الصحافة

رفض تربوي لوقف العمل بشهادة "البريفيه".. وإجماع على إبطال المواد الإختياريّة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في ظل التحولات العاصفة التي شهدها القطاع التربوي في لبنان خلال السنوات الأخيرة، تتجلى ملامح أزمة تعليمية عميقة تتداخل فيها الأبعاد الأكاديمية والاجتماعية والاقتصادية. فبعد أن عصفت جائحة كورونا بالمسار التعليمي، كاشفةً هشاشة البنية التحتية للتعليم عن بُعد، جاءت الإضرابات الطويلة في المدارس الرسمية لتفاقم التراجع التعليمي. ولم يكن ذلك إلا مقدمةً لما شهدته البلاد مؤخراً من تداعيات الحرب "الإسرائيلية" الأخيرة، حيث تحولت المدارس من صروحٍ للمعرفة إلى ملاجئ للنازحين، مما أضاف مزيداً من التعطيل إلى عام دراسي مُثقل بالأزمات.

وسط هذا المشهد المأزوم، ومع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة تحمل شعار "الإنقاذ والإصلاح"، تبرز وزيرة التربية الجديدة ريما كرامي، بمقترحات مثيرة للجدل، تتعلق بإلغاء امتحانات الشهادة المتوسطة، وحذف المواد الاختيارية في الصفوف الثانوية النهائية. هذه القرارات تطرح تساؤلات مصيرية حول مستقبل التعليم في لبنان، وعما إذا كانت تعكس إصلاحاً حقيقياً أم مجرد محاولة لتخفيف أعباء منظومة تربوية منهكة.

في المقابل، فإن إلغاء "البريفيه"، الذي لطالما كان بمثابة الجسر الذي يربط بين التعليم الأساسي والمرحلة الثانوية، أشبه بإزالة حلقة مركزية من سلسلة تعليمية مترابطة، ما قد يؤدي إلى خلل في معايير التقدير، وانتقال الطلاب إلى المرحلة الثانوية دون محطات تقييمية واضحة. كما أن لهذا القرار تأثيراً يتجاوز الصفوف الدراسية ليطال سوق العمل، حيث تعتمد العديد من الوظائف في لبنان على هذه الشهادة كحدّ أدنى للتوظيف، مما قد يخلق فجوة جديدة بين الحاصلين على إفادات مدرسية، وأولئك الذين امتلكوا سابقاً شهادة رسمية معترفاً بها.

أما في ما يخص ابطال المواد الاختيارية في المرحلة الثانوية، فيبدو ان هذه الخطوة جيدة وتحظى بتوافق تربوي جامع في القطاعين العام والخاص.

في جميع الأحوال، بين رؤية إصلاحية تسعى الى تخفيف التعقيدات البيروقراطية، ومخاوف من إضعاف قيمة الشهادات الرسمية، يبقى السؤال المطروح: هل هذه المراسيم خطوة في الاتجاه الصحيح؟ أم أنها مجرد استجابة مؤقتة لأزمة أعمق تستدعي حلولًا أكثر شمولية؟

محفوض: إلغاء الشهادة المتوسطة

يتطلّب آليّة تصنيف بديلة!

في ضوء ما تقدم، يقول نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض لـ "الديار": "من حيث المبدأ، نحن نرفض إلغاء الشهادة المتوسطة قبل إيجاد آلية واضحة، لتقييم أداء الطلاب الذين سينتقلون من مرحلة إلى أخرى. لذا، المطلوب من الجهة التي تعمل على إلغائها، البحث المسبق عن وسيلة تضمن تقدير الطلاب بشكل عادل".

ويسأل: هل سيتم فحص الطلاب بناءً على علامات الفصول الثلاثة، بحيث يُحتسب لهم معدّل عام؟ ومن سيتولى مراقبة هذه العلامات، خصوصاً في ظل وجود مؤسسات تعليمية خاصة "دكاكين" تتعامل مع العلامات بشكل عشوائي؟ ومن سيضمن نزاهة المراجعة في هذه الحالات"؟

ويشدد على انه "من الضروري استحداث طريقة تقييم صريحة تضمن انتقال الطلاب وفق معايير دقيقة، قبل اتخاذ قرار إلغاء الشهادة المتوسطة، وهذا هو موقفنا من الموضوع".

ويتابع "لا نعلم بعد ما الذي ستقرره وزيرة التربية ريما كرامي، فقد شاهدتُ مقابلتها التلفزيونية، حيث أشارت إلى أن الأسبوع الحالي سيصدر قرار بخصوص الشهادة المتوسطة. فإذا قررت إلغاءها، فمن واجبها البحث عن بديل مناسب، وإلّا فعلينا انتظار القرار النهائي ومتابعة التطورات في هذا الشأن".

ويوضح "بالنسبة للشهادة الثانوية، نرى أنه من الضروري إجراء الامتحانات في جميع المواد، خاصة وأن المواد الاختيارية لم تعد موجودة، إذ إن الظروف التي كانت تفرض اعتمادها لم تعد قائمة. فقد كان السبب الرئيسي وراء هذا الخيار، هو عدم قدرة بعض الطلاب على متابعة تحصيلهم، بسبب الحرب والتهجير خلال العدوان "الإسرائيلي" الأخير على لبنان. أما الآن، فالوضع بات مستقرا إلى حد كبير، باستثناء الطلاب الموجودين في المناطق الحدودية، وقد سمعتُ الوزيرة تقول إنها ستتخذ إجراءات خاصة بهم".

ويشير محفوض في ختام حديثه الى ان "الظروف في لبنان عموماً أصبحت طبيعية، ومن المفترض أن تُجرى الامتحانات في جميع المواد، بهدف استعادة مكانة الشهادة اللبنانية، التي شهدت انحداراً كبيراً خلال الاعوام الستة الأخيرة، ما يستدعي إعادة الاعتبار إليها تدريجيا، وليس دفعة واحدة، بل عبر خطة تمتد لعدة سنوات".

مُمثلة المتعاقدين في التعليم الثانوي:

الشهادة معيار أساسي لهذه الوظائف!

من جانبها، تقول ممثلة المتعاقدين في التعليم الثانوي منتهى فواز لـ "الديار": "بالطبع نحن ضد إلغاء الشهادة المتوسطة، وأنا كأستاذة في التعليم الثانوي وأعلّم الصف العاشر، فقد عانينا كثيرا بسبب الإفادات التي أُعطيت لطلاب الصف التاسع دون قيد أو شرط. لذلك، تراجع مستوى الطلاب في التعليم الثانوي، وبالتالي أنا ضد إلغاء هذه الشهادة لأنها ذات قيمة ووزن، وتلعب دوراً أساسياً في العديد من الوظائف مثل الاحراج والجيش وغيرها من الوظائف".

وتضيف "في حال اتُخذ قرار بالإلغاء، يجب أن يكون لدينا بديل موازٍ لهذه الشهادة، على سبيل المثال أخذ علامات المدرسة بشكل جدي". وتشير إلى "أن تنفيذ الامتحان الوطني حالياً صعب، ولكن في المقابل يجب أن يكون هناك فحص موحد لجميع الطلاب في مدارسهم، على ألا يصحح الاختبارات أساتذتهم، بل طاقم تربوي آخر، وذلك لضمان المصداقية والشفافية في توزيع العلامات".

وتستكمل "أما بالنسبة للثانوي، فأنا نعم ضد المواد الاختيارية بشكل قاطع. وقد وافقنا سابقاً بشكل اضطراري على هذا الاسلوب نتيجة لمشاكل عديدة منذ عام 2019، بسبب كورونا والتعليم الأونلاين والإضرابات في التعليم الرسمي، والحرب "الإسرائيلية" الأخيرة. فقد عانى الطلاب نفسياً، وكان هناك تقصير في الكفايات والأهداف التي يجب أن يتلقوها، حتى يتمكنوا من تقديم امتحان كامل. بناءً على ما ذكرته، أنا ارفض المواد الاختيارية، وينبغي أن نعيد للشهادة الرسمية مكانتها المرموقة وموقعها عالمياً ومحلياً".

رئيس لجنة المتعاقدين في التعليم الأساسي:

القرار يضرّ بجودة التعليم ويُضعف تحفيز الطلاب!

من جهته، يقول رئيس لجنة المتعاقدين في التعليم الأساسي في لبنان الدكتور حسين محمد سعد لـ "الديار": "لا شك أن أي قرار يتخذ لإلغاء الشهادة المتوسطة يتضمن سلبيات وإيجابيات. في ما يتعلق بالمساوئ، النقطة الأولى هي أن إلغاؤها يعني غياب النظام الموحد الذي يقيس مرتبة التعليم، وبالتالي يغيب مستوى فرز الطلاب بناءً على أدائهم، مما يؤدي إلى تفاوت كبير في جودة التعليم. النقطة السلبية الثانية تكمن في الانعكاس السلبي على تحفيز الطلاب للاجتهاد أكثر، خاصة بعد أن تُلغى لهم الشهادة، وهذا يقلل من دافعيتهم لتحقيق درجة أكاديمية عليا. أما النقطة الثالثة، فتتمثل في التحديات التي تواجه الطلاب عند الانتقال من مرحلة المتوسط إلى الثانوي، مما يخلق صعوبة في تحديد مستوى الطلاب الذين يستحقون الانتقال إلى المرحلة الأعلى، بالإضافة إلى عقبات أكبر تتكشّف في سوق العمل لاحقاً، حيث تعتبر بعض وظائف الدولة شهادة البريفيه المعيار الأساسي للقبول في الوظيفة، وإلغاؤها يجعل من الصعب على الطلاب الحصول على فرصة عمل في المستقبل".

وعن البدائل، يؤكد سعد أن "تطوير المناهج، بما في ذلك ابتكار نظام تقييم مدروس ومؤسس للطلاب، يحتاج إلى قانون والى مجهود لجنة التربية النيابية، وهذه التفاصيل تستلزم ورشة عمل قبل الإلغاء".

ندى عبد الرزاق - الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا