الصحافة

عون وصفر الخروج من بعبدا... إلى صحراء التيه!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كتب سيمون سمعان في أخبار البلد:

بعيدًا عن ضوضاء السياسة وأوهام الرئاسة... بعيدًا عن حفلات الجنون غير المبرّرة وحملات التشفي غير المثمرة... وبعدما نال انتهاء عهد عون ما جادَ وفاضَ من الدِّفاع والتبرير والانتقاد والتشهير، لا بد من طرح بعض التساؤلات وإعادة تعريف بعض التسميات والتذكير ببعض المحطات، لعل في التذكير إفادة بعدما اشتهى اللبنانيون فائدةً واحدة وما نالوا.
في الأول من تشرين الثاني 2022 أُسدلت الستارة على عهدٍ كان حافلًا بالأحداث والتناقضات والإنهيارات التي لم يعرف لبنان مثيلًا لها منذ عهد السلطنة العثمانية. وللمفارقة أنه في الواحد من تشرين الثاني 1922، غادر السلطان العثماني محمّد السادس الباب العالي خارجًا من السلطة والسلطنة التي عرفت نهاية أيامها قبل قيام الجمهورية. وانتهى معه عهدٌ من البؤس والظلم والفشل. أما خروج عون من بعبدا، فلم يكن مجرّدَ خروجٍ لرئيسٍ من القصر، بل خروجٌ لوهمٍ استوطن العقول لعقود، وخروجٌ من الحياة السياسيّة إلى صحراء التيه ومجاهل التاريخ.
من هنا أهميّة هذا الخروج، لأنه كان صفر اليدين وبصفر إنجازات، مهما بالغت البروبغاندا العونية في التعمية حينًا والتجميل أحانًا أخرى. عادةً ما يتحدث الرؤساء الخارجون من السلطة في المجتمعات المتحضّرة، عمّا لم ينجزوا. باعتبار أنه حقٌ للشعب لم يؤمّنوه وواجبٌ على الحكّام لم يؤدّوه، فيعتذرون. أما ما يكونون قد أنجزوه، فهو من صلب المَهمّة التي يُفترض أنهم أتوا من أجلها، ولا يحتمل التمنينَ ولا وصفه بتعابير الإنجازات في معرض الإعجازات. ففي مصائر الدول، لا مكان للإنجازات الشخصية في مقاييس وزنات التاريخ.
المؤسف حقًا، أن التضليل فعلَ فعله في شريحة كبيرة من الناس الذين سلّموا عقولهم لصنّاع الرأي العام وراحوا ينطقون صراخًا بما ترميه المشاغل في تلك الأوعية الفارغة. أية منظومة هي التي ستعارضها يا أيها الرئيس القوي، وأنت الحليف والشريك في كل حين؟ أية ثلاثين سنة من المراكمات السيّئة التي ارتكبها الآخرون وما تركوا لك استطاعةَ الإصلاح والتغيير؟ ولماذا لم تسمِّ أولئك الآخرين، إلا انتقاءً في الأسماء والظروف فتسحب من تحت الطاولة ما يتناسب مع ورق اللّعب بين يديك؟ والصحيح أنك كنت في الحكم قبل المنظومة التي تحالفت معها وتقاسمت وإياها المغانم والمصالح. في العام 1988، ذاك العام المشؤوم الذي وضعك عنوة في القصر، لم يكن نبيه بري بعد رئيسًا للمجلس الذي أصدرت قرار حلّه من غير دستوريّة ولا جدوى، كقرار قبول استقالة الحكومة قبل رحيلك. ولم يكن رفيق الحريري رئيسًا للحكومة ولا رياض سلامة حاكمًا للبنك المركزي ولا سهيل عبود رئيسًا لمجلس القضاء الأعلى ولا جوزيف عون قائدًا للجيش. يومها صار ما صار وانهار البلد على من فيه ونجا من هجّوا جماعاتٍ إلى بلاد الإنتشار هربًا من جنونك. يومها الإعلام تهدّد والبؤس تمدّد، وتشلّعت الكرامة بين الركام. ومن تصفهم اليوم بالمنظومة، جاؤوا بعدك ليلملموا أجزاء الوطن المكسور والجمهورية المتناثرة.
عن أية إنجازات تتحدّث والرقمان الأعلى لهجرة اللبنانيين حصلا في العام 1990 زمن حكومتك البائسة، وفي العام 2022 في ختام سنوات حكمك البائد؟ عن أية إنجازات تتحدّث وما بقيت للدولة أساسات حتى يعادَ البناءُ عليها، ولا للناس خيط أملٍ حتى يتمسكون به، ولا للقضاء قوسٌ تستريح فوقه العدالة وتحته المظلومون المقهورون، ولا للحقيقة قيمةٌ بعدما أضعتها في متاهات التضليل؟ عن أية إنجازات تتحدّث فيما كان السمك قبلك طعامًا للناس فصار الناس في عهدك طعامًا للسمك؟ عن أية إنجازات تتحدّث وقد تسلمتَ حكومةً مهمّتها الوحيدة انتخاب رئيس، فطيّرت الإنتخابات والبلد والدستور، وعدتَ على اسمه تستقطب التائهين وتشحذ المؤيدين، فأدخلت البلد الفراغ، وكرّرتها في فرصتك الثانية لتترك البلد بين أنياب فراغ آخر وتترك القصر إلى مهمّة أخرى تشحذ فوق دمارك ذمم المضلّلين؟
لا لن تنجح هذه المرّة. ومن لا يزالون معك إمّا ممتلئون بالحقد أو غارقون في المصلحة أو مقيمون في كوكب آخر، وهم في أي حال متضائلون.عليك اليوم أنْ تعلم أنّ معظم اللبنانيين باتوا مدركين أن مشروعك هو تدمير الدولة. وما كانت رئاسة الحكومة الإنتقالية ورئاسة الجمهورية إلا محطتين أكثر فعّالية فيه، لما منحتاك من قدرة على تسريع التدمير ورفع منسوبه. وها هو استمر قبل خروجك الأول من القصر وبعد خروجك الثاني، وكان شديد الأذى مديد التأثير.
أما ما يُشفي الغليل في كل هذا، أن صفر خروجك بأي إنجازٍ من الرئاسة أوصلك إلى صحراء التيه. فتيّارك اليوم ضائع محبط على مستوى القواعد الشعبية، ومعزول أعزل على مستوى الحلفاء والأدوات. وما غزوة محطة إعلامية استضافت قياديّيك إلا خير دليل وأسطع برهان على عداء الثقافة وكره الحقيقة وضيق الحال. فخلال الرئاسة خسرتم الشعبية وبعد الرئاسة خسرتم السلطة، وفي الحالين خسرتم أي حليف غير الذي يستخدمكم كأدوات لا كحلفاء. ولله في ذلك شؤون حيث أعان الناس مما بلاهم، وعوّض البلد ببارقة أمل عمّا أصابه بك وخلال عهدك من كوارث وتداعيات... نعرف أن كل هذا ليس الدواء الشافي للحالة المرضية المتفشية في البلد، لكنّه يبقى سندًا ومستندًا لعدم تشويه التاريخ!

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا