القصة الكاملة للدور الفرنسي في "الانقلاب" الذي أطاح "الخطة ب" وأوصل عون وسلام
زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت كانت أول زيارة لرئيس دولة للبنان بعد انتخاب العماد جوزف عون وتكليف رئيس الحكومة نواف سلام.
رغب ماكرون في التعبير للّبنانيين عن مودته الكبرى لبلدهم وثقته بأنهم سيتمكّنون من تجاوز التحديات الكبرى أمام الرئيسين. هو يكنّ مشاعر صادقة حيال لبنان، ولديه شبكة واسعة من الأصدقاء اللبنانيين منذ زمن طويل، وزوجته بريجيت كانت تدرس في ليسيه هنري الرابع في باريس وتعرّفت على لبنان عبر تلامذة لبنانيين لامعين، أحدهم من عائلة إده، وهي تتطلع لزيارة لبنان.
وساهم ماكرون بشكل كبير في الدفع لانتخاب جوزف عون رئيساً بمساعدة مبعوثه الخاص جان- إيف لودريان وسفيره في لبنان هيرفي ماغرو وفريق عمله في الإليزيه، بمن فيهم رئيس المستشارين السفير إيمانويل بون، والسفيرة آن كلير لوجاندر، المسؤولة عن ملف الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا.
وكان ماكرون مقتنعاً منذ زمن طويل بأنه دون انخراط السعودية في لبنان لا يمكن إنجاح أي مسعى لإخراج لبنان من فراغه السياسي ومن انهياره الاقتصادي. واللحظة الحاسمة بالنسبة إليه كانت عندما قام بزيارة دولة الى السعودية والتقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي تربطه به علاقة ثقة وصداقة. فخلال قمتهما الثنائية في قصر الأمير محمد بن سلمان تحدثا عن استضافة السعودية لبطولة كرة القدم وتوافقا على دعم ماكرون لهذه الاستضافة مع الدول الأوروبية والدول الصديقة كما توافقا على انخراط السعودية في مساعدة لبنان والجيش اللبناني واتفقا على ان الخيار الأفضل لرئاسة لبنان هو قائد الجيش جوزف عون .
كفاءة عون
تعرف الرئيس ماكرون إلى العماد عون في حزيران (يونيو) 2023 عندما لفتته سفيرته آنذاك آن غريو في لبنان الى شخصيته وكفاءته وسمعته بالنزاهة، وفي حينه كان اسمه بين الأسماء التي يتم تداولها من بين المرشحين للرئاسة. وكان كبير مستشاري ماكرون ايمانويل بون يعرف عون عندما سبق له ان تولى سفارة فرنسا في لبنان، وأبدى اعجابه بقائد الجيش عندما واكبه خلال جولة للاطلاع على المعركة ضد تنظيم من "داعش" في 2017 .
وبعد الزيارة الى المملكة، استقبل ماكرون في قصر الاليزيه في 11 كانون الأول (ديسمبر) الرئيس السابق للحزب الاشتركي وليد جنبلاط ونجله رئيس الحزب تيمور جنبلاط واتفقوا على أن قائد الجيش العماد عون هو الشخص المناسب في الوضع الراهن ليتولى الرئاسة في لبنان.
وفي حينه، تحدث جنبلاط عن خروقات إسرائيل المستمرة لوقف اطلاق النار في الجنوب، وأبلغه ماكرون عن عزم فرنسا بالتنسيق مع السعودية لمساعدة الجيش على تعزيز قدراته للانتشار وبسط السلطة اللبنانية الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية ومساعدة الجيش بالرواتب والتجهيزات عبر السعودية وقطر.
وكان ماكرون التقى قبل ذلك بيومين الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب الذي حضر مع مستشارى لشؤون الشرق الأوسط مسعد بولس لحضور إعادة افتتاح كاتدرائية نوتر دام في باريس وتحدث معه عن ضرورة دعم انتخاب رئيس في لبنان.
عاد لودريان الى بيروت في 7 كانون الثاني ( يناير) وأخبره سفيره في لبنان هيرفي ماغرو أن الأمور تعقدت بالنسبة لانتخاب جوزف عون لان هناك خطة بديلة نشأت تقضي بترشيح جهاد أزعور.
الخطة ب
اعتبر لودريان وماغرو ان وجود "خطة ب" ستعقد الأمور وترجئ الانتخابات الى ما لا نهاية علماً أنهما يكنان احتراماً وتقديراً لأزعور.
وكان ماكرون يرى ان ازعور او المصرفي سمير عساف من بين الشخصيات الجديرة بتولي منصب حاكم مصرف لبنان لكن الاثنين رفضا هذه الفكرة.
وعندما وضع ماغرو الوزير لودريان في أجواء وجود "الخطة ب"، تبدد تفاؤل المبعوث الفرنسي بانجاح مسار عون، وأجرى اتصالاً بمسعد بولس قائلا له ان يجب الا يكون هناك "خطة ب" واقترح عليه العمل على دفع ترشيح عون ووافقه بولس الراي.
واتصل بلودريان في اليوم نفسه الأمير يزيد بن فرحان ق ائلا له انه موجود في بيروت ودعاه للقائه. فتوجه لودريان للقائه. وكان الامير قد التقى برئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. فقال الأمير بن فرحان للودريان إن جعجع قد يسير بجوزف عون، وهو موافق مبدئياً، وإنه سيقول ذلك للودريان عندما يلتقيه وقد حصل ذلك.
يوم الأربعاء، ذهب لودريان ليتناول الغداء في منزل الزعيم اللبناني وليد جنبلاط، فسمع خلال الغداء أن سليمان فرنجية قد أيّد ترشيح جوزف عون وسحب ترشيحه.
بعدما عاد التفاؤل إلى لودريان، استخلص من لقائه مع "حزب الله" أن الحزب لم يعارض انتخاب عون، وأن رئيس البرلمان هو من يعارض ذلك. أما الرافض الآخر لعون فكان جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، الذي عندما التقاه لودريان لم يتطرق لا من بعيد ولا من قريب إلى موضوع انتخاب قائد الجيش، لأنه كان على علم بموقف باسيل من قائد الجيش.
وقبل مغادرته بيروت، أجرى لودريان اتصالاً بأموس هوكشتاين في واشنطن، ولاحظ عليه أنه كان متردّداً ومربكاً بوجود "الخطة ب"، مع احتمال ترشّح أزعور، فقال له المبعوث الفرنسي إن خطة كهذه قد تعقد الأمور وتؤجل الانتخاب إلى ما لا نهاية.
هكذا تعاونت فرنسا مع السعودية والولايات المتحدة لإنجاح انتخاب قائد الجيش. أما بالنسبة إلى تكليف الرئيس نواف سلام، فقد اضطلع النائب اللبناني ميشال دويهي بدور أساسي في دفع المعارضة المتمثلة بـ 31 نائباً إلى سحب ترشيحها للنائب فؤاد مخزومي، عندما قال لهم إنه لن يرشّح مخزومي، لأنه مرشّح خاسر أمام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وإنه يرشّح القاضي نواف سلام؛ فتردد بعض مؤيدي المخزومي، قبل أن تبدأ الأصوات المؤيّدة لسلام تتزايد نهار الأحد، وهو الذي كان غادر إلى لاهاي، معتبراً أن هناك صفقة مع الثنائي الشيعي لانتخاب عون مقابل إبقاء ميقاتي رئيساً للحكومة. لكن أصوات المعارضة أسقطت الصفقة، وكان دويهي تحدّث إلى رئيس اللقاء الديمقراطي تيمور جنبلاط، الذي كان رافضاً كليّا للمخزومي، ومؤيّداً للقاضي سلام. وصباح الإثنين، اتصل الرئيس ماكرون بوليد جنبلاط، ولاحظ أنه مربك، لأنه أبلغه أنه لن يؤيد ميقاتي، ولا نواف سلام، وأن نجله تيمور يؤيّد نواف سلام، فنصحه ماكرون بتبنّي موقف نجله، لأن ذلك يعني التغيير وصفحة جديدة في لبنان. أجرى ماكرون اتصالاً بنواف سلام عندما كان في لاهاي، بعدما كانت مستشارته آن كلير لوجاندر على تواصل مع سلام، خصوصاً أن الفريق الرئاسي الفرنسي يعرف سلام منذ وقت طويل، إذ كان المستشاران إيمانويل بون وآن كلير لوجاندر يعملان في السفارة الفرنسية في الأمم المتحدة عندما كان سلام سفيراً للبنان في الأمم المتحدة، وتربطهما فوق ذلك علاقة صداقة، وثقة، منذ ذلك الوقت. وكان ماكرون التقى نواف سلام قبل تكليفه برئاسة الحكومة، لكن فريقه وضعه بصورة قدرته وكفاءته لكونهم على صلة قديمة معه.
إلى ذلك، كان الأمير يزيد بن فرحان اتصل بلودريان ليسأله عمّا إذا كان لفرنسا مرشح لرئاسة الحكومة، فكانت إجابة لودريان أن لا مرشح لفرنسا لرئاسة الحكومة، وكانت فرنسا تعلم أن السعودية ليست متحمّسة لميقاتي، ولكنها وافقت على ترؤسه حكومة لمدّة سنة حتى الانتخابات. ولكن عندما ارتفعت حظوظ سلام، تضافرت جهود السعودية وفرنسا لدعم الخيار المحلي الذي دفعه دويهي لنواف سلام. وعكس ما كان يتردّد من أن فرنسا تريد ميقاتي لم يكن لباريس أيّ مرشح، وكانت الإشاعات حول ترشيح فرنسا لميقاتي انطلقت من الذين كانوا يريدون إبقاءه، لدرجة أن الرئيس بري عاتب الفرنسيين على تخلّيهم عن ترشيح ميقاتي، لكن الرئاسة الفرنسية لم تتردد لحظة في دعم سلام عندما ارتفعت حظوظ سلام.
رندة تقي الدين - "النهار"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|