رئيس جمهورية انتقالي لسنتين؟
"الناس بالناس و...". هذا ما يقوله المثل القديم جداً الذي يستعمله الناس عادةً عندما يركّزون اهتمامهم بقوة على أمر مهم أو أقل أهمية في وقت تكون فيه الحاجة ملحّة الى أن يهتمّوا بالقضايا الجدّية التي تتهدّدهم أفراداً ومواطنين وشعباً أو بالأحرى "شعوباً" وقبائل وطوائف وأحزاباً.
يبدو أن اللبنانيين أو قسماً مهماً منهم يعيشون هذه الحالة منذ شغور موقع رئاسة الجمهورية قبل سنة وسبعة وستين يوماً بالتمام والكمال وفي مقدمهم المسيحيون. طبعاً لا تعني هذه المقدمة استخفافاً بموقع الرئاسة الاولى ولا رغبةً في تقليص دورها وتحديداً دور من يشغلها. ولا تعكس موقفاً يدعو الى استمرار الفراغ في انتظار انتهاء التطورات الخارجية من إقليمية ودولية وفي مقدمها حرب إسرائيل الشرسة على فلسطينيي غزة بعد "طوفان الأقصى" الذي نفّذته "حماس" في 7 أكتوبر الماضي، بل تعني أن رئاسة دولة لبنان صارت – ويا للأسف – بل كان دائماً فيها دور الخارجين الإقليمي والدولي كبيراً جداً بل حاسماً ومقرّراً. كان دور السلطة التشريعية اللبنانية "التوقيع" على من يختاره رئيساً بالانتخاب.
لا تعكس هذه المقدمة موقفاً سلبياً لكاتبها من الأفرقاء المسيحيين كلهم رغم الخلافات بل العداوات الشديدة المستحكمة بهم والذين يطالب سياسيوهم يومياً والكبار من رجال دينهم بملء الفراغ في رئاسة الجمهورية حرصاً على التوازن وعلى دور المسيحيين في البلاد وعلى ما سمّوه "الميثاقية" و...، لا يعني ذلك في الوقت نفسه أنه يوافقهم على عدد من مواقفهم رغم شعوره بالحاجة الماسة الى وجود رئيس للدولة وهو مسيحي ولكن من أجل اكتمال عودة الشرعية الى المؤسسات الدستورية كلها وانشغال المتربّعين على سدّة رئاسة كل منها في إعادة بناء الوحدة الوطنية الحقيقية والانتماء الفعلي والدائم للوطن وعدم وضع أي انتماء آخر قبله دينياً كان أو مذهبياً أو طائفياً أو عشائرياً أو حزبياً.
ما مناسبة هذا الكلام اليوم؟ مناسبته تحوّل المطالبة المسيحية بانتخاب رئيس للدولة خطاباً يومياً وعلى كل المستويات، علماً بأن الذين يقومون بها يعرفون أنهم ومن يماثلهم في الطوائف أو بالأحرى المذاهب بل الشعوب المسلمة الشريكة لهم في البلاد أخفقوا قبل 13 شهراً وستة أيام من تنفيذ "حماس" عملية "طوفان الأقصى" في انتخاب رئيس جديد للبلاد. وأول شهرين منها كانا في آخر ولاية الرئيس ميشال عون وبذلك أخفق نواب لبنان ومن يمثلون من أحزاب وأفراد وطوائف ومذاهب في تلافي شغور رئاسي قبل شهرين من حصوله. كانت تلك الأشهر المشار إليها عادية سياسياً في الإقليم وتحديداً في دوله صاحبة الأدوار الأساسية في "انتخاب" رئيس لبنان. فهل سيتمكن المسيحيون اليوم في ظل الحرب الطاحنة مع إسرائيل واشتراك لبنان فيها وإن بقرار منفرد من "حزب الله" الممثل الأول للطائفة الشيعية في البلاد بالشراكة مع "حركة أمل" من إقناع شركائهم المسلمين بموقفهم؟
أولا يعرف المسيحيون أن إسرائيل تسعى بقوة لتعويض فشلها في غزة إلا بقتل وجرح حوالي 80 ألف فلسطيني وتدمير سبعين في المئة من مباني غزة الى شن حرب على لبنان عقاباً على انفراد "الحزب" ببدء الحرب عليها سواء بضوء أخضر من حليفته إيران أو من دونه؟ أولا يعرفون أيضاً أن نجاحهم بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري في تشكيل قوة "استقلالية" مع السُنّة وصل الى نهايته لأسباب عدّة أولها ربما شعورهم بعد التصدّي الشيعي اللبناني والسُنّي الفلسطيني المشترك لإسرائيل بأنه سيعيد الاعتبار الى العوامل التي أسهمت في ما مضى في لبنان السلم كما في لبنان الحرب في إبعاد بعضهم عن بعض؟ أولا يعرفون ثالثاً أن هناك مشكلة مهمة تعوق قضية ملء الشغور الرئاسي هي انتهاء الوحدة الوطنية على نحو شبه رسمي، ومطالبة البعض باعتماد الفيديرالية من دون تطبيقها رسمياً ولكن بصيغة متخلفة تعطي ممثل كل "شعب" في المؤسسات الدستورية الثلاث لدولة لبنان التعيسة حق "الفيتو". ومن شأن ذلك إنهاء الدولة وجعل البلاد أسيرةً لأطماع وطموحات جيرانه والأبعد منهم أشقاء كانوا في العروبة أو في الدين أو أعداءً؟
مناسبة الكلام نفسه اليوم هي وجود تفكير أولي وغير رسمي عند جهة فاعلة مهمة في البلاد كما عند مرشحين موارنة لا ينتمون الى خطها السياسي في ملء الفراغ السياسي الرئاسي في صورة موقّتة، أي انتخاب رئيس جمهورية انتقالي لمدة سنتين. الدافع الى ذلك تأكد الكثيرين من أن لبنان الجديد بعد الحرب الشرسة الإقليمية التي قد تطاله أيضاً سيحتاج الى إعادة نظر في صيغته. علماً بأن قادته والزعماء ما كانوا سيجدون أنفسهم في حاجة الى البحث عن لبنان جديد لو طبّقوا فعلاً اتفاق الطائف ببنوده كلها وتعاهدوا على تصحيح ما يجب منها بعد التطبيق والممارسة. وهذا أمرٌ لا يمانع فيه ربما الناخبون الإقليميون أو الدوليون لرئيس لبنان.
لكن هذا البحث لا يزال في بدايته. ويتردّد أنه يجري بهدوء ومن دون استعجال حرصاً على التأكد من جدواه ثم من إمكان تطبيقه. علماً بأن الفريق الأقوى في البلاد يخشى "تنقيز" المسيحيين ولذلك فإنه قد يفضّل انتخاب رئيس لولاية كاملة من ست سنوات ولكن بعد اتفاقات رسمية وربما خطية معه ومع قادة شعوب البلاد على البحث الجدي في لبنان الجديد انطلاقاً من الطائف وغيره تؤكد استعداد الرئيس للاستقالة بعد انقضاء السنتين وتنفيذ الإصلاحات الضرورية في لبنان الجديد.
من طرح هذا الاقتراح؟ إعلامي بارز في "حزب الله" أشار إليه في آخر مقابلة تليفزيونية له على "الجديد" قبل أسابيع قليلة لكنه نسبه الى ديبلوماسي أجنبي غربي. وقد وصل كلامه هذا الى رئيس مجلس النواب نبيه بري فاستدعاه واستفهم منهم عن هذا الموضوع فأخبره تفاصيله كلها. وهو أي بري لم يبدُ ممانعاً.
سركيس- نعوم- النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|