يوم قال بري "صارو قاتلين من الحركة أكتر ما قتلت إسرائيل"
منذ غاب الإمام موسى الصدر في ليبيا في 31 آب 1978 قال رئيس حركة "أمل" نبيه بري كلامًا كثيرًا في إحياء هذه الذكرى. 47 مرّة وقف مخاطبًا محبّي الإمام المغيَّب. و47 مرّة ردّد الكلام نفسه تقريبًا حول أهمية الإمام الصدر ومدى تأثيره على البيئة الشيعية في لبنان مؤكّدًا متابعة مسيرته والثبات على خطّه. في العام المقبل في التاريخ نفسه سيكون للرئيس بري كلام مماثل في هذه المناسبة. ربّما الرقم وحده يتغيّر. 48 عامًا على غياب الإمام. لم يَغِب الإمام في ليبيا فقط. تمّ تغييبه في لبنان عن تاريخه وشعاراته وحضوره ولبنانيته وتمسّكه بدور الجيش. فهل يستطيع بري أن يحرِّره ويعيده من غيبته؟
يقف بري كل عام بين حدّين: حدّ الحنين إلى ما كان يمثّله الإمام موسى الصدر بالنسبة إليه وإلى الشيعة اللبنانيين. وحدّ مواجهة ما يمثّله "حزب الله" اليوم لهؤلاء. كأنّه يعيش بين نقيضين وإن كان يتم استحضار الإمام المغيّب من أجل زجّ اسمه في موضوع "المقاومة" على خلفية أنّه كان المؤسّس الأول لحركة "أمل" وأنّه الداعي الأبرز إلى رفض الاحتلال الإسرائيلي ومقاومته. ولكنّ مقاومة الصدر لا تشبه أبدًا مقاومة "حزب الله". والصدر لا يشبه أمين عام الحزب السابق السيد حسن نصرالله، ولا الشيخ نعيم قاسم، ولا السيد هاشم صفي الدين. والغريب أنّ الشيعة الذين مشوا، في معظمهم، خلف الإمام الصدر مشّاهم خلفه السيد حسن نصرالله ولم تعد لديهم مشكلة في مبايعة نظام ولاية الفقيه في إيران.
هذا النظام وصل إلى السلطة في إيران بعد عودة الإمام الخميني من باريس في أول شباط 1979 بعد ستة أشهر على إخفاء الإمام في ليبيا وهو متّهم بتقصيره في البحث عن الإمام ومصيره وعدم مساءلة العقيد معمر القذافي حول هذا الأمر بدل التأسيس لعلاقة جيّدة معه من أجل الصورة. ولا استفاد هذا النظام من علاقته مع رئيس النظام السوري حافظ الأسد من أجل حثّ رئيس النظام الليبي على كشف مصير الإمام. الاعتقاد السائد، وإن من دون الجزم به، أنّ الأنظمة الثلاثة، في طهران ودمشق وطرابلس الغرب، كانت تعرف ماذا حصل مع الإمام ولكنّها استمرّت في السكوت وهذا ما يلقي علامات استفهام كثيرة لا تزال تلفّ قضية إخفاء الإمام. من كان له مصلحة في هذه العملية؟ ولو بقي حيًّا هل كان أثّر على مسار التطورات في إيران؟ وهل كانت بوابة لبنان فُتِحت أمام "حزب الله"؟ وهل كان السيد حسن نصرالله صار رمزًا لجزء كبير من الشيعة في لبنان؟ وهل بالتالي أُزيحت صورة الصدر لكي تحل محلّها صورة نصرالله، وإن على دماء عدد كبير من الشيعة المؤيّدين للصدر ولحركة "أمل"؟
قَتَلوا أكثر مما قتلت إسرائيل
مشهور قول بري خلال الحرب مع "حزب الله"، في 2 كانون الثاني 1990، وفي تشييع المسؤول العسكري المركزي لحركة أمل حسن جعفر (أبو جمال) الذي قتله "حزب الله" في معارك إقليم التفاح في 31 كانون الأول 1989: "لَيْكو صاروا قاتلين من القادة وبإسم المقاومة أكثر مما قتلت إسرائيل. إسرائيل قتلت محمد سعد وخليل جرادي. هني قتلوا داوود (داوود) ومحمود (فقيه) وحسن (سبيتي) ومحمد حمود ومحمد جزيني قائد المقاومة و، و، و، واليوم أبو جمال (حسن جعفر) قائد القوات النظامية والمسؤول العسكري في حركة أمل وقائد المقاومة... هذه المعركة لو خلّونا فيها ميّة سنة، هذا الجنوب سيبقى لأبو جمال ولأولاد أبو جمال وأولاد أولاد أبو جمال"...
ولكن لم يتحقّق الوعد الذي وعد به بري الذي كان يتحدّث مطلقًا لحيته وواضعًا مشلحا حول رقبته ويتمتّع بصحة جيدة وبعزم في اللهجة الخطابية لم تعد موجودة في خطاباته المكرّرة منذ أعوام. ثمّة سباق أيضًا بين حضور بري الدائم والمستمر، وبين استعادة الإمام موسى الصدر. تلك مهمة لا يُعرف إذا كان سيُقيَّض لبري أن يحقّقها وهو لا يزال في موقعيه في قيادة حركة "أمل" ورئاسة مجلس النواب، مقيمًا في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة.
داوود ومحمود وحسن
قُتِل حسن جعفر في معارك إقليم التفاح التي استردّ بعدها "حزب الله" السيطرة على الجنوب، وقضى على سيطرة حركة "أمل" العسكرية فيه، ومهّد لإعلان اتفاق دمشق بين النظامين السوري والإيراني الذي قضى بأن يكون "حزب الله" الوحيد الذي يحتكر العمل المسلح مقابل حصول بري على التمثيل السياسي في السلطة. اغتيال جعفر جاء بعد 15 شهرًا على اغتيال قادة "أمل" الثلاثة على طريق الأوزاعي، داوود داوود ومحمود فقيه وحسن سبيتي، في 22 أيلول 1988، في المراحل الأولى للحرب بين طرفي الثنائي. وهم الثلاثة الذين ذكرهم بري مع آخرين في تعداد القادة الذين قتلهم "حزب الله".
على موقعها الإلكتروني، لا تزال حركة "أمل" تنشر السير الشخصية لهؤلاء من ضمن سير "القادة الشهداء".
تقول: "وُلد الشهيد داوود داوود في تربيخا عام 1944... التقى سماحة الإمام السيد موسى الصدر في أوائل الستينات خلال ليالي القدر من شهر رمضان حيث كان داوود يعتلي المنبر ويقدم خطب الإمام... لم يفارق الإمام فكان رفيقه الدائم في البيت والمسجد... كان له العديد من المسؤوليات الحركية وآخرها رئيساً للهيئة التنفيذيّة لحركة "أمل". استشهد في بيروت، طريق الأوزاعي، اغتيالاً مع أخويه الشهيد محمود فقيه والشهيد حسن سبيتي يوم 22 أيلول 1988".
وعن محمود فقيه مكتوب أنّه "في 22 أيلول 1988 امتدت يد الإجرام لتغتال فقيه ليستشهد مع صديقيه داوود داوود وحسن سبيتي في مكمن مسلح استهدف موكبهم في الأوزاعي"... وعن سبيتي كُتب أنه "خاض العديد من المواجهات البطولية مع الاحتلال الإسرائيلي في صفوف أفواج المقاومة اللبنانية "أمل" واستشهد مع القائدين داوود داوود ومحمود فقيه في رحلة توجيه البوصلة نحو الجنوب بتاريخ 22 ايلول 1988".
قضية الصدر وبوصلة الجنوب
هل يعيد بري توجيه البوصلة نحو الجنوب في قضية الإمام الصدر؟ يد الإجرام التي تتّهمها حركة "أمل" باغتيال الثلاثة يتجنّب الرئيس بري الإشارة إليها في خطابات التذكير باختفاء الإمام. على عكس ذلك أعلن في خطابه الأخير أنّ "هذا السلاح عزّنا وشرفنا". قال: "إن العقول الشيطانية أخطر على لبنان من سلاح المقاومة الذي حرّر الأرض والإنسان وصان الكرامة والسيادة الوطنية. وبالرغم من هذا النكران نعود ونؤكّد انّنا منفتحون لمناقشة مصير هذا السلاح الذي هو عزّنا وشرفنا كلبنان، في إطار حوار هادئ توافقي تحت سقف الدستور وخطاب القسم والبيان الوزاري والقوانين والمواثيق الدولية بما يفضي إلى صياغة استراتيجية للأمن الوطني تحمي لبنان وتحرّر أرضه وتصون حدوده المعترف بها دوليًا، وأبدًا ليس تحت وطأة التهديد وضرب الميثاقية واستباحة الدستور ولا في القفز فوق البيان الوزاري وتجاوز ما جاء في خطاب القسم والإطاحة باتفاق وقف إطلاق النار الذي يمثّل إطارًا تنفيذيًا للقرار 1701". قال بري أيضًا: "ما يعزِّز لدينا القناعة بأنّ جريمة اختطاف إمام الوطن والمقاومة ورفيقيه في آب عام 1978 تتجاوز في أبعادها وملابساتها من كونها تغييب أشخاص أعزاء وقامات شامخة ورموزًا محورية على المستوى الوطني والروحي والإنساني فحسب إنّما هي أيضًا محاولة متواصلة ودائمة لاختطاف لبنان بما يمثّل من موقع ودور ورسالة حضارية للعالم".
ليس القذافي وحده من خطف الإمام
ربما يصح هذا الكلام عن اتهام القذافي باختطاف لبنان عام 1978 مع اختطاف الإمام. ولكن هذه العملية مستمرّة منذ 47 عامًا وبعد 14 عامًا على سقوط نظام القذافي. فمن أرد خطف لبنان من خلال خطف الإمام؟ وهل من مسؤولية الرئيس بري تحرير الإمام من خاطفيه واستعادة دوره وحضوره واستراتجيته في الحفاظ على الكيان اللبناني وعلى التأكيد أنّ الجيش اللبناني وحده هو الذي يحمي الجنوب ويجنّبه أي اجتياح إسرائيلي ويحرّره من أي سلاح آخر، من فوضى السلاح الفلسطيني، وحتى من سلاح حركة "أمل" قبل أن يكون هناك "حزب الله".
في اليوم التالي لاتفاق وقف النار الذي رعاه بري ووافقت عليه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في 27 تشرين الثاني الماضي وكانت أجواء الهزيمة مهيمنة على "حزب الله" قال بري في كلمة وجّهها إلى اللبنانيين: "اللحظة هي لكل اللبنانيين كيف ننقذ لبنان ونبنيه ونعيد الحياة إلى مؤسساته الدستورية وفي مقدّمها الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية لا يكون تحدّيًا لأحد يجمع ولا يفرق، ويا أيها النازحون عودوا إلى أرضكم التي لا يمكن أن تزداد شموخًا ومنعة إلا بحضوركم وعودتكم إليها".
وخاطب من سمّاهم "حفظة جميل الإمام السيد موسى الصدر وتعاليمه" قائلًا: "كنتم الصدر الذي اتسع لأهلكم الوافدين من الجنوب والبقاع والضاحية والذين أخرجوا من ديارهم بغير حق بفعل الهمجية الإسرائيلية، مجسدين بهذا العمل الإنساني النبيل وجه لبنان الحقيقي تلاحمًا ووحدة وطنية كان لبنان على الدوام ولا يزال بأمس الحاجة اليهما لحفظه وطنًا نهائيًا لجميع أبنائه ولصون سيادته فوق كامل ترابه جنوبًا وشمالًا وشرقًا وغربًا سماءً وبحرًا وحدودًا".
تحقيق هذه السيادة هو الذي يحرّر الإمام موسى الصدر. فهل يبادر بري أم سيكرّر في 31 آب 2026 ما قاله في 31 آب 2025 وفي كل 31 آب من كل عام سبق؟
نجم الهاشم - نداء الوطن
شاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|