عون إلى السعودية الإثنين... جلسة لمجلس الوزراء قبل الزيارة؟!
"حزب الله" يحوّل تشييع نصر الله إلى "استفتاء"... هل كسب الرهان؟!
تاريخيًا واستثنائيًا، بدا تشييع الأمين العام السابق لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، ومعه خليفته لأيام معدودات السيد هاشم صفي الدين، رغم كلّ محاولات التشويش والتخريب، والحملات المضادة، وذلك في الشكل والمضمون، وتحديدًا في الحشد الجماهيري والشعبي الكبير، بعكس ذلك الرسمي، في "مشهديّة" تحاكي ربما سيرة الرجل الذي عمل على امتداد حياته السياسية، على تكريس انطباع أنه يبقى واحدًا من الناس، وقريبًا منهم.
لا تبدو هذه "المشهديّة" غريبة، باعتبار أنّ "حزب الله" يُعِدّ العدّة لها منذ أن نعى أمينه العام في بيان بدا "صادمًا" للكثيرين، الذين بقي بعضهم حتى التشييع وربما بعده "غير مصدّقين"، فأرجأ التشييع لاعتبارات لوجستية وأمنيّة، إلى ما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية، وما بعد انتهاء مهلة الانسحاب الإسرائيلي الذي لم يكتمل، وذلك لأنّه أراد أن يكون الحدث "بحجم" الشخص، إن جاز التعبير، فلا يمرّ مرور الكرام، وبالتالي ينال الرجل ما يستحقّه من تكريم.
وبعدما أعلن الحزب عن الموعد "الحاسم" للتشييع، تحدّى كلّ المعوّقات والصعوبات والظروف، وربما الضغوط، سواء تلك الداخلية غير المفهومة ولا المبرّرة، أو الخارجية، في ظلّ المخاوف ممّا يمكن أن تقدم عليه إسرائيل، التي لم تفوّت الحدث، فواكبته على طريقتها، بتحليق طائراتها الحربيّة فوق مكان التشييع على علوّ منخفض، قد يكون الأقلّ انخفاضًا على الإطلاق، وقد رصدها المشيّعون بأمّ العين، فهتفوا تلقائيًا: "الموت لإسرائيل".
وأبعد من كلّ ذلك، يمكن القول إنّ "حزب الله" الذي لا يُحسَد على وضعه منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية، وهو ما ترجِم في كلّ الاستحقاقات السياسية وغير السياسية، كان حريصًا على تحويل تشييع السيد نصر الله إلى "استفتاء" ليس على المقاومة فحسب، بل على المبادئ والثوابت التي أرساها الشخص الذي قاد الحزب طيلة 32 عامًا، فهل كسب هذا الرهان، وأيّ رسائل بعث بها إلى القاصي والداني من خلال التشييع الاستثنائي؟!.
في المبدأ، قد تكون القراءة "الأكثر واقعية" للتشييع، هي تلك التي تنطلق من أبعاد عاطفيّة ووجدانيّة، بعيدًا عن الرسائل السياسية المتوخّاة، على أهمّيتها، فمعظم من نزلوا، هاتفين مجدّدًا "لبّيك يا نصر الله"، ولو غاب "نصر الله"، فعلوا ذلك من باب الوفاء لرجلٍ لا ينكر أحد، ممّن خاصموه واختلفوا معه قبل من صادقوه وتحالفوا معه، أنه كان مختلفًا، بما يتمتّع به من قوة وكاريزما ونفوذ، وقبل كلّ شيء قدرة على التأثير.
باختصار، قد لا يكون نجاح التشييع في حشده الجماهيري الضخم، نجاحًا لـ"حزب الله"، بقدر ما هو نجاح لأمينه العام السابق، الذي يدرك الجميع أنّه تخطّى الحزب وتجاوزه، ليس فقط حين "تمدّد" نفوذه، إنّ صح التعبير، إلى المنطقة والإقليم، ولكن أيضًا عندما نجح في بناء علاقة، ربما تكون "شخصية" بينه وبين الناس، علمًا أنّ الكثيرين ممّن بكوه لم ينتموا يومًا إلى الحزب، لكنّهم حفظوا "مكانة خاصة" للرجل عن جدارة.
صحيح أنّ خيارات الرجل وسياساته، وربما أجنداته، لم تكن دائمًا "شعبية"، خصوصًا في مرحلة ما بعد حرب تموز 2006، وتحديدًا أكثر في مراحل السابع من أيار، والدخول إلى سوريا، وحتى الاحتجاجات الشعبية في لبنان، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ ما صنعه على مرّ التاريخ، جعل الكثيرين ممّن اختلفوا معه حتى في هذه الاستحقاقات، يبرّرون له خياراته، أو حتى "يحيّدونه" عن الحزب، رغم إدراكهم أنّه الرجل الأول فيه.
ولعلّ هذا "السرّ" المحيط بالسيد نصر الله يتجلّى بوضوح من خلال التعامل الشعبي مع اغتياله، فمحبّوه لم يستوعبوا الحدث، بل رفضوا تصديقه، وكانوا مع كلّ يوم يمرّ يتأمّلون بأنّه سيطلّ عليهم من مكان ما، حتى إنّ كثيرين ممّن تقاطروا لتشييعه ووداعه، كانوا يتأمّلون بمشهد "هوليوودي" من نوع خروجه من النعش، ليخطب في الشعب، ولعلّ ذلك ما يفسّر موجات البكاء الهستيرية التي انتابت الناس، وكأنّهم أدركوا للتو أنّ الرجل لم يعد بينهم فعلاً.
وإذا كان صحيحًا أنّ عنوان "الوفاء" هو الذي رفع أسهم التشييع، ودفع الناس إلى الشوارع، فإنّ الصحيح أيضًا أنّ "حزب الله" حرص على الاستفادة من "عاطفيّة" هذه اللحظة الصادقة والحقيقية ليوجّه رسائل "نوعيّة" للقاصي والداني، تتقاطع على معاني الصمود والاستمرارية، ومعها تثبيت الحيثية الشعبية التي لم تضعف بخلاف كلّ ما يتمّ الترويج له في بعض الأوساط السياسية، وهو ما يمكن "توظيفه" في الاستحقاقات السياسية الآتية، على أكثر من مستوى.
فبمعزل عن الدوافع الفعليّة التي حقّقت الهدف المرجوّ من حيث الحشد، يمكن القول إنّ "حزب الله" كسب الرهان على المستوى الشعبيّ، فكان المأتم مهيبًا بأتمّ معنى الكلمة، بعدما ملأت الجماهير الساحات عن بكرة أبيها، متخطّية بذلك كلّ العوامل المعوّقة، من الطقس البارد، إلى المخاوف الأمنية، وصولاً إلى التهديدات الإسرائيلية التي لم تتوقف، وقد تعمّدت إسرائيل مواكبة الحدث أساسًا بغارات متسلسلة على مختلف المناطق اللبنانية.
ومن خلال هذا الحشد، وجّه "حزب الله" أكثر من رسالة، على مستوى "تثبيت الحيثية"، في ردّ ضمنيّ على كلّ ما روّج له خصومه في الفترة الأخيرة، عن أنّه أصبح ضعيفًا ليس فقط على المستوى العسكري، ولا حتى على المستوى السياسي، بل أيضًا على المستوى الشعبيّ، بل إنّ هناك من خرج ليقول إنّ "بيئته الحاضنة" تخلّت عنه، فإذا به يؤكد أنّه لا يزال قادرًا على التحشيد والتنظيم، وأنّ جمهوره لا يزال متمسّكًا بخيار المقاومة.
ولعلّ خصوم "حزب الله"، أو بعضهم على الأقلّ، لعبوا دورًا في "تقوية" الحزب ربما من هذه الناحية، فحملات التشويش التي أطلقوها قبيل وأثناء التشييع لم تكن في مكانها، وكذلك محاولة التقليل من حجم المشاركة، عبر الرمي بأرقام وإحصاءات تبيّن أنها غير دقيقة، فضلاً عن دخولهم في "مقارنات" لا طائل لها ولا تخدم أيّ هدف جدّي، بين تشييع السيد نصر الله، وجنازات سياسيين آخرين، وكأنّ الأمر أضحى "بازارًا"، إن جاز التعبير.
في النتيجة، قد لا يكون مُبالغًا به القول إنّ "حزب الله" نجح في تحدّي التشييع فعلاً، وكسب الرهان، ولعلّه أيضًا عوّض بعضًا من الإخفاقات التي تعرّض لها في الآونة الأخيرة، وكأنّ هذه المشهدية هي التي كانت تنقصه فعلاً. إلا أن هذا النجاح هو بمثابة سيف ذي حدّين، فهو يضع القيادة الجديدة للحزب أمام مسؤوليات مضاعفة، فالتشييع كان "محطّة فاصلة" بين زمنين وعهدين، وما بعده يفترض أن يكون مختلفًا، في الشكل والمضمون!.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|