التحديات الأمنية بعد التسوية في سوريا: مخاوف وهواجس مشروعة
انتهت مهلة إدارة العمليات العسكرية للتسوية وتسليم الأسلحة، لتبدأ مرحلة جديدة في سوريا تحمل الكثير من التعقيدات والتحديات. إذ برزت مجموعات عسكرية متعددة الولاءات تشكلت من شخصيات متورطة في جرائم الحرب، وترفض تسليم نفسها من دون عفوٍ عام. بعض هذه المجموعات يتبع للضابط سهيل الحسن، وأخرى خاضعة لضباط وشخصيات نافذة من عائلة الأسد، ممن تورط بعضهم في تجارة المخدرات وارتكاب جرائم حرب.
لم يكن أحد يتوقع أن تكون هذه المرحلة سهلة، لكن ما فاجأ الكثيرين هو تطور تكتيك الكمائن الذي بات يتكرر في مواقع مختلفة، أبرزها مدينة جبلة التي شهدت عدة هجمات أودت بحياة عناصر من الأمن العام.
وعلى الرغم من ازدحام مراكز التسوية بطلبات عشرات الآلاف، تشير تقديرات إدارة التسويات إلى وجود ما بين 18 و25 ألف طلب لم تُسجّل بعد، خصوصاً في محافظات الساحل السوري وريف حماة وحمص، ما يشكل عبئاً أمنياً كبيراً ويزيد من تعقيد المشهد.
ومع انتهاء المهلة، فليس جميع هذه الأرقام قد تثير حالة الرعب أو الخطر. في تواصلنا مع ضابط برتبة عقيد من الجيش السوري في ريف حماة، أبلغنا تخوفه من تسليم نفسه إلى مراكز التسويات خشية التعرض لأي انتقام، على الرغم من تأكيده أنه لم يرتكب أي جرائم واستعداده التام للمصالحة. إلا أن مخاوفه تنبع من خلفيته الدينية، ما يجعله قلقاً من أي استهداف شخصي.
وعلى الرغم من وجود ضمانات رسمية، يبدو أن هناك حاجة ملحّة إلى مزيد من بناء الثقة من قوى الأمن العام مع الفعاليات المحلية في القرى والبلدات، لمنع انجرار الضباط المترددين إلى مجموعات عسكرية مسلحة توهمهم بأن مصيرهم القتل وتجبرهم على القتال مجدداً.
تحديات أمنية متصاعدة تواجه إدارة العمليات العسكرية، تحديات معقدة قد تؤدي إلى صراع طويل الأمد مع خلايا النظام، وهو ما يُعتبر خطراً كبيراً على استقرار البلاد. وعلى الرغم من الجهود المتواصلة لقوى الأمن العام وإدارة العمليات العسكرية في تمشيط المناطق الخطرة وملاحقة المطلوبين، إلا أن هذه الجهود تتطلب وقتاً أطول وموارد إضافية.
وتبرز هنا الحاجة الملحة الى تطوير قدرات الأجهزة الأمنية، إلى جانب إعادة هيكلة وزارة الداخلية السورية. وقد أعلنت الوزارة بالفعل عن رغبتها في عودة الضباط والعناصر المنشقين خلال الفترة ما بين 2011 و2021، مع توفير استمارات خاصة لتسجيل بياناتهم والافادة من خبراتهم.
في إطار الجهود المبذولة لاستعادة المطلوبين دولياً، قدمت الحكومة السورية قائمة أولية إلى الإنتربول الدولي، مع وعود بقوائم إضافية لاحقاً. ومن ناحية أخرى، شهد التنسيق اللبناني-السوري تطوراً ملحوظاً، بحيث تم تسليم نحو 70 ضابطاً وعسكرياً سورياً فرّوا إلى لبنان عقب سقوط النظام.
إلا أن ما يثير القلق هو تقارير تتحدث عن قيام السفارة السورية في لبنان بإصدار جوازات سفر بأسماء مستعارة لضباط وشخصيات من النظام، ما يسمح لهم بالهروب إلى الخارج. وعلى الرغم من هذه التطورات، لم تقم وزارة الخارجية السورية حتى الآن بإجراءات حاسمة لمعالجة هذه الثغرة.
وسط هذه التحديات، تبدو الأولويات واضحة أمام الحكومة السورية. إذ يأتي ضمان استقرار الوضع الأمني وإعادة تفعيل عمل المؤسسات الحكومية في مقدمة الأهداف، كخطوة أولى نحو تحقيق الاستقرار الشامل.
يبقى ملف العدالة أحد أبرز التحديات وأكثرها إلحاحاً، لكنه مؤجل إلى حين استقرار الأوضاع الأمنية بصورة كاملة. وحتى ذلك الحين، سيظل التعاون الاقليمي والدولي، إلى جانب تعزيز القدرات الأمنية، حجر الأساس لعبور سوريا هذه المرحلة الحرجة بأقل الخسائر الممكنة.
لبنان الكبير - ماهر الحمدان
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|