حاصباني من دار الفتوى: التحديات كبيرة من ضمنها التعافي وبسط سلطة الدولة
الدولة فازت في مباراة تشييع نصر الله
فازت الدولة أمس في المباراة التي جرت في مدينة كميل شمعون الرياضية التي أعاد الرئيس رفيق الحريري تأهيلها بعد النهاية المأساوية للسلاح الفلسطيني عام 1982 . واستطاع “حزب الله” في هذه المدينة الرياضية أن ينجز تشييع أمينه العام السابق السيد حسن نصرالله وخلفه السيد هاشم صفي الدين في حرب أيلول الماضية، ما سمح بتشييع حفظ كرامة الراحلين وكذلك حفظ كرامة جموع المشاركين في المناسبة. ويعود الفضل إلى الدولة التي سمح وجودها مجدداً في الأسابيع الأخيرة وإعادة تكوين مؤسساتها التنفيذية بإنجاز هذا الاستحقاق المهم بعد مرور نحو 5 أشهر على مصرع نصرالله. ولنتخيل المشهد لو لم تكن هناك دولة لبنان الجديدة؟ ويفهم كثيرون أنّ الذي منع إسرائيل من قلب المشهد هو التأثير المعنوي لهذا اللبنان وامتداداته العربية والدولية.
سيكون هناك متسع من الوقت لمراقبة سلوك “الحزب” من الآن فصاعداً بعد كلمة أمينه العام الشيخ نعيم قاسم . وسيتبين إلى أي مدى سيلتزم “الحزب” قولاً وفعلاً بما تضمنته كلمة قاسم لناحية الاعتراف بدور الدولة.
في أي حال ، بذل “حزب الله” قصارى جهده على مدى أسابيع خلت كي يكون تشييع أمينه العام السابق نصرالله أمس مشهوداً. وصمم “الحزب” على ما ظهر أن تكون الجنازة فرصة لانبعاث “الحزب من جديد بعد الخسائر الفادحة التي مني بها من أعلى الهرم إلى أدناه. ويكفي هنا الإشارة إلى ما وصف بـ”مجزرة البايجرز” أي تفجير إسرائيل آلاف أجهزة المناداة بأيدي مستخدميها من نشطاء “الحزب” في 17 أيلول المنصرم أي قبل مصرع نصرالله بعشرة أيام، كي ندرك حجم هذه الخسائر التي ما زال تقديرها النهائي مستمراً.
أعاد مشهد الحشود التي أنجزها “حزب الله” أمس في مدينة كميل شمعون الرياضية في بيروت الى الذاكرة “مهرجان الانتصار” الذي أقامه “الحزب” في 22 أيلول 2006 بعد نهاية حرب شنتها إسرائيل ودامت 33 يوماً ضد “حزب الله” في الظاهر ولكن استهدفت لبنان بشراً وحجراً على امتداد مساحته. وأطل نصرالله في ذلك اليوم شخصياً على جمهور يفوق بالتأكيد عدداً جمهور التشييع أمس ليدشن مرحلة جديدة في تاريخ لبنان والمنطقة. وتميزت تلك المرحلة بأنها آخر الظهور العلني لزعيم “الحزب” بعد تهديد مباشر من إسرائيل بأنه صار هدفًا لها من ذلك التاريخ.
ومضى الأمين العام الجديد لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم على طريق نصرالله في التواري عن الأنظار. وشمل تواريه حنى مناسبة تشييع سلفه فأطلّ عبر الشاشة ليلقي كلمة في المناسبة.
إذاً، سيبدأ من الآن فصاعداً رصد سلوك “حزب الله” وراعيه الإيراني في كيفية التعاطي مع لبنان . وسيتبين من خلال هذا الرصد ما إذا كان “الحزب” ومن خلفه طهران سيمضيان قدماً على الطريق نفسه بعد حرب عام 2006 ، أي اعتبار “المقاومة” التي يكني “الحزب” نفسه بها أصبحت كياناً خاصاً داخل الكيان اللبناني يمارس سطوته أمنيًّا، كما فعل في 7 أيار 2008 ، وسياسياً طوال الفترة الممتدة من اتفاق الدوحة الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وخلالها تشكيل حكومات وإسقاطها ، وصولاً الى اتخاذ “الحزب” قرار فتح جبهة حرب في الجنوب في 8 تشرين الأول 2023 .
تشير بعض المعطيات إلى أنّ “حزب الله”، يريد فعلاً ولكنه لا يستطيع حتى الآن، مواصلة مرحلة ما بعد حرب تموز 2006 . وتواترت مواقف من داخل بيئة “الحزب” على لسان ناطقين باسمه، أن انحسار نفوذه الذي تجلى في انتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة هو مسألة وقت ليس إلا. ولخص هذه المسألة النائب حسن فضل الله الذي أطلّ عشية تشييع نصرالله. فقد قال فضل الله :”هذه مرحلة نريد أن نمررها وهذه المرحلة نريد أن نسير فيها وفق ما تقرره قيادة “حزب الله”. أما الموقف الإيراني فكان صريحا عشية مواراة نصرالله . وجاء هذا الموقف على لسان علي لاريجاني مستشار المرشد علي خامنئي ، قال: “سيتضح للحكومة اللبنانية لاحقاً أنه لا يمكن العيش بأمان في مواجهة إسرائيل دون المقاومة”.
عاد نصرالله بعد “مهرجان النصر” في أيلول 2006 الى مخبئه لكي يمارس سلطة لم يحظ بها أحد في لبنان والعالم من موقعه غير الرسمي. لكن هذا النفوذ انتهى في 27 أيلول 2024 .
بدورها عادت الحشود التي شاركت في مهرجان أيلول 2006 إلى مناطقها معززة بدعم لا مثيل له لبنانياً وعربيا ولا سيما خليجياً ما سمح بإعادة إعمار ما تهدم في كل لبنان فعاد بفضل دعم سخي أفضل مما كان.
أما بالأمس، فعاد نصرالله إلى مدفنه الفخم في الضاحية. وعادت حشود التشييع إلى أماكن الدمار الذي سيستمر طويلاً بسبب تعقيدات المساعدات التي لن تتكرر كما حصل عام 2006 .
أقرب صورة مماثلة لحشود التشييع أمس تلك التي تأتينا يوميا من قطاع غزة الفلسطيني المنكوب. وتتضمن صورة غزة حشوداً بمئات الألوف التي تتجاوز حشود المدينة الرياضية وجوارها. وتهيم الحشود الغزاوية على وجوهها وسط دمار هائل لا تجسد لها مستقراً كما حال البشر في كل مكان.
تقول العبارة المشهورة: من التراب وإلى التراب تعود. حصل هذا مع نصرالله في أيلول الماضي . وتتناسل من العبارة نفسها عبارة مشابهة: من الخراب الى الخراب تعود. هذه هي حال حشود تشييع نصرالله. فقد أدت قيادة الأخير لمصيرهم منذ الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000 إلى هذا الواقع المخيف . وتتحمل إيران كاملة هذا البؤس اللبناني الذي حان الوقت لمحاسبته بمفعول رجعي منذ ربع قرن.
أحمد عياش -”هنا لبنان”
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|