الصحافة

سوريا تمزّق "صفحة الأسد" وتقصّ "الهلال الولائي"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

سيتذكّر السوريّون ومعهم كلّ من عانى من جرائم النظام البائد، تاريخ 8 كانون الأوّل 2024. وهو اليوم الذي طوت فيه سوريا بعد مسار طويل حافل بالدموع والدماء، صفحة حكم "آل الأسد" إلى الأبد. لم تكد الطائرة التي تقلّ رئيس النظام المخلوع بشار الأسد تقلع من العاصمة فجر الأحد إلى روسيا حيث مُنح حق "اللجوء الإنساني" مع عائلته، بالتزامن مع إعلان الفصائل المسلّحة "تحرير" دمشق وإسقاط "الطاغية"، حتى خرج عشرات آلاف السوريين إلى الشوارع في كلّ أنحاء البلاد وفي الدول المُضيفة للاجئيهم، للاحتفال بنهاية حقبة سوداوية قتل وسُجن وهُجّر خلالها الملايين.

إنها لحظات تاريخية مليئة بمشاعر الابتهاج الكامل الدسم، كثيرون لم يحلموا بها إطلاقاً. لم تصمد "سوريا الأسد" أمام الهجوم الكاسح للفصائل المسلّحة بقيادة "هيئة تحرير الشام" الإسلامية، الذي انطلق في 27 تشرين الثاني وأنجز مهمّته فجر 8 كانون الأوّل، مستغلّاً وهن جيش النظام المنكوب وتضعضع الأذرع الإيرانية نتيجة الضربات الإسرائيلية القاصمة وغرق "الدب الروسي" بـ "المستنقع الأوكراني" الأهمّ بالنسبة إلى حسابات الكرملين، فتساقطت المدن والأرياف تباعاً كأوراق الشجر في الخريف بأيادي مقاتلي الفصائل، من حلب مروراً بحماة وصولاً إلى حمص ودمشق، بالتوازي مع "تفكّك" الوحدات العسكرية لقوات النظام وانسحابها من شرق البلاد، فضلاً عن "تمرّد" المدن والقرى الجنوبية، خصوصاً درعا مهد الثورة.

ومع تهاوي النظام وفرار جنوده بثيابهم المدنية من ثكناتهم ومراكزهم، وتحطيم تماثيل رموزه من "المؤسّس الراحل" حافظ الأسد إلى "الوريث الهارب" في المدن والبلدات السورية، بينها دمشق وطرطوس، فتحت أبواب "أقبية الظلام" البعثية، وعلى رأسها سجن صيدنايا السيّئ الصيت، فخرج من "رحمها الجحيميّ" المعتقلون السياسيون، بينهم لبنانيون، الذين اختبروا قسوة "فنون التعذيب" بأقصى درجاتها وأشنع أشكالها، بعضهم لعقود من الزمن، الأمر الذي بدا واضحاً على ملامحهم الشاحبة وأجسادهم النحيفة التي تختزل تاريخاً قاتماً وتختصر حكاية نضال ومعاناة.

عادت الذاكرة بالمحتفلين والمبتهجين إلى المراحل الأولى من الثورة عندما برّر الأسد بطشه الدموي لقمع المنتفضين في وجهه، مشبّهاً نفسه بـ "الجرّاح" ومتسائلاً: "هل نقول له: أيديك ملطخة بالدماء؟ أم نشكره على إنقاذ المريض؟"، متنفسين الصعداء لتخلّصهم مِن مَن وصفوه بـ"الجزار" الذي ادّعى زوراً تأدية دور "الجرّاح" فيما تسبّب بـنهجه "النيروني" بنكبة حقيقية لسوريا لن تستطيع التعافي منها إلّا بعد عقود من "التأهيل المكثف".

لم يوفر "الغضب العارم" من التدخل الإيراني في الحرب السورية، السفارة الإيرانية في دمشق، لتنال نصيبها من تفتيش وتخريب وتكسير، علماً أن الدبلوماسيين الإيرانيين كانوا قد غادروا السفارة في الصباح الباكر. الدور "المغمّس" بالدم الذي أدّته طهران في سوريا، ستدفع ثمنه غالياً بعد اطاحة الأسد، إذ أضحى "الهلال الولائي" الذي كان يصل طهران ببيروت، مقطوعاً في "بلاد الشام"، وسط ذهول قادة إيران بما حصل و"دوزنتهم" لمواقفهم العلنية كي تنسجم مع "كارثة" المتغيّرات المتسارعة التي ألمّت بمحورهم المتهالك.

يعتبر محلّلون أن "الأخطبوط الإيراني" الذي أثبتت الأحداث الدراماتيكية المتتالية أنه "أوهن من بيت العنكبوت"، أصبح معوّقاً، مؤكدين أن ما حلّ بأذرعه المبتورة أو المعطوبة في المنطقة قد ينعكس سلباً على نظام الملالي في إيران. وإذ حسموا أن "العدّ العكسي" لنهاية الحكم الثيوقراطي في طهران انطلق منذ فترة، اعتبروا أن إعادة إحياء ثورة "امرأة، حياة، حرّية" تبقى بيد "الشعوب" الإيرانية، مشيرين إلى أن ما تشهده سوريا والمنطقة هو بداية مسار انحلال "إمبراطورية" "فيلق القدس" واضمحلالها.

وسط "الأجواء الابتهاجية" التي عمّت سوريا والمنطقة، بدأ يطفو على السطح الحديث عن "اليوم التالي" في سوريا والمتعلّق بالفترة الانتقالية ومدّتها ومن سيحكم خلالها، فضلاً عن شكل النظام ومسودة الدستور والقانون الانتخابي الجديد الذي ستخاض على أساسه انتخابات يُراهن متابعون أن تكون حرّة بعكس سابقاتها. وحصل تواصل بين رئيس حكومة النظام الساقط محمّد الجلالي وقائد "تحرير الشام" أحمد الشرع المعروف بـ "أبو محمّد الجولاني" الذي أمر بإبقاء المؤسّسات العامة تحت إشراف الجلالي حتى تسلّمها رسميّاً.

وكانت لافتة زيارة الجولاني إلى الجامع الأموي في دمشق حيث ألقى كلمة اعتبر فيها أن بناء سوريا الجديدة التي ستكون "منارة للأمة الإسلامية" يتطلّب عملاً شاقاً، مجسّداً دور "الفاتح" في نظر أتباعه من الإسلاميين المتزمّتين، بينما كان معبّراً في المقابل كيف تبرّأ معظم أركان النظام من الأسد، خاطبين ودّ السوريين، لربّما يتمكّنون من الاستمرار في مناصبهم أو أقلّه "العفو" عن "ماضيهم البعثي". ويؤكد معارضون سوريون أنّهم لا يُريدون الانتقام بل تحقيق العدالة بمحاكمة المسؤولين عن إراقة دماء السوريين، وعلى رأسهم الأسد، في المرحلة المقبلة، ويوافقهم الغرب على ذلك.

تعتبر موسكو أن وصولها إلى المياه الدافئة في البحر المتوسّط قضية جيوسياسية استراتيجية، في حين تواترت أنباء روسية عن أن زعماء الفصائل المسلّحة ضمنوا سلامة قواعد روسيا العسكرية وبعثاتها الدبلوماسية داخل سوريا، فيما أكثر ما يهم روسيا قاعدتها البحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوّية في اللاذقية. صحيح أن نتنياهو وصف سقوط الأسد بـ "اليوم التاريخي"، إلّا أنّه أكد عدم السماح "لأي قوّة معادية بالتمركز على حدودنا"، معلناً انهيار اتفاق "فض الاشتباك" للعام 1974 مع سوريا في شأن الجولان، وأمر جيشه بالاستيلاء على المنطقة العازلة حيث تنتشر قوّة الأمم المتحدة. كما تحدّثت تقارير عن تنفيذ إسرائيل غارات استهدفت مواقع عسكرية واستخباراتية في دمشق.

أمّا في الشمال، فاندلع قتال في منبج بين فصائل مسلّحة موالية لأنقرة و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي يُشكّل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري، إذ تسعى تركيا إلى محاربة المسلّحين الأكراد وإضعافهم وإبعادهم قدر الإمكان عن حدودها الجنوبية، في وقت أكدت فيه واشنطن أنها ستبقي على وجودها في شرق سوريا وستتخذ الإجراءات اللازمة لمنع عودة ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية"، بينما نفذت القوات الأميركية عشرات الغارات الجوّية على أهداف لـ "داعش" في وسط سوريا أمس، بهدف ضمان عدم استغلال التنظيم الإرهابي الوضع الحالي.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا