"نعدك أن نحمل الأمانة ونسير على دربك"...رسالة من الشيخ يوسف جربوع في ذكرى اغتيال "المعلّم"
سنة لبنان… مع الشرع حتى إشعار آخر!
ما كاد سنة لبنان يتنفسون الصعداء مع سقوط نظام “البعث” في سوريا وعودة السنة الى الحكم، حتى عادت الأمور الى المربع الأول، أي الى المربع الرمادي الذي يبقيهم اما في دائرة الحرب واما في دائرة الغبن والعزل.
فما جرى في الساحل السوري قبل أيام أعاد خلط الأوراق من جديد، وأحبط الكثير من الآمال التي عقدها السنة اللبنانيون على الحكم الجديد في دمشق، ووضعهم بين خيارين: اما تبني ما جرى من منطلق الانتقام، وهذا أمر يضعهم في خانة الأصولية السنية ومنحاها الدموي، واما التنصل منه والعودة الى المنطقة الرمادية التي لا توحي لهم لا بالأمن ولا بالأمان سواء من عوامل داخلية أو من حمايات خارجية.
وليست الاجتماعات المتسارعة التي عقدتها حيثيات سنية نافذة الا دليلاً على مدى القلق الذي أعقب النزوح العلوي الجارف من سوريا نحو طرابلس والشمال، وهو نزوح يلقى حماية مباشرة من “حزب الله” ويحمل في طياته إمكان التحول الى كتلة مسلحة جاهزة للقتال تماماً كما جرى في معارك جبل محسن وباب التبانة، وكما جرى مع “فتح الاسلام” في نهر البارد من قبل وكذلك المنظمات الفلسطينية.
وتكشف مصادر قريبة من طرابلس وجود صدمة سنية حيال ما جرى في الساحل السوري، مؤكدة أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، سواء أمر بما حدث في اللاذقية وطرطوس وحمص أو أفلت الأمر من يده، وجد نفسه بين حالتين، الأولى تمثل الماضي الثقيل الذي يلاحقه، والثانية تمثل المستقبل “النظيف” الذي لا يستطيع الوصول اليه وسط تباينات خطيرة مع الفصائل التي خلع معها الرئيس بشار الأسد، ووسط صراع تركي- كردي وتركي- ايراني وتركي- اسرائيلي، اضافة الى ضغوط دولية وعربية تطلب منه أمراً شبه مستحيل أي تحويل سوريا التي قررت تحويل الفقه الاسلامي الى مصدر وحيد للتشريع، الى دولة علمانية بين ليلة وضحاها.
وتضيف المصادر أن ثمة خوفاً من ثلاثة هواجس: الأول أن يتحول النزوح العلوي أمراً واقعاً على غرار نزوح من سبقهم، والثاني أن يصدر قرار دولي باطاحة الشرع، على غرار ما أصاب الرئيس “الاخواني” محمد مرسي في مصر وتفجير حرب أهلية جديدة في سوريا، والثالث أن يعمد الجيش السوري الجديد الى اعتبار لبنان مقراً لفصائل علوية- شيعية تديرها ايران التي تتهالك لاستعادة سوريا أو على الأقل لتثبيت موطئ قدم لها على سواحلها القريبة من لبنان.
وتميل المصادر على الرغم من كل هذه التعقيدات والهواجس، الى اعتبار الشرع مصدر أمان في الوقت الحاضر وترفض أي محاولات محلية أو خارجية لاسقاطه، وهو ما برز في خطاب العودة الذي ألقاه الرئيس سعد الحريري في ذكرى “الرابع عشر من شباط” وفي الكلمة التي ألقاها قبل أيام المفتي عبد اللطيف دريان، وذلك انطلاقاً من معادلة تفيد بأن السلاح الذي يحمله “حزب الله” خصوصاً والشيعة عموماً يجب أن يوازنه طرف سني مقاتل صودف أن يكون “هيئة تحرير الشام” التى تولت طرد ايران وأذرعها من مخابئ بشار الأسد وحصونه، وتولت ضبط المعابر التي تنقل المال والسلاح الى محور الممانعة في لبنان.
والواقع أن تمسك السنة اللبنانيين بالرئيس الشرع لا ينطلق بالضرورة من شرعيته أو من دستوره الجديد، معتبرين أن وجود جار سني قوي في سوريا يبقى أفضل من الجار العلوي- الايراني الذي قهر سنة الشام وقتل معظم الحيثيات السنية في لبنان، خصوصاً أنه يحظى أيضاً بدعم عربي تتقدمه السعودية التي تحاول منع التهجير السني من غزة والضفة الغربية كما يخطط الرئيس الأميركي دونالد ترامب واسرائيل واستعادة القرار السني في سوريا وتعزيزه في كل من بيروت وبغداد.
لكن مصادر سنية لبنانية وعربية واسعة تكشف أن الآمال شيء والواقع شيء آخر، ملمحة الى أن وجود نواف سلام في السراي الحكومي لا يوحي بالثقة، مصرة على أنه لا يملك الهيبة التي تخوّله أن يكون نداً للسطوة الشيعية في مكان أو زعيماً للسنة في مكان آخر.
وتضيف أن الخيار الوحيد أمام السنة اللبنانيين الآن هو الرهان على قوة الشرع في انتظار ثلاثة أمور أساسية: الأول فتح السراي أمام زعيم سني قادر على خلق توازن شعبي وسياسي في مواجهة المحور الشيعي- العلوي، والثاني خلق جيش وطني قادر على ضبط الحدود ولجم الداخل، والثالث تمكن الرئيس ترامب من ترويض ايران واعادتها اما الى رشدها واما الى حجمها الطبيعي عسكرياً وجغرافياً.
وسط هذا الجو الرمادي، لا يبدو المكون المسيحي أفضل حالاً، لكنه يبقى الى حد ما بعيداً من حرائق السنة الذين يشعرون للمرة الأولى ربما أن انقاذ لبنان هذه المرة لا يمكن أن يتم الا من خلال محور سني- مسيحي ترعاه السعودية وتحميه الولايات المتحدة، وتضخ فيه الروح الوطنية التي غمرت الرابع عشر من آذار قبل عشرين عاماً ووضعت محور الممانعة في الزوايا الصعبة قبل أن “ينفخت الدف ويتفرّق العشاق”.
أنطوني جعجع-لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|