هل COVID مسؤول عن زيادة الإصابات بالجلطات والذبحات القلبيّة والسكتات الدماغيّة؟
احتفاليّة نصرالله: “الحزب” يقول الشيء ونقيضه؟
ما كان احتفال التشييع مثيراً أو هائجاً، لكنّه أرسل رسائل متناقضة مع الدولة وضدّها، فالمقاومة بحسب عباس عراقتشي ونعيم قاسم باقية، وبيدها المبادرة، وهي تنتظر الظروف المناسبة! بيد أنّ الخلاف مع إدارة الدولة لا يقتصر على ذلك. إذ شرط “الحزب” للانضواء تحت مظلّة دستور الطائف، البدء بإعادة الإعمار، ورؤية الإدارة أن لا تمويل بدون إنفاذ برامج الإصلاح. أمّا رئيس الجمهورية فقد صارح الإيرانيين بأنّ لبنان ما عاد يتحمّل حروب الآخرين على أرضه!
طوال شهر سعى “الحزب” وأنصاره في العراق وإيران والمهاجر لجمع حشدٍ معتبرٍ بعشرات الألوف في تشييع حسن نصرالله ورفيقه أو رفاقه. اجتمعت هذه الحشود من حول الضريح الضخم الذي أُقيم على عجلٍ بأعمدةٍ شامخة إلى جانب الطريق الذي يقود إلى مطار بيروت. كان الحشد ضخماً، وهذا صحيح، لكنّه كان منظّماً ولا يتعمّد الإثارة التي تتعمّدها احتفاليات حماس في إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. إنّما الأبرز في ما قيل هو كلام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي بالمطار، وكلام الأمين العامّ لـ”الحزب” نعيم قاسم.
المشترك في الكلامين الإصرار على بقاء المقاومة وقوّتها وقدرتها على تحدّي العدوّ. وهو كلامٌ يوحي بأمرين، الأوّل إرادة تجاوز الصدمة وإنكار الهزيمة، وهذا مفهوم وليس تجاه إسرائيل بل وتجاه الجمهور الشيعي، وتجاه الجمهور اللبناني والمسؤولين الذين يسمّيهم نعيم قاسم ساخراً: جماعة السيادة.
أمّا الأمر الثاني فهو الإصرار على الاستراتيجية الإيرانية الأصلية، وهي خلق أذرع عسكرية ودعويّة لإيران بالخارجين العربي والإسلامي للدفاع عن مصالحها ولو بالسلاح. فالمقاومة مصطلح قديم للحركات المسلّحة الفلسطينية. وفي تسعينيات القرن الماضي وما بعده دخلت عليها إيران باعتبارها قطباً داعماً، والآخرون عرب وعلى رأسهم النظام السوري. ثمّ في عام 2008 اجتمعت فصائل المقاومة بطهران بزعامة خامنئي، وأُعلن بدلاً من تحرير أرض فلسطين، سيطرة “المقاومة” على أربع عواصم عربية. ومنذ ذلك الحين صارت الحركات المسلّحة بالدول العربية، إلى جانب النظامين العراقي والسوري، حركات مقاومة تعمل عند طهران وتعتمد مصالحها وظروفها الاستراتيجيّة في تحرّكاتها ببلدانها أو تجاه العدوّ الصهيوني.
تغيير الاستراتيجية الإيرانيّة
في عام 2015 عندما أُقرّ الاتّفاق النووي بين الولايات المتّحدة وإيران ألقى قائد الحرس الثوري خطاباً في تقويم الاتّفاق وما يحقّقه لإيران، وكان “الحزب” من ضمن مَنْ شكر جهودهم في بلوغ الاتّفاق. وهكذا صارت تحرّكات “الحزب” ذات نوعين: تحرّكات داخلية لتثبيت السيطرة مثل احتلال بيروت أو الاغتيالات، وتحرّكات استراتيجيّة مثل مهاجمة إسرائيل أو التدخّل في سورية، وهذه تشتغل عليها إيران وينفّذها بالأوامر والإرشادات قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني.
إنّ حرب عام 2023-2024، سواء في غزة أو في لبنان، كانت شديدة الدلالة من حيث وضوح المصائر والنتائج. فقد انهزمت حماس عسكرياً، وكذلك “الحزب”. وكانت خسارة “الحزب” أوضح. وحصلت ظاهرة جديدة. جرت الإغارة على درع المقاومة (إيران) مباشرة وبضربات مؤثّرة. الأميركيون والإسرائيليون ما يزالون يضغطون بشدّة على أمل أن تغيّر إيران استراتيجيّتها لثلاث جهات: الأذرع بالخارج، والتخصيب في النووي، وإنتاج البالستي.
بالفعل صار هناك انقسام داخلي بإيران بشأن التغيير من عدمه للتقارب مع أميركا. والمرشد والحرس ما يزالون متشدّدين في اتّباع المسار السابق، في حين يتردّد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ونائبه أو مستشاره محمد جواد ظريف المتّهمان بمحاباة أميركا، لكنّ ترامب عصيّ على التحبّب كما هو معروف.
خطابات استمرار المقاومة ربّما تكون لمواجهة الصدمة الهائلة وتقوية عزائم الحزبيّين، والجمهور الشيعي بعامّة. فلا فقيد مثل حسن نصرالله، وليس لدى شيعة لبنان فقط، بل ولدى شيعة العالم. لكن ماذا لو كانت استراتيجية المقاومة باقية بالفعل كما زعم عراقتشي ونعيم قاسم؟ ليس عند الإسرائيليين مشكلة في بقاء ما يُسمَّى المقاومة. فهم مستعدّون لإطلاق النار على كلّ طائر بالجنوب. وإذ انتفت وظيفة السلاح التحريريّة المزعومة، فماذا يفعل بالداخل إلّا تحدّي الأمن والأمان.
هيهات… هيهات
نعيم قاسم زعم في خطابه أنّهم منعوا إسرائيل من الاجتياح، وهي التي طلبت وقف النار. وكلا الأمرين غير صحيح بالطبع. لكنّه أضاف أنّ الوظيفة الثانية، أي إنفاذ اتفاقيّة الانسحاب، فهو يعهد بها للدولة، ومع ذلك يسخر من “السياديين” ويسألهم ماذا فعلوا حتى الآن وقد خرقت إسرائيل الاتّفاق؟ بالأحرى المقاومة باقية وجاهزة لهذه الظروف والسياقات، وهي التي تقرّر متى تعود للمواجهة! ما دام الأمر كذلك فما معنى كلام نعيم قاسم عن العمل تحت مظلّة دستور الطائف مع الآخرين؟
هكذا يبدو أنّ إيران لم تقرّر تغيير سياساتها بعد، و”الحزب” وجمهوره يشعرون بالصدمة، لكنّهم لا يريدون الإقرار بالقهر، وما يزالون يشيدون بالتعاون مع الأخ الأكبر الذي يعنون به نبيه برّي.
وخلاف آخر وليس الأخير بين الدولة و”الحزب”، فنعيم قاسم يقول: المقاومة تريد إعادة الإعمار الآن، وهذا مفهوم لأنّ المشرّدين والمخروبي الديار معظمهم من جمهور الشيعة. لكنّ الإدارة تقول إنّ المؤسّسات الدولية والعربية لن تعطي قرشاً إلا بعد القيام بالإصلاحات المالية ومشروعها جاهز وصندوق النقد مستعدّ للمساعدة في التنفيذ. الكلّ يخشون الإصلاح، ومنهم “الحزب” وسائر الطبقة السياسية، إنّما لا فلوس للإعمار أو لإعادة البناء والمضيّ في المشروعات الكبرى إلّا بعد الإصلاح أو خلاله.
لدى بلادنا عقبات إذاً: “الحزب” مع المقاومة ومع الدولة، وهذا مشكل. وعندنا استراتيجية إيران التي أُضعفت، لكنّها ما تزال توسّعية. وعندنا الاضطراب الذي لن يهدأ على الحدود مع سورية الجديدة. وعندنا أخيراً المواجهة بين برنامج رئيس الجمهورية وسطوة الطبقة السياسية الباقية، وقد صار الحزب المسلّح من ضمنها.
رضوان السيد-اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|