تحلُّل سوريا... السويداء، إن نجحت : "ليس أكثر من طلاق الدروز مع الخارطة السورية الأمّ"
إن كان من وصف يجمع الأحداث المتفرّقة ولكن الخطيرة على مدى الخارطة السورية، فهو تحلُّل سوريا الأسد.
لم تعد المسألة تتعلّق بمصير النظام، أو بنتائج المعركة بينه وبين الأطياف التي ثارت ضدّه من السوريين.
من الساحل إلى دير الزور شرقاً ومن الجنوب إلى حدود تركيا شمالاً ثمّة شقوق تتّسع وتتمدّد إلى ما هو أعمق، جارفةً معها البقيّة الباقية من المعاني التي أسّست لسردية نظام آل الأسد أباً وابناً. وثمّة ما يتصدّع في الطبقات السفلية لِما كان يُعرف بالمجتمع السوري.
لذلك لن أبدأ من مشهد انتفاضة السويداء التي أحيت القراءات المتفائلة حول تجدّد الثورة السورية. فما يحصل في السويداء ليس أكثر من سكرة من سكرات الموت التي تبثّها الخارطة السورية. صحيح أنّها ثورة إحدى الأقلّيات المهمّة في سوريا على نظام أقلّوي، وأنّ مجرّد حصولها، بعد طول حياد، إنّما يعلن نهاية وظيفة حماية الأقلّيات التي زعمها الأسد، في مواجهة "داعش" وأخواتها.
صحيح أنّ العناوين المرفوعة في التظاهرات تنمّ عن ذاك التوق السوري الذي ظلّ حيّاً لأن تكون سوريا وشعبها "واحد". لكنّ السويداء، إن نجحت فلن تنجح في أكثر من أن تعلن طلاق الدروز مع الخارطة السورية الأمّ، في ظلّ انعدام الحدّ الأدنى من المرتكزات التي تعِد بقيام دولة موحّدة.
الاقلية العلوية ليست بحال افضل
في كلّ الأحوال لا تبدو الأقلّية العلوية بحال أفضل في مناطق الساحل. ففي ذروة الحديث عن انتصارات نظام الأسد على أهله وعلى خصومه الإقليميين، وفي ظلّ إفرازات فائض الثقة التي يعبّر عنها الأسد شخصياً حيال تركيا والولايات المتحدة وغيرهما، لا يبدو أنّ العلويين يستشعرون ثمار الانتصار المزعوم. فعلى نحو غير مسبوق منذ عام 2011، صدحت أصوات علوية علنية على مواقع التواصل الاجتماعي، بانتقاد النظام، تفاوتت بين الشكوى من انهيار الأمن الاجتماعي وبين توجيه النقد لبشار الأسد أو أفراد أسرته.
ربّما ذلك ما دفع بالنظام للعودة إلى تكتيكاته الماضية بتحريك ورقة الإرهاب، لإخافة قاعدته وإعادة تكتيلها بفعل الرعب والخوف لا أكثر. كان غريباً، في ظلّ تنامي الاعتراض العلوي، أن تندلع فجأة اشتباكات بين قوات النظام السوري ومقاتلين من هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في ريف اللاذقية الشمالي قيل إنّ حصيلتها 16 عنصراً من قوات النظام و3 من لواء معاوية بن أبي سفيان التابع للهيئة. وكان سبق للوكالة السورية الرسمية للأنباء "سانا" أن أعلنت عن هجوم بطائرة مسيَّرة استهدف بلدة القرداحة مسقط رأس عائلة الأسد، ومسيَّرة على بلدة سلحب التي تسيطر عليها الحكومة في شمال غرب سوريا، بالتوازي مع تجدّد القتال في الشمال الغربي، بعد توقّف معظم المعارك في سوريا.
يضاف إلى ذلك، المناخ الحربي الذي يزنّر كامل الشمال السوري في ضوء التوتّر بين أنقرة ودمشق، والذي وصل إلى حدود تصريح مستشار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ تركيا "تحتاج إلى البدء بالمطالبة بجعل حلب وحتى حمص وحماة آمنة تحت سيطرة الأمم المتحدة".
التصدّع الأمني ّفي شمال سوريا
أمّا في شرق سوريا وشمال شرقها فحدّث ولا حرج عن حجم التصدّع الأمني والسياسي والمجتمعي الذي يعبّر عنه الاشتباك العربي الكردي في دير الزور، والذي يصل بتداعياته إلى كركوك التي تشهد هي الأخرى اقتتالاً وتوتّراً إثنيَّيْن على خلفية عربية كردية مماثلة. لا يفيد هنا البحث عن خلفيّات تآمرية للنظام، حتى وإن وجدت. فالحاصل أعمق بكثير من فتن مدبَّرة، ويتّصل اتصالاً وثيقاً بتفسّخ الأرضية المشتركة بين المكوّنات السورية، من ضمن التفسّخ الأوسع الذي يصيب مضامين الاجتماع السوري ومعنى الدولة السورية بعد 12 عاماً من الحرب غير المسبوقة.
بالعودة إلى جنوب سوريا، تُضاف إلى انتفاضة السويداء، حيوية الاعتراض التي عادت لتدبّ في درعا مهد الثورة السورية، ليكون المشهد هو مشهد خروج الجنوب بالكامل عن سيطرة النظام. ومن مفارقات أزمة الأخير في الجنوب أنّه سيتردّد كثيراً في اللجوء إلى تكتيك إحياء "داعش" وأخواته كما فعل أخيراً في أعالي الساحل، وكما فعل في السويداء عام 2018. فمثل هذه الخطوة ستقود التحالف الدولي إلى توسيع مروحة انتشاره وقضم مناطق أوسع من الجنوب، مع ما يعنيه ذلك من تبديد المزيد من مناعة النظام وسرديّته عن استعادة السيطرة وانتصار المحور.
حقيقة الأمر أنّ التصريحات السياسية الأخيرة للأسد، حملت في طيّاتها ما لا يترك مجالاً للشكّ في أنّ النظام لم يتعلّم أيّ شيء من أكثر العقود دموية في سوريا. تنمّ مواقف الأسد عن أنّه معميّ بفكرة الانتصار وأنّه ينتظر من الآخرين التقدّم نحوه بخطوات قبل أن يفكّر في القيام بما عليه. فبحسبه، تقع المسؤولية على الآخرين في توفير سبل مكافحة الكبتاغون وتصديره إلى العالم العربي، وتقليص قدرة الميليشيات على تهديد أمن دول الجوار كالأردن. أمّا عودة السوريين فمسؤولية المتقاعسين عن تمويل إعادة إعمار سوريا من الدول العربية. وأمّا العفو فقد تمّ وفق قوانين يقول الأسد إنّه أقرّها وإنّ عدم العودة هي مسؤولية من يمنعون السوريين من ذلك.
يعيش الأسد في عالم موازٍ تماماً للحقائق على الأرض، وكما أضاع فرص إنقاذ بلاده في بدايات الثورة، وأهمل حبال النجاة التي مُدّت له من أكثر من عاصمة عربية، يبدو الآن عاكفاً على تبديد آخر الفرص التي يمكن لها أن تبقي على تماسك أجزاء الخارطة السورية. وربّما خطاب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في جوار مقام السيّدة زينب في دمشق قبل أشهر قليلة، يشير إلى الوظيفة الوحيدة الباقية للنظام، وهي أن يكون مجرّد مكبّر صوت، لصراخ ما يسمّى محور المقاومة، وانتصاراتها المزعومة، التي لا تُترجم إلا مزيداً من الفقر والقهر والانهيار.
نديم قطيش - أساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|