الصحافة

مع انتهاء التشييع صدّق كثيرون استشهاد السيد

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كان تشييعاً مهيباً كما أراده المنظّمون، وكما استحقّه الشهيدان السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين. عبثاً تبحث عن عدد المشاركين في مشهد يحكي عن طوفان بشري لا مثيل له في أي تأبين في تاريخ لبنان الحديث والمنطقة منذ سنوات طويلة.

الناس لم يناموا ليلة السبت. مشوا قبل طلوع الفجر، وانتظروا عند بوابات ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية، وامتلأت الشوارع المؤدية إلى مكان التشييع في طريق المطار وعند السفارة الكويتية منذ ساعات الصباح الأولى بالمشيّعين، المتّشحين بالسواد، والحاملين «سيدهم» على ظهورهم وبيدهم صوراً وأعلاماً، وفي قلوبهم «السيد لا يغيب، رحل جسداً لكنّ روحه معنا وفكره مخلّد»، كما عبّروا في وداعه إلى المثوى الأخير.

أمس، كان الحشد عظيماً، عابراً للقارات، اختزل الحدود الجغرافية، وخلط الثقافات بعضها ببعض تحت لواء «محبي السيد وحاملي إرثه»، إذ تلتقي بذوي البشرة السوداء والسمراء والبيضاء والشقراء، ومرتدي الأزياء الأوروبية والأفريقية واليمنية والعراقية والتركية والإيرانية. كما جمع الشيخ والشاب والطفل، رجالاً ونساء.

كهل يمشي على عكازة، وثمانينية تلتقط أنفاسها وتأخذ قسطاً من الراحة لتتابع المسير، وثلاث سبعينيات جئن من صدّيقين في جنوب لبنان، حانيات الظهر في انتظار وصول النعشين في الآلية على أوتوستراد الأسد. وفي المقابل أطفال حضروا «لنشيّع أبانا»، كما يقول حسن ابن السبع سنوات الذي أصيب في يديه ليصل إلى نعش الشهيدين ويمسك بوردة تحمل رائحة السيد.

لم ينزل هؤلاء المحبّون إلى الشوارع استجابة لرغبة عاطفية لا واعية. فإلى جانب تعلّقهم الشديد بشخص السيد حسن، أراد المشاركون إيصال رسالة للعدو أنّ «بقتله السيد لم يهزم المقاومة، لأن دماء السيد ستخرج آلاف المجاهدين كما فعلت دماء الشهيد عماد مغنية»، تقول سيدة بحرينية. ويضيف رجل عراقي: «لن نتوقف وسنأخذ ثأر نصرالله».

كما أرادوا تجديد البيعة والوفاء والولاء لهذا الخط ولهذا النهج، وهو ما عبّروا عنه في مسيرة التشييع. لذلك هتفوا: «هيهات منّا الذلة» و«الموت لإسرائيل وأميركا»، رغم استعراض القوة للطائرات الإسرائيلية فوق رؤوسهم.

كان أمس يوم إطلاق العنان للحزن المؤجّل والدموع التي كُبتت طوال خمسة أشهر بين القرار بالصلابة خلال فترة الحرب وعدم تصديق نبأ الاستشهاد بعدها. بكى محبو السيد كثيراً في وداعه، ولا سيما لدى رؤية سيدهم في نعش يسير حولهم في أرضية ملعب المدينة، على وقع صوته. انتظر الآلاف على جانبي الطرق مرور الآلية التي تحمل النعشين في طريقها إلى مكان الدفن، ومنهم من لحق بها ليمسح شاله أو ليلمس النعش، ونساء ينحن: «مش لابقتلك هالنومة، قوم يا أبو هادي»، ورجال يضربون على رؤوسهم.

رغم التشييع ظلّ البعض غير مصدّق استشهاد السيد، متأملين أن يخرج بينهم. لذلك كانوا عند أي كلمة تعبّر مجازاً عن آمالهم مثل أقوال شعراء «قم من نعشك»، أو «قم وحَيِّ نصرالله»، يتلفتون حولهم، كما يهبّون كلما وقف الحشود ظنّاً أنها اللحظة الفصل التي سيظهر فيها السيد، ثم يجلسون خائبين. عندما خرجوا من المدينة، وانتهى التشييع، صدّقوا أنّ «السيد راح»، ما تسبّب بحالات إغماء وهلع وصراخ هستيري. خرجت خديجة من خيمة الهيئة الصحية بعدما غابت عن الوعي، تقول: «انتظرته يخرج علينا بخطاب لكنه لم يفعل، لقد رحل حقاً»، وتضيف باكية: «والآن كيف نعيش من دونك؟».

حضور عراقي لافت

مهما قدّمت البيئة تشعر بأنها مقصّرة في حق سيدها عليها، فالمشاركة في عزائه «أقل واجب»، برأي ريما التي خسرت أخاها ومنزلها في الضاحية الجنوبية وفي حولا، وتقول: «يا ريت قدّمنا كل شي وبقي السيد، لم أشعر باليتم عند خسارة شقيقي كما شعرت عند خسارة السيد». وينسحب الأمر على الأجانب، بمن فيهم العراقيون الذين كان حضورهم لافتاً، و«لولا العوائق أمام النقل الجوي وخسارة طريق سوريا براً، لوصل عدد المشاركين إلى 5 ملايين، فحضورنا نقطة في بحر عشقنا للسيد وذوباننا فيه»، بحسب مدير حوزة في العراق. من جهته، يرى عضو البرلمان العراقي أحمد المسعودي أن حضوره «جزء من الوفاء للسيد الذي تفضّل علينا في وقت انتشار داعش، وأرسل لمساندتنا قوة فتية لم تقصّر معنا». برأيه، «خسرنا حسين عصرنا»، بخسارة السيد، قبل أن يقول آخر: «لقد أعطانا السيد دروساً وعبراً لا مثيل لها، ومعاذ الله أن يكون أفضل من النبي محمد لكننا عشنا في زمن نصرالله وتعلّمنا منه الإسلام». وتتمنى أم جعفر «لو راح كل مالي وأفراد عشيرتي وظلّ السيد». تتكئ السبعينية البحرينية على عكاز، وتزور لبنان للمرة الأولى، لكنها لن تكون الأخيرة، «لأنني سآتي لزيارة قبر السيد المخلّد». وتنقل أم جعفر سلام أهل الخليج المضطهدين للسيد الذي «ما تركهم خاصة البحرين واليمن. فدائماً كان لنا مكان في خطاباته وقلبه، وكان قائد الأمة الذي حفظ لنا كرامتنا».

الأتراك في بلد «السيد والمقاومة»
في مكان عروج السيد حسن نصرالله في حارة حريك، عشية يوم التشييع، حضر وفد تركي المراسم، قد ارتدى أفراده شعار «إنَّا على العهد» وأعلام بلدهم، مؤكدين أن «نصرالله لم يكن يوماً رجلاً محلياً». يبكون بحرارة، ويهتفون «الموت لأميركا ولإسرائيل»، وعندما يسألهم المنظّم: «من أنتم»، يجيبون: «حزب الله»، «قائدكم؟»: «نصرالله». لا يعرفون العربية، ولا يعرفون عن لبنان سوى أنه «بلد السيد والمقاومة». أتت بشرى من دياربكر، ومعها قادمون من بورصة وإسطنبول وأنقرة لأن نصرالله «مصدر إلهام للمقاومة ليس فقط في لبنان ولا في القدس، ولا في أي في بلد عربي، بل لكل المقاومة الإنسانية ضد الظلم، وفي سبيل الحرية». ومع أنها كردية، ولا «أؤمن بعقيدة حزب الله، لكنني أعرف أن الحزب على حقّ لأنه يواجه إسرائيل وأميركا، الشيطان الأكبر».

زينب حمود الاخبار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا