأزمة زاد عدد بطاقات الدفع الفوري جراء عوامل عدة،
أولها الغاء المصارف "بطاقات الائتمان"، وإصدار بطاقات جديدة متصلة بحساب "الفريش" أو cash collateral، فضلاً عن الغاء جميع الحسابات القديمة التي كان لديها حدّ صرف معيّن بناء على طلب العميل. كما أنّ بطاقات الائتمان لا تُستخدم إلا من اللبنانيين المسافرين، أو غير المقيمين الذين لديهم حساب في مصرف أو يستخدمون البطاقة لإرسال المال، فالمصارف اليوم في حالة حرجة وتاليا لا يمكن منح حسابات ائتمان، وتعطى فقط في حال كان للمودع حساب بالفريش ولا يريد أن يترك سيولة مجمدة".
قد يتساءل البعض عن التأثير المدمر للعودة الى "الكاش" بدلا من البطاقة؟ يشير صبوري الى أن لبنان عاد الى ثقافة "الكاش"، فيما دول العالم خطت خطوات متقدمة في عالم البطاقات المصرفية. العودة الى التعامل بالكاش نتيجته سيئة على الاقتصاد اللبناني، لأنّ كلفة أثره على المصارف المركزية والحكومة مدمّرة، ويولّد مخاطر التعرّض للسرقة وندخل في مشاكل عدة منها تبييض الأموال، والنشاطات غير القانونية، ونخرج من سياسات النقد الدولي التي تولّد بؤرة لاستقطاب نوع معين من الأفراد، بدلاً من المستثمرين".
غياب الثقة بالمصارف
وعن أهمية الاستحواذ على بطاقات الدفع، يلفت صبوري إلى أنّ بعض البلاد أصبحت Cashless societies، أو "مجتمعا غير نقدي" وتاليا نصبح بحاجة ماسّة الى بطاقات.
فقدان المودعين الثقة بالمصارف أمسى معمماً لدى الجميع، والأمر الوحيد الذي يبرّر زيادات بطاقات الدفع المسبق هو الحاجة الماسّة لدى البعض للشراء online، فيما أصبح الوضع أكثر تعقيداً لفتح حساب خارج لبنان بسبب معايير معينة خارجية.
المطلوب وفق صبوري "المساهمة بإنعاش الاقتصاد من جديد، ونحن بحاجة الى حلّ في أسرع وقت ممكن بغية تفادي الانهيار الكبير المتوقع"، مشيرا الى أنّه "سيكون من الصعب اعادة الثقة بالمصارف ولكن ليس كما يتكهن الجميع."
وأضاف أن "أساس اقتصادنا يعتمد بشكل أو بآخر على السياحة والقليل من الصناعة المحلية، فضلاً عن تدفق أموال المغتربين الى السوق اللبنانية، وبالتالي الخروج من الأزمة سيكون سريعاً في حال ساد جوُّ من الاصلاح وقد يأخذ سنتين كحدّ أقصى. اليوم بات للمواطن القليل من الوعي على كيفية المعاملة مع المصارف خصوصا في اطار الفائدة المرتفعة التي كانت تُمنح والتي وصلت الى 20 في المئة، فيجب التعاطي بحذر أكثر والتعلّم من التجارب القاسية التي مرّت علينا".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|