إقتصاد

ثروة لبنان النفطية عودٌ على بدء

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كتب العميد الدكتور" غازي محمود" :

حرك إتمام الاستحقاق الرئاسي "مياه الجمهورية الراكدة"، وأعاد الى طاولة البحث كافة القضايا السياسية والاقتصادية التي حالت الظروف المحلية والاقليمية دون وصولها الى الحلول المناسبة. ويأتي في طليعة هذه القضايا التنقيب عن النفط والغاز في مياه المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، خاصةً بعدما توجه رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون الى نظيره الفرنسي الرئيس ايمانويل ماكرون لدى استقباله في القصر الجمهوري، طالباً منه حث شركة TotalEnergies على متابعة اعمالها في لبنان. 

وشركة TotalEnergies هي الشركة المشغلة في الائتلاف الذي يضمها الى جانب شركتي Novatech وENI، وهو الائتلاف الذي فاز بالرقعتين 4 و9 نتيجة دورة التراخيص الأولى التي اطلقت في شباط/فبراير 2017، فيما تم توقيع اتفاقيتي الاستكشاف والإنتاج في العام 2018. أما أعمال التنقيب فقد تأخرت حتى الخامس والعشرين من شباط 2020، تاريخ وصول سفينة الحفر Tungsten Explorer الى نقطة حفر البئر الاستكشافية الأولى في الرقعة رقم 4، فيما انتهى الحفر في الثامن من أيّار 2020.

انتهاء الحفر الذي أعلنت عنه الشركة المشغلة هو في حقيقته توقف عن متابعة الحفر في الرقعة رقم 4، حيث أقدمت الشركة على وقف أعمال الحفر بعد أن وصل إلى عمق 4076 متراً من قعر البحر بدلاً من 4200 متراً، العمق الذي تنص عليه اتفاقية الاستكشاف والإنتاج. وعلى الرغم من أن تقرير الشركة تحدث عن وجود نظام هيدروكربوني، إلا أنها لم تتمكن من العثور على الخزانات التي تُشكل الهدف الرئيسي للحفر الاستكشافي، ما شكل مفاجأة غير سارة للبنان. 

التعثر في استكشاف النفط والغاز اللبناني، استمر مع اعمال حفر البئر الاستكشافية في الرقعة رقم 9 التي تأخر انطلاقها حتى الرابع والعشرين من آب/أغسطس 2023، بعد تأخيرٍ أول تسببت به الأضرار التي الحقها انفجار مرفئ بيروت في الرابع من آب 2020 بالقاعدة اللوجستية المخصّصة لتنفيذ الأنشطة البترولية في المياه البحرية اللبنانية. كما ساهم في هذا التأخير انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية وإعادة الشركات النظر بأولوياتها، الامر الذي كبح الحماسة التي كانت تعمل بها الشركة المشغلة. 

وفي الوقت الذي كان الرهان كبيراً أن يُسفر الحفر في الرقعة رقم 9 عن نتائج إيجابية، جاء التوقف عن استكمال حفر البئر الاستكشافية ليكرر مشهدية التوقف في الرقعة رقم 4، حيث توقف الحفر على عمق 3900 متراً خلافاً لنص الاتفاق الذي يقضي بأن يصل الحفر الى عمق 4400 متر. وتجدر الإشارة الى أن التوقف قبل بلوغ أيٍّ من الأهداف المحددة للحفر هو بمثابة التخلي عن الرقعة بأكملها في حال عدم حفر بئر بديلة، لكون البئر الاولى تُشكل جزءاً من التزامات الحد الأدنى من موجبات الاتفاقية.

وبالتالي كان على الشركة المُشغلة القيام بحفر بئرٍ بديلة عن البئر التي تم التوقف عن حفرها، او التخلي عن الرقعة المعنية عملاً بأحكام اتفاقية الاستكشاف والإنتاج. وفي هذه الحالة، لا يُمكن للشركة المشغلة التذرع بمسألة تكاليف حفر البئر البديلة، خاصة وأن التزام الحد الأدنى لموجبات العمل بحسب الاتفاقية، ليس موجب حدٍ ادنى للإنفاق، انما هو موجب حد ادنى لموجبات العمل (الحفر)، بحسب الفقرة الخامسة من المادة الثامنة من اتفاقية الاستكشاف والانتاج. 

ولم تكتفِ الشركة المشغلة بالتوقف عن الحفر، بل عمدت أيضاً الى المماطلة لا بل الى الامتناع عن تقديم تقريرها المتعلق بنتائج الحفر، الذي كان من المفترض أن يُسلَم الى وزارة الطاقة خلال 6 أشهر من انتهاء اعمال الحفر، أي أن هذه المهلة قد انتهت فعليّاً في منتصف نيسان 2024. ولا زالت الشركة تمتنع عن تسليم تقريرها المتعلق بنتائج الحفر على الرغم من مُضيّ قُرابة الـ 10 أشهر من انتهاء المهلة.

وفي تصرف الشركة المشغلة لا بل الائتلاف مجتمعاً المتعلق بالاشتراك في دورة التراخيص الثانية المتعلقة بالرقعتين 8 و10 ما يدعوا للريبة، حيث تقدم الائتلاف بعرضه للاشتراك في آخر يوم من المهلة وقبل أقل من ساعة من نهايتها. وإذا كان من تفسير لما أقدمت عليه الشركة المشغلة ومن ورائها الائتلاف، ابتدأً من الرقعة رقم 4 مروراً بالرقعة رقم 9 وصولاً الى الاشتراك بدورة التراخيص الثانية، هو عرقلة وتأخير محاولات لبنان استثمار موارده من النفط والغاز وصولاً الى التحكم بمصيرها ومسارها. 

ذلك أن التطورات التي تلت التوقف عن حفر البئر الاستكشافية في الرقعة رقم 4، بينت أن السبب الفعلي هو الضغط على لبنان للسير بترسيم الحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة مع العدو الإسرائيلي. وكذلك الامر بالنسبة للرقعة رقم 9، حيث جاء التوقف عن استكمال الحفر ليُبين أن استكمال التنقيب يتوقف على نضوج التسوية في المنطقة وتوقف حرب اسناد غزة. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن استخراج الغاز والنفط ليس قراراً داخلياً، بل قرار جيوسياسي يرتبط توقيته بحسابات إقليمية ودولية تتخطى البلد.

إلا أن المشكلة لا تكمن في الضغوط الإقليمية والدولية التي رافقت عملية التنقيب وحسب، بل أيضاً في المقاربة الداخلية للملف برمته من لحظة إعداد نماذج الاتفاقيات ودفاتر الشروط وما ادخل عليها لاحقاً من تعديلات. وهي تكمن أيضاً في أن احاطة وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع النفط بأعمال التنقيب تعتمد على التقارير التي تُقدمها الشركة المشغلة، الامر الذي يجعل من متابعة الدولة لأعمال التنقيب متابعة شكلية ويجعلها غير قادرة على تقديم أجوبةٍ دقيقة حول نتائج الحفر لا في الرقعة رقم 4 ولا في الرقعة رقم 9 ومصيره المستقبلي.

وغداة انطلاق العهد الجديد وبمناسبة تحريك ملف التنقيب عن النفط والغاز، لا بد من استدراك الثغرات التي ينطوي عليها نموذج اتفاقية الاستكشاف والإنتاج. ولا بد كذلك من تضمينه الاحكام التي تنظم التعامل مع كافة القضايا المتعلقة باستخراج النفط والغاز سواء من البر اللبناني، او من قعر مياه المنطقة الاقتصادية الخالصة. وعلى القيمين على ملف النفط والغاز المبادرة الى تعديل دفتر الشروط الخاصة وإعادة النظر بشروط الاشتراك بدورات التراخيص للمزايدة على الرقع في المياه البحرية اللبنانية، لا سيما لجهة حجم الشركات التي يُمكنها المشاركة.  

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا