تأجيل تسليم سلاح "الحزب" شمال الليطاني؟
في الحياة السياسية اللبنانية بقواها الرئيسية، الفعلية والصّوَرية، ومتفرّعاتها من إعلاميين وكُتّاب ومحلّلين، هناك مشكلة جديّة هي أن القوى الخارجية، دولاً كبرى وصغرى ومنظمات وهيئات، تستسيغ مطلباً معيناً يلهج به بعض الواقع السياسي الداخلي فترفَعهُ تلك الدوَل، شرطاً من شروط قيامة البلد، من دون الالتفات إلى مضاعفاته التي تتعلق أحياناً بالكيان. وأحيانا يحصل الأدهى بأن تحدّد القوى العالمية أو العربية مطلباً يناسبها في مرحلة معينة، فتتراكض قوى الداخل إذا كان يلائم أفكارها، إلى تبنّيه ورفْعه شرطاً من شروط سلامة البلد. غير أن المصيبة تتجسّد عندما يرى ذلك الخارج الدولي، في لحظة معينة، أن يؤجل، أو يضع ذلك المطلب جانباً بعد ظهور مؤشّرات ميدانية، على أرض بلدنا أو المحيط، تستدعي ذلك، فيرفض الداخل أو بعضه على الأقل هذا التأجيل، ويزايد على الخارج ويتهمه بالتراخي والتهاون ويعتبر ذلك نكوصاً لا يجوز الاستسلام له، داعياً اللبنانيين «كلهم بلا استثناء» إلى استنهاض الهمَم لطرح ذلك الشرط عنواناً أول لا محيد عنه، ومواجهة الخارج الدولي الذي يتردد حياله بالمزيد من التركيز عليه والسعي إلى «فَرْضه»!
الموضوع المطروح مرحلياً في «سياسة» بعض اللبنانيين، هو نزع سلاح حزب الله شمال الليطاني، لا جنوب الليطاني فقط! لكنْ أطلّت «المديرة» الأميركية أورتاغوس وشددت على أن ١٧٠١ معني بسلاح حزب الله جنوب الليطاني (لأنه يَهُمّ إسرائيل) أما شمال الليطاني فأوحت بأنه مؤجّل. لم يعجب كثيراً من اللبنانيين هذا التحديد، وهم يمنون النفس أن يكون انتزاع السلاح تاماً وناجزاً، في كل لبنان، فقاموا معترضين.
مرّة جديدة يلتصق، خصوصاً جماعة السيادة، بالخارج « المناسِب» لهم في مرحلة، ثم يسابقونه «على ما يقدّر االله». ومرة جديدة يخفقون في فهْم استعجال أو استبطاء الولايات المتحدة وإسرائيل لأمر معين. إذ عندما تعلن أورتاغوس اهتمامها وتركيزها على السلاح جنوب الليطاني، تكون فعلياً وإدارياً تنفّذ المشيئة الأميركية والإسرائيلية لا مشيئة مَن يعترض ومَن يوافق داخل لبنان. ولشدّة حساسية هذا الموضوع خارجياً (عند أورتاغوس الداخل اللبناني ديكور!) تحسب كل كلمة تقولها، وتتحسّب إلى أين ستسير كل فكرة تطرحها، ولا تنظر إلى بعض اللبنانيين الواضعين « فُوكَس» على مسألة غاية في الصعوبة حتى الاستحالة، ويريدون تحقيقها (عبْر القوة!) لا بقدراتهم الذاتية التالفة بل بقدرة الآخرين. وكما صفقوا لإسرائيل في ضربها سلاح حزب الله على الأرض اللبنانية كافةً، يطمحون إلى إكمال الدائرة بنزع سلاح الحزب في بقية المناطق.
دوَل العالَم ليست خادمة للبنان في الماضي ولن تكون في الحاضر ولا في المستقبل. اللبناني خادم العالَم. العالَم البعيد وبعض المحيط يطلق له الشعارات والعناوين ويعطونه بعض التفاصيل، ويتركونه يتقلّب «على جمر النار» كما تقول الأغنية الكلثومية، فتَهُبّ قوى في البلد وفاعليات إلى التنفيذ.. ولكن بالرنين الصوتي، والأنين من عدم القدرة على شيء إلّا بالصوت.
ويبدو أن محاولة «الإبادة» للطائفة العلوية، والتحرّشات البغيضة التي حصلت مع عائلات مسيحية في سوريا من جماعة النظام الجديد علناً وسافري الوجوه والأصوات والبنادق واللغة المذهبية، وعدد الضحايا الهائل فعلاً لا قولاً، فضلاً عن أنها أنست بلاد الكرة الأرضية كلّها مجازر غزة ولبنان بأيدي إسرائيل، رمَت تلك «الإبادة»على العقول والوجوه الغربية (الأوروبية وبعض الأميركية) أسئلة مُلحّة وسريعة هي إمكان انتقال الحرب المذهبية بأفعالها التكفيرية التي تنفي العقل والمشاعر والأيمان عن أصحابها، إلى بعض المناطق اللبنانية المتاخمة لسوريا كالبقاع والشمال، وكيف يمكن أن «ينخرط» لبنان كلّه بهذه الحرب في حال واصلت تمددها، وما هي التأثيرات الإجبارية السوداء التي ستخُطّها على خريطة لبنان الجغرافية والمناطقية والاجتماعية، فرأَت (أقصد العقول والوجوه الغربية وبعض الأميركية التي نتحدّث عنها) أن موضوع نزع أو تسليم سلاح حزب الله في شمال الليطاني اليوم بات أمراً أكثر صعوبة واستحالة بفعل الخشية الحقيقية من وصول منطق القتل على الهوية المذهبية إلى لبنان، وتحديدا إلى مناطق الشيعة التي تتضمن قرى وبلدات مسيحية، أي مناطق حزب الله وحركة أمل، في حال قرّر فريق من أفرقاء «القوات المسلّحة السورية الرسمية» الثلاثين، أن يخالف الأرادة الرسمية التي تمنع ذلك حتى الآن! و«مخالفة» القرارت بدأت تظهر عبْر وضع الإبادة التي حصلت على أكتاف» العمشات» و«الحمزات» من الفصائل لا في حضن وزارة الدفاع!
لا ندري ما هي بالضبط، الأسباب التي حكمَت في لحظةٍ معينة، لدى المجتمع الدولي بأنّ سلاح حزب الله شمال الليطاني ليس وقته الآن، وما هي العِبرة من الفكرة سِوى ما يقال مع بعض السرية عن أن حصول اختراق سوري للحدود اللبنانية لن يكون الجيش اللبناني، وحده، قادراً على صدّه بسبب انتشاره الجنوبي وفي البلد عموماً، فيصبح سلاح حزب الله ذا مهمة وطنية تعني كل اللبنانيين بمساعدة الجيش. وهذا لا «يؤمن»البعض بالوصول إليه رغم أنه ليس وضعاً جديداً فمعارك الجرود شاهدة على تنسيق غير مسبوق على الأرض وفي جبهة القتال بين الطرفين!
من دون تردد، بإمكاننا القول إن اللبنانيين في أحزابهم وقواهم السياسية وآرائهم غير العلنية يدرسون بدقة هذه المسألة. أتحدّث عن القوى السياسية غير «المُجَمّدة» في تصانيفها. بعضهم يأخذ التحدي من باب الخطر المقبل حتماً، وبعضهم من باب الخطر المحتمل، وبعضهم الأخير من باب « العنزة ولو طارت»أي المُتابَعة في طرح تسليم سلاح الحزب بلا هوادة كائنة ما كانت الانعكاسات والتوقعات، وكائنة ما كانت الظروف اللاحقة، فالمهم عندهم «إكمال المسيرة» ولو في المنام. لكنّ الحذر الرسمي من الإيغال فيه يبدو واضحاً لدى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، انطلاقاً من المذبحة الشامية، وقبلَهم رئيس المجلس النيابي المَعني مباشرةً به كون جماعته السياسية والشعبية رأسها «في الدقّ» حسب اقتراح « بايجر» في الكونغرس الأميركي.
نتذكّر هنا، حين منعَ حزب الله الدواعش الذين هددوا قرى شيعية ومسيحية في البقاع الشمالي وحاولوا أذيّتها بالمدافع والسيارات المفخخة والإرهابيين التفجيريين بالأحزمة الناشفة، كيف انقلب أغلب الرأي العام المسيحي إلى مؤيد لمشاركة الحزب في قتال جماعات التكفير القريبة من حدود لبنان درءاً للشرّ الماثل منهم، إلى حدّ أن شخصية روحية مسيحية كبيرة قالت ونُشِر كلامها: «لولا وجود الحزب على الحدود الشرقية الشمالية لكانت داعش في جونيه»!
لا أميركا بحاجة إلى «نصائحكم»، ولا أوروبا، ولا الدول العربية، فكلّ ما يجري، للأسف موضّبٌ في السلّة الأميركية التي تقرّب البعيد حين تشاء، وتُبعد القريب حين تشاء تبعاً لمصالحها وأولويّاتها. وهي، بكلام أورتاغوس، تقلَّبُ المعطيات الجنائزية (المؤيَّدة لدى البعض) وتفحصها حتى الآن. أمّا المَوتورون داخلنا فمِن الأفضل ترْكهم إلى أن يصل رصاص الغدر إليهم فيحكموا بمقتضى الحال. والحال اليوم عندهم هي نزع سلاح حزب الله على أساس أن الدولة اللبنانية ومؤسساتها ووزرائها ونوّابها ومدرائها العامين وكل الموظفين والأكل والشرب والرزق والبطالة والديون والجنون.. سينتهي كلّه بمجرد تسليم آخِر صاروخ لدى حزب الله إلى السُّلْطة التي تمنعها أميركا وإسرائيل من الاحتفاظ به، فيتم تفجيره في الهواء الطلْق!
عبد الغني طليس - اللواء
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|