من "السلامة" إلى "الأمن".. بريطانيا تغيّر استراتيجيتها في الذكاء الاصطناعي
هل يقع ترامب؟
المصارعة مع ترامب لعبة صعبة جداً، ومليئة بالمخاطر. فهو الثقيل والشَّرِه والمستشرس، وهو الخائف من الانحدار الإمبراطوري، واتجاهات العالم المنافس، والمتوثب إلى تجميع أوراق القوة بين يديه، وإخضاع الحلفاء قبل أن يفكر الخصوم في مواجهته.
والرجل ينطلق من سباق مع الوقت، وأمام داخل سينفجر، وخارج يسرّع الخطى، ومن غير المعروف إذا كان يمكن اللحاق به بعدُ (الصين)، وخصوم أقوياء ومتحمّسين للتعبير عن أنفسهم (روسيا وإيران…)، وشركاء يجدون مصالح وخيارات كثيرة إلى جانب أميركا (السعودية، تركيا، مصر، الهند…). فماذا سيفعل؟
يهجم ترامب الآن على الدولة العميقة وأنصار العولمة والديمقراطيين، وعلى الحلفاء والخصوم معاً، ليجمع الأموال والأوراق، ويضرب السياسة بالسياسة، ليصعق من يفكر في المقاومة.
الخطوة الأخيرة كانت فتح النار على المؤسسات الداخلية للدولة العميقة، ومنها تقويض وكالة الاستخبارات المركزية، من خلال قطع شرايين تمويل الوكالة الأميركية للتنمية.
لكنه يربّي في حضنه أفعىً أكثر دهاءً منه، ووفق رأيي، ربما تكون هذه الأفعى هي وريثة الترامبية: إنها إيلون ماسك. الآن، يسير الرجلان جنباً إلى جنب، بتناغم وتنافر مُدارين بعناية حتى اللحظة، لكن احتمالات الافتراق كبيرة، وستظهر.
كيف ينظر ترامب إلى الخارج؟
الخطر الأكبر هو الصين. الآن، يريد الرجل الإمساك بشرايين التجارة العالمية، وعُقْدتَي اتصالها: باناما والسويس، والضغط على إيران من أجل تأمين تدفق سلس من هرمز وباب المندب للطاقة والشحنات التجارية لمصلحة أميركا، وضد مصلحة الصين التي تَعُدّ هذه المنطقة خطَّ إمدادٍ حيوياً للطاقة، ومساحة تعاون شديدة الحساسية لمشروع الحزام والطريق (حزام واحد، طريق واحد).
ما الذي يُسيل لعاب ترامب في غزة؟
لذلك، فإن الضغط الأميركي على مصر والأردن بخصوص غزة يصيب مجموعة طيور في حجر واحد:
· أولاً: تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الدولتين، مع إخراج مسرحيّ تبدو العملية معه عبارةً عن حلٍ سياسي يحمي الغزيين، بدلاً من أن يبدو، في حقيقته، عمليةَ ترحيل وتطهيرٍ عرقيين - وهي جريمة ضد الإنسانية - واستيلاءً بالقوة على أراضي شعب، والتعامل معها كصفقة عقارية، كما قال ترامب نفسه.
· ثانياً: الحضور الأميركي المباشر في غزة، والذي يمكّن "إسرائيل كبرى" من حكم المنطقة من جهة، ويمكّن ترامب من إحكام القبضة على رقاب حكام "إسرائيل" على الدوام، من أجل منع تكرار التمرد على رئيس أميركا وابتزازه (مثلما فعل نتنياهو مع بايدن).
· ثالثاً: السيطرة المباشرة، أو عن قرب، على قناة السويس، بعد باناما. وهذه هي النقطة، التي لا تقل خطورةً عن ترحيل الفلسطينيين عن غزة.
لكنّ هناك شيئاً آخر:
انه الجشع الشخصي، فلعاب ترامب يسيل لامتلاك البحر والشمس في غزة، وربح ريفييرا ساحرة في الشرق الأوسط، تتجاوز فلوريدا.
ومع النقاط السابقة، تولّدت في أحلام ترامب ولاية شرق أوسطية غير "إسرائيل"، له، وليس لأميركا.
لكن ذلك لا يزال في ميدان الكلام، وللغزيين كلمة حاسمة فيه، إذا كان يعرف عنهم القليل فقط.
وهناك حماس أيضاً، فماذا عنها؟
بالنسبة إلى حماس، يبدو أنها تشعر بالنيّات العدوانية لترامب ونتنياهو معاً، بعد تسليمها الأسرى جميعهم. لذلك، هي تفكر في أن تجنّب تحقيق أهدافهما (نتنياهو وترامب)، متمثلةً باستئناف الحرب أو الترحيل، لا يمكن إلا من خلال إطالة أمد مراحل التنفيذ، التي يكون فيها لدى الحركة أسرى إسرائيليون.
وهذا، من ناحية أخرى، يمكّن الحركة والدول العربية، التي تتعرض للضغوط، من هامش مناورة ضروري لكسب الوقت، عسى أن يتغير شيء في الملفات التي على طاولة ترامب، يشغله عن تنفيذ خطته للاستيلاء على غزة وطرد أهلها منها.
لكن، ما هي هذه الملفات التي يمكن أن تُغرقه في تفاصيلها؟
يمكن لهذه الملفات أن تكون اشتعال الداخل الأميركي ضد ترامب، بفعل تدخل الدولة العميقة، مع مرور الأسابيع وتشابك الأحداث (وخصوصاً حملة التطهير في الإدارة الأميركية التي يشنها ترامب)، أو فشل مشروع الحل السياسي للأزمة الأوكرانية، والذي يسرّع ترامب الخطى من أجل تحقيقه الآن، أو ربما تكشّف مستقبل مقاربة ترامب تجاه إيران بين الصفقة والحرب.
كيف يتعاطى ترامب مع إيران؟
نشهد الآن مزيجاً، على طريقة ترامب، للتهديدات والمغريات تجاهها. التهديدات تتمثل بالحديث عن منع امتلاك سلاح نووي، في حين أن إيران تقول إنها لا تريده أصلاً، كما في استعادة الحديث، عبر الإعلام الأميركي، على لسان فريق ترامب، بشأن "تهديدات أميركية سابقة باغتياله". أمّا المغريات فهي من خلال قول ترامب إن إيران من الدول التي ترغب في السلام في المنطقة، وإنه قادر على الوصول إلى اتفاقٍ معها.
الحرب أم الصفقة؟
في جميع الأحوال، ينظر ترامب إلى إيران من زوايا متعددة، تجتمع فيها ضرورة قطع الطريق على الصين قبل المواجهة الكبرى، وإطفاء الحضور الإيراني الموسّع في المنطقة، وهذا ملف غير سهل، لكن مدخله يمكن أن يكون الاتفاق على تناغم معين في المضائق التي تحضر فيها إيران.
وأبعد من ذلك، ينظر إليها كعازل جيوسياسي بين القوقاز والشرق الأوسط. وهي، من هذا المنطلق، مهمةٌ في تعويق اتصال القوى الكبرى المناهضة لأميركا (الصين وروسيا) حين يحدث الصدام الكبير.
حسناً، ماذا عن بقاء الاحتلال الإسرائيلي في جنوبي لبنان؟ وما احتمالات تجدّد الحرب هناك؟
تبدو إسرائيل متجهةً إلى البقاء في خمس نقاط حاكمة على تلال المنطقة الشرقية في الجنوب اللبناني، على نحو يُعَدّ احتلالاً معلناً لا يقوم على أي أساسٍ، سوى الموافقة الأميركية.
لكن ذلك دونه معركة ديبلوماسية شديدة الوطيس، لا يجب للبنان أن يتردد في تصعيدها، مع إبقاء الخيار العسكري، من جانب الشعب والمقاومة، خياراً مستقبلياً مشروعاً ومطلوباً، لكن مواقيته لن تكون قريبةً، وستُصاغ على مهلٍ، بحكم الظروف نفسها التي تتطلب الوقت. وكما في حالة حماس، فإن إعطاء الوقت للخيار العسكري، ليحل محل الخيار السياسي والضغوط الديبلوماسية على الاحتلال، يبدو اتجاهاً حكيماً، من باب المراهنة على تبدل دينامية الأولويات الأميركية، بالتدريج.
ماذا يعني ذلك؟
الأرجح أن سيناريو المرحلة المقبلة لن يشهد تجدد الحرب في هذه الجبهة، بل إن اتفاق وقف إطلاق النار سيبقى حاكماً للمشهد، مع توترٍ شديد يبقى مرجَّحاً في الداخل اللبناني، وبين لبنان والتناغم الإسرائيلي - الأميركي على تحقيق مصلحة "إسرائيل" وحدها. والأفق البعيد لهذا المسار سيُعيد الأميركيين إلى مواجهة خياراتٍ سابقة، فإما يُبعدون "إسرائيل" عن لبنان بأنفسهم، وإمّا سيُولّدون ظروف القنبلة التي ستعود إلى الانفجار بهم في لبنان، ذلك بأن التركيبة المجتمعية في هذا البلد لا يمكن أن تخمد نيران الرفض مهما بدا الرماد مستقراً.
كيف نرتّب المخاطر في المنطقة الآن، من الأخطر إلى الأقل خطورة؟
في ترتيب المخاطر الكبرى في المنطقة الآن:
· أقصى المخاطر تطال الفلسطينيين وقناة السويس (وهذا لا يفترض قبول مصر للترحيل لتحفظ نفسها، بل العكس تماماً، أن تجمع العرب حولها لترفض دفاعاً عن الفلسطينيين وعن نفسها وقناتها).
· ثم إيران، واحتمال الحرب، أو إشعال فتائل انفجار في الداخل.
· المخاطر على لبنان والأردن أقل، لأسباب متعددة لكل منهما.
لكن، في هذه المستويات الثلاثة، قرارات ترامب ليست قدراً، ويمكن إفشالها.
محمد سيف الدين - الميادين
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|