الصحافة

هل ضُرب لبنان بـ"المواد المشعة"؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

إلى ادعاء نقيب الكيميائيين جهاد عبود بضرب لبنان باليورانيوم المنضب في الجزء الأول من التحقيق، فجّر في الجزء الثاني قنبلة من العيار الثقيل زاعماً ضرب جنوب لبنان بـ"قنبلة ذرية". وهو لا يخفي هدف ادعاءاته بقوله "المطلوب أن تأتي الأمم المتحدة وجمعيات "يكبوا مصاري" على مشاريع تنظيف المياه والتربة من اليورانيوم المنضب والليثيوم، وإلا فاللبنانيون سيتعرضون للسرطان والإعاقات والجنون".

فماذا تقول الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، التابعة للمجلس الوطني للبحوث العلمية CNRS، وهي المرجع الرسمي الوحيد المخول تثبيت ضرب لبنان باليورانيوم المنضّب، أو بالقنبلة الذرية، من عدمه؟

نقيب الكيميائيين كان قد اتهم الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية بالعمالة لأميركا وإسرائيل، وادّعى أن جهازها لرصد الأشعة النووية سعره 80 دولاراً، وبأنها لا تمتلك مطيافية Gamma spectroscopy، لرصد إشعاعات اليورانيوم المنضب من نوع Gamma.

رئيس الهيئة بلال نصولي ردّ على ادعاءات النقيب جهاد عبود بالقول "إن 40 عينة فحصتها الهيئة من أماكن مستهدفة مشبوهة إلى الآن، بينها مكان اغتيال السيد نصرلله (حيث يزعم عبود أخذ عينته)، بيّنت جميعها خلوّها تماماً من اليورانيوم المنضب.

تبياناً للحقيقة قصدنا مقرّ الهيئة لاكتشاف كيفية إجراء الفحوصات للعينات، وكانت نظرة على الأجهزة المخبرية التي تقدر كلفتها بملايين الدولارات. فما لا يعرفه عبود، أن الهيئة التي "يشكك" بنتائجها، تعتبر مرجعاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ضمن شبكة Almera Group.

مع عدم تقفي أي أثر للعينة المزعومة المأخوذة "في العتمة" من قبل نقابة الكيميائيين في موقع اغتيال نصرلله، كان لا بد من "معاينة" عينات الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، الجهة الرسمية المخولة تثبيت ضرب إسرائيل لبنان باليورانيوم المنضب من عدمه.

يقول بلال نصولي إنّ "بروتوكول الاعتيان من المواقع المستهدفة المشبوهة، صارم ومحدد. وحتى الهيئة كجهة رسمية تمثل الدولة ولديها تفويض بذلك، لا تأخذ العينات منفردة، بل يؤازرها الجيش اللبناني، الذي يحدد لنا المواقع المشتبه بضربها باليورانيوم المنضب". أما طريقة الاعتيان، فيجريها أشخاص مدربون ولديهم باع طويلة بذلك.

وعن الإتهام السياسي الذي وجهه نقيب الكيميائيين للهيئة، بأنها "عميلة لأميركا وإسرائيل" يردّ نصولي "براءة الذمة التي نعطيها، هي للعينات التي فحصناها إلى اليوم وليس لإسرائيل التي ثبت ضربها لبنان بالفوسفور الأبيض المحرم دولياً. وما زلنا في طور الزيارات الميدانية لمواقع مستهدفة، ومنذ أيام بدأنا الاعتيان جنوباً، وعملنا لم ينته بعد، لكننا نجزم أن جميع العينات التي قمنا بفحصها إلى اليوم، خالية من اليورانيوم المنضب".

يوضح نصولي أنّ عدد المواقع التي زرناها إلى اليوم هو 9 مواقع مستهدفة، وعدد العينات هو 40، وكلها خالية من اليورانيوم المنضب "إلى الآن".

و"كان يفترض أن تبدأ جولتنا "عالبارد" بعد الحرب، ليتسنى للجيش تمشيط المواقع من الصواريخ غير المنفجرة، لكن بيان نقابة الكيميائيين الذي أثار الهلع لدى اللبنانيين والمراقبين بادعائها ضرب لبنان باليورانيوم المنضب وهي ليست مرجعاً رسمياً لذلك، جعلنا نخاطر مع الجيش ونأخذ عينات خلال ساعات النهار التي يهدأ فيها القصف في الضاحية، وذلك بتوجيهات من رئيس الحكومة".

بالتعاون والتنسيق مع قيادة الجيش- فوج الهندسة، قامت الهيئة بست زيارات ميدانية إلى ثمانية مواقع مشبوهة، في كل من بيروت (موقعان) والضاحية الجنوبية (5 مواقع) والبقاع (موقع واحد)، تم قصفها من قبل العدو الإسرائيلي بصواريخ شديدة الانفجار وصواريخ خارقة للتحصينات حيث تم المسح الإشعاعي الدقيق لهذه المواقع وتم أخذ 38 عينة ذات مصداقية (من حفرة الصواريخ وبالقرب من موقع اصطدامها)، وأعد تقرير رسمي على أساسها فيما الزيارات الميدانية "مكملة".

وعن المواقع "النموذجية" للاعتيان، يوضح نصولي: "هي مواقع "مفتوحة" كموقعي اغتيال السيد نصرلله وهاشم صفي الدين"، كاشفاً "أن إحدى العينات في موقع نصرلله لم تكن قريبة من تأثير الصاروخ وحسب، بل كانت من بقايا صاروخ ضرب به الموقع".

وعن معنى "عينة ذات مصداقية"، يشرح: "لا يمكننا الاعتيان من تربة بعيدة عن موقع اصطدام صاروخ دخل عمق الأرض، ويغطيه الركام كمبنى الطيونة الذي شاهد اللبنانيون سقوطه مباشرة، وذلك على عكس الأمكنة المفتوحة".

فحص اليورانيوم المُنضّب يجرى على مرحلتين: ميدانياً، عبر إجراء مسوحات إشعاعية ميدانية، ومخبرياً، عبر أخذ عينات من التربة ولطخات غبارية وحطام أبنية وبقايا صواريخ من الموقع وجواره إلى جانب عينات من الردم، في أماكن مستهدفة "مفتوحة"، و"بالقرب من تأثير الصاروخ"، ليصار بعدها إلى إجراء الفحوصات المخبرية.

في السياق، يؤكد نصولي "أن كل المواقع التي فحصناها إلى اليوم، كانت ضمن الخلفية الإشعاعية الطبيعية، بما فيها أكثرها شبهة بضربها باليورانيوم المنضب، كموقع اغتيال السيد نصرلله في الضاحية وموقع اغتيال السيد هاشم صفي الدين في المريجة. أما الفحوصات المخبرية التحليلية والإشعاعية فجاءت لتؤكد نتائج المسوحات الإشعاعية الميدانية، إذ أثبتت خلو كافة العينات من أي أثر لليورانيوم المنضب".

هذا ما يبينه الـ  rapport d’activité isotopique للرسم البيانيّ للنشاط الإشعاعي Gamma الذي أعدته الهيئة في تقريرها الرسمي، حيث أتت كل العينات مطابقة لنسب نشاط نظائر اليورانيوم الطبيعي الموجود في كافة مكونات القشرة الأرضية 235/238، مع الأخذ بالإعتبار نسبة الخطأ الإحصائي المقدرة بـ5%.

بداية جولتنا في الهيئة كانت في قسم الرقابة الإشعاعية البيئية. هنا، تبيّن لنا أن خلوّ لبنان من اليورانيوم المُنضّب كان مثبتاً حتى قبل الفحص المخبري، وذلك عبر مستويين اثنين: هما شبكة الإنذار الإشعاعي المبكر، وعوالق الهواء.

- على مستوى شبكة الإنذار الإشعاعي المبكر: فإن لبنان منذ العام 2013، مربوط بنظام إنذار عالمي يسمى Early warning system، فيه 20 نقطة لمحطات إنذار إشعاعي مبكر موزعة في مراكز عسكرية للجيش اللبناني وتغطي جميع المناطق اللبنانية، وتلتقط أي إشعاعات نووية، ضمنها اليورانيوم المنضّب، وبياناتها في تحديث مستمر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي موصولة بقيادة الجيش مباشرة، ولم ترصد أي إشعاع نووي طيلة أيام الحرب الإسرائيلية على لبنان.

- أما على مستوى عوالق الهواء (نعرض رسمها البياني): فإن 3 محطات اعتيان لعوالق الهواء pm2.5، في بيروت، واحدة منها تبعد 35 متراً خط نار فقط من موقع اغتيال نصرلله، تم إجراء التحاليل المخبرية العناصرية لأربعين عينة من عوالق الهواء فيها خلال 40 يوماً، وتبين خلوها كافة من أي أثر لعنصر اليورانيوم المنضب.

وكان وصل تنكيل نقيب الكيميائيين جهاد عبود بالهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، وأحد أبرز اختصاصاتها البديهية رصد الإشعاعات النووية، إلى حدّ الادعاء بأنها تفحص العينات بـGager counter سعره 80 دولاراً، ولا تمتلك جهاز Gamma spectroscopy عالي الجودة لرصد إشعاعات اليورانيوم المنضب.

وعلى قاعدة "اللحاق" برواية عبود "على باب دار" الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، ندخل طابق مختبرات الهيئة، وتحديداً غرفة الـGamma spectroscopy. نشاهد بأم العين 6 أجهزة من مطيافية Gamma "بشحمها ولحمها"، وجميع هذه الأجهزة حاصلة على شهادة 17025Iso standard، وتأخذ اعتماداً accreditation يجدد سنوياً من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقيمتها بملايين الدولارات، وتعطيها الوكالة الذرية للهيئة ضمن برامج ومشاريع مشتركة، تخضع لتدقيق محاسبي رفيع.

وثلاثة من هذه الأجهزة من نوع كاشف جرمانيوم عالي النقاوة، وثلاثة من نوع Sodium Iodine Gamma. علماً أن اليورانيوم المنضب يفحص في الهيئة عبر ثلاثة أجهزة: مطيافية Gamma، مطيافية Alpha، ومطيافية الكتلة. أما تقنيات التحليل التي اعتمدتها الوكالة فهي x-ray fluorescence و Particle Induced x-ray emission،‏ وهي تقنية لديها حساسية فائقة لليورانيوم المنضب.

من يورانيوم الخيام... إلى القنبلة الذرية

يقول نصولي "هناك 7 محطات رصد إشعاعي مبكر في جنوب لبنان وحده، وفي حالة الطوارئ الإشعاعية، فنحن ملزمون بمشاركة أي إنذار إشعاعي ترصده خوادمنا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. متسائلاً: هل يمكن أن يضرب لبنان بقنبلة ذرية من دون أن تعرف الوكالة الدولية؟".

في السياق، يعلق باحث سابق في الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، كان قد عاصر قصة اليورانيوم المنضب عام 2006. يقول "الموضوع غير قابل للمزاح أو الاجتهاد من قبل جهات ليست ذات اختصاص أو دراية علمية، وبالأخص أن خبراء الهيئة يأخذون عيناتهم بشكل علمي وتحت إشراف قيادة الجيش، ما يجعل كل ادعاء عكس نتائج الهيئة فاقداً للمصداقية العلمية ومشككاً ليس بالهيئة وحدها بل بالجيش معها".

يسخر الباحث من تحليلات عبود بقوله "نتمنى أن تؤخذ اسرائيل إلى المحكمة الدولية لكن بقرائن علمية دامغة، وليس وفق مقولة النقيب الشهيرة "إما تصدقونني أو تكون إسرائيل ضربت ماء الزهر".

وبما أن ما بني على باطل فهو باطل، كان لا بدّ لنا من نسف رواية عبود المختلقة من أساسها. في السياق نسأل: ما هو تعليق عبود وخلفه لوبي جمعيات نزع اليورانيوم المنضب منذ العام 2006، إن عرفوا أن جهاز كشف اليورانيوم المنضب، الذي بنوا روايتهم عليه بالكامل، القائلة بأن إسرائيل ضربت يورانيوم منضب في الخيام جنوباً ذلك العام، هو جهاز Gager miller من سبعينات القرن الماضي؟

هذه الادعاءات أسقطها مؤتمر مشترك عام 2007 للهيئة اللبنانية للطاقة الذرية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، حيث أثبتت عينات مشتركة في مختبرات بيروت وسبيتس وفيينا، لـ 350 عينة، في حينه خلوها من اليورانيوم المنضب، لكنها عادت للواجهة من جديد من بوابة الحرب الاسرائيلية الأخيرة على لبنان.

وعن عدم دقة الجهاز وفعاليته، هو الذي أكله الصدأ و"خدم عمره"، يعلق نصولي "هيدا إذا في قنبلة ذرية انفجرت حدو لا يلتقط إشعاعاتها، وهناك من بنوا روايتهم عن اليورانيوم المزعوم طيلة هذه الأعوام عليه".

حجزت الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية لنفسها مكانة كصرح علمي متقدم في الشرق الأوسط، إن كمختبر يعتبر مرجعاً معتمداً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كجزء من Almera network، أو بتقدمها تكنولوجياً، كاحتوائها جهاز Tofsims، الذي لا يمتلكه في المنطقة غير لبنان وتركيا وإسرائيل. وقد خسرت الهيئة 4 علماء من خيرة أكفائها، هاجروا للعمل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وما زالت تخرّج طلاب دكتوراه وماستر بعلم الذرة، وتهشيمها هو تهشيم للبنان المؤسسات لصالح دويلات جمعيات نزع اليورانيوم المنضب وغيرها.

والأخطر من ذلك، هو أن النهش موصول كذلك للجيش اللبناني، الذي تتواجد محطات الإنذار الإشعاعي المبكر في ثكناته العسكرية ويؤازر الهيئة في مهامها.

فتات عياد - "نداء الوطن"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا